أخيرا، تكللت جهود العراق الخارجية والاقتصادية في العمل بشأن الخروج من دائرة الدول ذات المخاطر بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال أجهزة رقابية متمرسة وملتزمة بالقوانين والأنظمة المتعلقة بالنظام المالي والمصرفي، لتثمر تلك الجهود عن رفع اسمه من قائمة الدول ذات “المخاطر العالية”، للجرائم المالية.

العراق حاليا أصبح ضمن “القائمة البيضاء”، للدول في تطبيق المعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال، وفقا للمستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، وذلك بعد كانت “المفوضية الأوروبية” قد صنفته وفي أيار/مايو 2020، بجانب دول أخرى، منها أفغانستان وباكستان، وسوريان واليمن، وإيران، وكوريا الشمالية، ضمن قائمة الدول التي تشكل مخاطر مالية على الاتحاد الأوروبي، بسبب القصور في مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

بعثة “المفوضية الأوروبـية”، للدول عالية المخاطر في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، سلّمت الخميس الماضي، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، رسالة تضمنت رفع اسم بلاده من قائمة الاتحاد الأوروبي للدول ذات المخاطر العالية في مجال مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب.

بعثة المفوضية، هنأت العراق أيضا على ما تم اتخاذه من إجراءات وجهود كبيرة لتحسين منظومة مكافحة غسيل الأموال، ومحاربة تمويل الإرهاب، بحسب وزارة الخارجية، التي أكدت في بيان أطلع عليه موقع “الحل نت“، أن التعاون الإيجابي والمستمر الذي قدمه الاتحاد الأوروبي، والدول التي صوتت على القرار (دون ذكر اسمائها) وبعثة الاتحاد في العراق، جاء بعد أن ارتقى العراق بإجراءاته إلى مستوى المتطلبات الدولية.

تعليقا على ذلك، قال مستشار المالي لرئيس الوزراء، اليوم الأحد في تصريح لصحيفة “الصباح“، المملوكة للحكومة العراقية ومقرها بغداد، إن “العراق نجح في كبح الهدر المالي ومكافحة غسل الأموال من خلال بناء أجهزة رقابية متمرسة وملتزمة بالقوانين والأنظمة المتعلقة بالنظام المالي والمصرفي“، مبيّنا أن “حزمة الإصلاحات المالية والإجراءات الفاعلة لملاحقة مصادر الأموال، أدت إلى استعادة العراق ثقة المجتمع الدولي به في التعاملات المالية، والصفقات التجارية“.

اقرأ/ي أيضا: هل يصمد قانون “الأمن الغذائي” أمام مشكلات الاقتصاد العراقي؟

العراق وفكرة غسيل الأموال

جريمة غسل الأموال، وبحسب اتفاقية فيينا لعام 1988 تعني تحويل الأموال أو نقلها مع العلم بأنها مستمدة من أية جريمة أو جرائم، بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال، أو قصد مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب مثل هذه الجريمة، أو الجرائم على الإفلات من العواقب القانونية لأفعاله.

صالح أضاف، أن “العراق خاض حربا على عصابات غسل الأموال وملاحقة عمليات التحويل، والإيداع، والإخفاء بكفاءة عالية في الداخل والخارج“، وأوضح أن “مكتب مكافحة غسل الأموال، وأموال الجريمة، والإرهاب هو مكتب مستقل ماليا وإداريا، ويمارس أعمال تنسيق المعلومات هو أقرب إلى وحدة الاستخبارات المالية“.

ويتلقى المكتب التعليمات والتوجيهات من المجلس الأعلى لمكافحة غسل الأموال، وأموال الجريمة والإرهاب، ويضم في عضويته ممثلين عن الوزارات، والجهات ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال، والجرائم المالية، بحسب المستشار المالي لرئيس الوزراء.

كما أن “الجرائم التي يحقق فيها مكتب مكافحة غسل الأموال تتعلق بنقل الأموال وتحويلها، أو إيداعها وإخفائها على اعتبارها محصلات جرمية، مرتبطة بطيف واسع يدخل ضمن تعريف الأموال، سواء كانت نقدا، أو عينية كالعقارات، والقطع الأثرية، وغيرها الكثير ممن تُعد جريمة مالية يحاسب عليها القانون العراقي رقم 39 لسنة 2015 “، بيّن صالح.

ولفت، إلى أن “العراق عضو في منظمة العمل الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا“، موضحا أن “تلك العضوية ساعدت العراق في تطبيق المعايير الدولية في مكافحة غسل الأموال، وخروجه من القائمة الرمادية، والدخول في القائمة البيضاء للدول التي تكافح غسل الأموال“.

اقرأ/ي أيضا: 21 محطة جديدة لتطوير نظام الرصد الإشعاعي في العراق

كيف يمكن بقاء العراق بالـ “القائمة البيضاء“؟

من جانبه، قال الأكاديمي عيادة سعيد لـ “الصباح“، بأن “تطبيق التشريعات القانونية الخاصة بمكافحة غسل الأموال يُلزم المصارف والمؤسسات المالية بالتحقق من هويات الأشخاص المتعاملين“.

سعيد شدد أيضا، على “ضرورة إبلاغ الجهات المعنية بالمعاملات المشبوهة وتـلـك الـتـي لا مبرر اقتصادي منها“، داعيا إلى “التنسيق بين المؤسسات المصرفية، والجهات الرقابية الأخرى ومنها هيئة النزاهة“.

 فيما أوضحت عميد كلية الأعمال في جامعة النهرين، نغم حسين لـ “الصباح“، أن “مراقبة عمليات غسل الأموال يجب أن تكون مدروسة“، كما اقترحت “اتخاذ الإجـراءات الكفيلة بمنع استخدام شبكة الإنترنت في عملية غسل الأموال، إلى جانب تشجيع استخدام الأساليب الحديثة والآمنة لإدارة الأمــوال، واحتفاظ المؤسسات المالية بجميع السجلات والمستندات والصفقات التجارية لمـدة لا تقل عن عشر سـنـوات مـن تـاريـخ انتهاء العملية، أو قفل الحساب“.

من جانب آخر، علّق مختصين في الاقتصاد، على رفع العراق من قائمة الدول الخطرة في جرائم غسل الأموال، بأنه انفراجة كبيرة اقتصاديا وسياسيا خاصة في ظل اتجاه البلاد نحو إعادة الإعمار، مما يسهل حركة الأموال، والدعم الدولي التي تأثرت بالقرار.

المحلل العراقي، هاشم عبد الكريم، قال إن “إلغاء التصنيف انفراجة كبيرة خاصة أنه يأتي مع اتجاه البلاد نحو مرحلة الإعمار ومن ثم تسهيل حركة الأموال من وإلى العراق، بعدما كانت هناك قيود أوروبية شديدة“.

مكاسب مغادرة العراق لـ “القائمة السوداء“؟

عبد الكريم، أضاف في تصريح لـ “سكاي نيوز عربية”، تابعه موقع “الحل نت، أنه “يترتب على إدراج أي دولة ضمن هذه القائمة السوداء الأوروبية، تبعات خطيرة جدا من بينها فرض قيود على التحويلات المالية من البلد وإليه، الأمر الذي ينعكس سلبا على الاستثمار وعمل المستثمرين فيه، ويُحرم من الكثير من المزايا التي يتمتع بها في التعاملات المالية والمصرفية“.

فيما أوضح، أن “التصنيف كان يضر بسمعة العراق المالية والسياسية بشكل كبير، ويترتب عليه خفض الدعم من الاتحاد الأوروبي على الحكومة العراقية من الناحية السياسية والاقتصادية، إضافة إلى أنه كان يصعب على العراق الحصول على ائتمان، أو قروض دولية أو من مؤسسات دولية مانحة بشروط ميسرة“.

المحلل العراقي أشار أيضا، إلى أن “سطوة إيران فتحت الأبواب مشرّعة أمام كل صور الفساد واستباحة المال العام ونهبه، ومن بينها جرائم غسل الأموال، وتهريبها بشكل منظم عبر بعض القنوات الرسمية وغير الرسمية، ما حوّل العراق الى بيئة حاضنة للفساد وغسل الأموال“.

واستدرك، أنه “منذ صدور القرار تحركت الحكومة العراقية بصفة عامة، ووزارة الخارجية بصفة خاصة عبر تقديم كافة التعهدات باتخاذ الخطوات المطلوبة مقابل شطب اسم العراق من القائمة السوداء الأوروبية“.

عبد الكريم أردف بالقول، إن “ملفات كثيرة قدمها العراق تثبت جهوده الكبيرة في مكافحة الفساد والإرهاب“، لافتا إلى أن “العراق قدم للمفوضية الأوروبية ضمانات وتعهدات باستمرار جهوده في هذا الإطار، خاصة أنه حقق تقدما كبيرا“.

وفي أكتوبر الماضي، قالت بعثة العراق لدى الاتحاد الأوروبي، إن بغداد استوفت جميع معايير مجموعة العمل المالي “فاتف”، الخاصة برفع اسمه من قائمة الدول عالية الخطورة، وزوّد الجانب الأوروبي بجميع الوثائق التي طلبها، والتي تثبت استيفاءه جميع المعايير.

ومجموعة العمل المالي “فاتف”، هي المجموعة الأم التي جاءت استجابة لمكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وانتشار التسلح، وذلك لتعزيز الحماية من التهديدات وغيرها ذات الصلة التي يتعرض لها النظام المصرفي والمؤسسات المالية، وما يمس نزاهة النظام المالي الدولي من ممارسات غير مشروعة، مثل الأموال الناتجة عن الاتجار بالبشر والمخدرات وغيرها، حيث أُنشئت من قِبل قمة مجموعة الدول السبع في باريس في عام 1989.

اقرأ/ي أيضا: ما احتمالية استغلال “داعش” للأزمة السياسية في العراق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.