منذ منتصف الثمانينيات، كان المجتمع في سوريا بحالة من التقلب، حيث أدت التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في العقدين الماضيين إلى حدوث تغييرات عميقة، وإعادة تنظيم في البنية الاجتماعية، لكن الآثار والنتائج المحتملة للتغيرات التي حدثت في السنوات الماضية تثير الكثير من التساؤلات ولا سيما حول الطبقة المتوسطة، ونسبة “الحيتان” في السوق السورية.

أين ذهبت الطبقة المتوسطة؟

في حديثه لإذاعة محلية، أكد الدكتور شفيق عربش، الأستاذ في كلية الاقتصاد والمدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء، أمس الجمعة، أن نسبة الفقر في سوريا لا يمكن أن ترتفع أكثر من ذلك، لأن المجتمع مقسّم إلى نصفين.

وبيّن الأستاذ في كلية الاقتصاد، أن الطبقة الوسطى في المجتمع السوري اختفت، حيث أن الطبقة الأولى، التي تمثل 93 بالمئة، هم من غالبية السكان، ويعيشون ضمن الفقر المعتدل إلى الفقر المدقع. أما “حيتان” الأسواق والتجار، وهم الطبقة الثانية، والتي نشأت بعد عام 2011، وتشكل نحو 5 إلى 6 بالمئة من السكان.

وأوضح عربش، بأنه إذا نظرنا إلى تصرفات الحكومة وقراراتها على مدى العامين الماضيين، سنرى أنها وجّهت أساسا لجعل الناس أكثر فقرا. واستشهد على وجه التحديد بالقرار الأخير برفع أسعار الغاز بنسبة 137 في المئة، في وقت كانت فيه أسعار النفط تهبط عالميا، كدليل على عجز الحكومة في حل مشاكلها بعقلية “البائع القديم”، حسب وصفه.

وقال الدكتور عربش، “بالنظر إلى واقع الموظفين قبل سنوات نجد أننا فقدنا أكثر من 96 بالمئة، من القوة الشرائية، واليوم الناس هم من ينفقون على الحكومة، وأفضل خدمة تقدمها هي أن تستقيل”. كما أبدى ملاحظة مفادها أن هناك شماعة تضع عليها أسباب جميع القرارات، وهي ارتفاع تكاليف النقل والشحن.

الثراء الفاحش في سوريا

لطالما كانت الطبقة الوسطى في المجتمع السوري هي الطبقة الأهم والأوسع، والتي كانت تسبب استقرارا اقتصاديا واجتماعيا، وتعتبر الطبقة الوسطى عادة المحرك الأهم لعجلة أي اقتصاد، ولكنها بدأت بالتلاشي شيئا فشيئا خلال سنوات الحرب.

أسباب تلاشي الطبقة الوسطى وفق ما يراه المحللين الاقتصاديين، بدأت بالحرب التي تلاها الحصار والحرب الاقتصادية، إضافة إلى غياب أية إجراءات لمواجهة انهيارات القدرة الشرائية لليرة السورية، وتغوّل التجار، والفساد المستشري، فكل ما سبق أدى لتراجع الطبقة الوسطى وتحوّلها إلى طبقة فقيرة.

كما أن حدوث ما يشبه سكتة اقتصادية نتيجة كسر سلاسل المستهلكين كان سببا في وجود الثراء الفاحش للتجار، فلم تعد هناك قدرة لاستهلاك المواد المنتجة، ما أدخل البلد في مرحلة تضخم وكساد، ومع كل الآثار التي يلمسها المواطن اليوم لهذه المتغيرات، إلا أن النتائج ستكون أخطر مستقبلا، وقد تكون التبعات الاقتصادية أخطر من قبل إذا استمر التعامل مع المتغيرات على ما هو عليه.

ازدياد شرائح الفقر

وفي سياق تلاشي الطبقة الوسطى، تشهد سوريا زيادة في عدد الشرائح الفقيرة، نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار بشكل خيالي، الأمر الذي ينذر بكارثة قد تحلّ على نسبة كبيرة من السوريين، خاصة في المحافظات السورية التابعة لدمشق، في ظل تدني مستوى الرواتب هناك.

وكان مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، محمود الكوا، قال في نيسان/أبريل الفائت، لوسائل إعلام محلية، أنه في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الواقع المعيشي في البلاد، فإن الشرائح التي تحتاج إلى دعم أهلي قد ازداد بالتأكيد، لذلك فقد أصبح من كان يعيش على خط الفقر تحت هذا الخط، بحسب متابعة “الحل نت”.

وحسب متابعة “الحل نت”، تزداد حياة السوريين صعوبة مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وخاصة الخضار والفواكه، حتى وصل الحال بهم إلى شراء الخضار بالحبة أو الحبتين، وهو أمر لم يعتد عليه السوريون من قبل، لكن الظروف المعيشية السيئة والحاجة دفعتهم إلى ذلك، خاصة وأن رواتبهم الشهرية ضئيلة جدا ولا يكفيهم سوى لبضعة أيام.

تعددت أسباب هذا الغلاء، الذي بدا غير عادي منذ بداية العام الجاري، خاصة في بداية شباط/فبراير الماضي، عندما سحبت الحكومة الدعم عن شريحة واسعة من المواطنين، تلاها الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى ارتفعت الأسعار بشكل جنوني في الأسواق.

وقال برنامج الأغذية العالمي في تقرير له في آذار/مارس الفائت، مع دخول النزاع في سوريا في عامه الحادي عشر، تواجه الأسر في جميع أنحاء البلاد مستويات غير مسبوقة من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. ويكافح المزيد من السوريين اليوم أكثر من أي وقت مضى لوضع الطعام على موائدهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.