منذ يومين، تكتظ منصات “التواصل الاجتماعي” في العراق بضجة كبيرة، مصدرها “نصب الحرية”، أشهر النصب العراقية والأكبر في الشرق الأوسط، فما سبب تلك الضجة؟

قبل نحو عام تقريبا، قالت ااحكومة العراقية، إن “نصب الحرية” لصاحبه النحات العراقي الراحل جواد سليم، سيخضع للترميم؛ لأنه يتهالك يوما بعد آخر، وأن مهمة ترميمه ستتكفل بها وزارة الثقافة.

اليوم، تقترب اللجنة المكلفة بترميم النصب من إنهاء عملية ترميمه، وهنا بدأت ضجة كبيرة، بعد تداول صورة تظهر لون النصب بالأصفر بدل لونه الأبيض الذي اشتُهر وعُرف به، ما دفع بناشطين ومثقفين وناقدين للغضب من اللون الجديد للنصب.

يقع “نصب الحرية” في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، وشيد قبل 61 عاما، ومصدر أهميته أن كل الاحتجاجات والتطاهرات والانتفاضات في البلاد تتخذ من مكان النصب منطلقا لها في كل حراكاتها.

“مرمر إيراني” لـ “نصب الحرية”

حسابات وصفحات رواد منصات “التواصل الاجتماعي”، امتلأت بمطالبات بوقف “العبث” بالمعالم والمرافق والمنشآت الفنية، خاصة “نصب الحرية”، بوصفه رمزا وشاهدا على أحداث بارزة عبر التاريخ الحديث للبلاد.

الكاتب والروائي أحمد سعداوي، قال في تدوينة عبر جداريته بموقع “فيسبوك”: “بعد أن تنتهي هذه الفترة المضطربة، هل ستنتهي حقا؟! سيصحح المشرفون على المرافق والمنشآت الفنية كل الأخطاء المرتكبة حاليا، ومنها تبديل رخام الإفريز ولونه الأصلي في نصب التحرير”.

سعداوي أردف، أن كل الجهود المبذولة مشكورة، وليس من العدالة تجاهلها، ولكن ما جدوى هذه الاجتهادات غير النافعة الآن؟ وكأن أصحابها يريدون تسجيل أسمائهم مع الفنانين الأصليين ليس إلا.

فيما كتب المهندس حازم محمد، “يبدو أن المسؤولين في العراق يصرون على الغباء أو الاستغباء، ومحاولة تدمير كل ما يستطيعون تدميره في هذا البلد عن قصد أو غباء مفرط”.

جواد سليم إبان تشييد “نصب الحرية”

وأضاف محمد، أن “آخر ضحية هي نصب الحرية وتغير لونه الأصلي من الأبيض إلى هذا اللون القبيح واستعمال مادة بائسة في الترميم (مرمر إيراني رخيص وقبيح) من قبل شركة تركية”.

نفي حكومي

من جهته اختار المتخصص في مجال الأدب والفن، أوروك علي، عبارات أشد قسوة لانتقاد “منح مهمة ترميم مهمة أقدم وأشهر نصب في بغداد إلى لجنة غير متخصصة، تخضع للغباء والمجانية والسمسرة والصفقات”، على حد تعبيره.

وقال علي، إن “النتائج الكارثية لهذه اللجنة شاخصة للعيان باستبدال خلفية المرمر لنصب الحرية، المرمر الإيطالي الخاص، بخلفية أقل ما يقال إنها تنم عن ذوق ساذج وغباء مستشري”.

وتساءل علي، “من سمح بذلك؟ وهل تم استشارة نحاتين ومتخصصين بالنحت وتاريخ النصب في العراق؟ والآن بعد هذه الكارثة والإساءة ما هو الحل؟ أين ذهب مرمر النصب الأصلي؟ هل سيباع خردة؟”.

مقابل كل تلك الاتهامات، نفت وزارة الثقافة واللجنة المسؤولة على ترميم “نصب الحرية”، التلاعب بالشكل الأصلي للنصب، وذلك عبر مدير عام دائرة الفنون التشكيلة ولجنة إعادة الترميم، فاخر محمد.

محمد قال في تصريح صحفي، إن ما أثير على مواقع “التواصل الاجتماعي” من لغط كبير خلال الأيام القليلة الماضية حول “نصب التحرير”، غير صحيح وغير دقيق بالمرّة.

حسم الجدل

محمد أوضح، أن النصب خضم لعملية ترميم عبر شركة تركية، باستخدام حجر يضاهي القطع الأصلية بنسبة تصل إلى 98 بالمئة من حيث اللون. “مظهر النصب الحالي رائع وجميل”.

محمد عبٍر عن استغرابه من اللون الذي ظهر في الصور المتداولة على مواقع “التواصل الاجتماعي”، قائلا: “ليس هذا لونه. اللون هو أوف وايت يميل إلى الأبيض، والنصب يبدو بشكل أفضل بكثير عما كان عليه”.

قبالة الغضب في منصات “التواصل الاجتماعي” من اللون الأصفر لـ “نصب الحرية” ونفي وزارة الثقافة وجود ذلك اللون، نشرت مديرة مؤسسة “برج بابل” المعنية بالتراث والآثار، ذكرى سرسم، صورة التقطتها بعدستها أمام “نصب الحرية”، تظهره وهو بلونه الأبيض الأصلي، لتحسم الجدل والضجة التي استمرت ليومين.

ارتبط “نصب الحرية” باسم النحات الأهم بتاريخ العراق المُعاصر كما يجمع عليه النُقّاد وأهل الفن التشكيلي، جواد سليم، الذي فارق الحياة في عام تشييد النصب. اليوم عمر النصب 61 عاما، و61 عاما على رحيل سليم.

جواد سليم نحات وفنان تشكيلي عراقي، رحلَ بعمر قصير، وهو في الـ 40 من عمره عام 1961، وتركَ إرثا كبيرا، وسطّر ثاني أهم ملحمة بتاريخ العراق الحديث بعد ملحمة بلد النهرين الأشهر.

“نصب الحرية” مرتبط بسليم

“ملحمتان مهمتان في العراق، أولهما ملحمة گلگامش الشهيرة، والثانية ملحمة الحرية لجواد سليم لا غيره”، بحسب قول النحّات خالد الرحّال عن سليم.

“ملحمَة الحريّة” هي التي أخذت الكثير من عمر جواد سليم، حتى أودت بحياته عندما قارب من إكمالها، والمقصود بتلك الملحمة هو نصبه الشهير “نصب الحريّة” في ساحة التحرير.

“نصب الحرية” هو آخر منجزات سليم قبل رحيله، وأهم إنجازاته طيلة حياته. هو النصب الأكبر مساحةً والأهم قيمة على امتداد الشرق الأوسط، كما يُذكر بالكتب والبحوث عنه.

يتكوّن النصب من 14 قطعة، تدمج تاريخ العراق القديم بالحديث، وترمز للقوة والإرادة والتحرّر، ولإكمالهن على أتم وجه، طار سليم إلى فلورنسا في إيطاليا، لصب كل القطع بالبرونز.

عاد سليم فرحا لاقترابه من إنجاز ملحمته، لكن هذه الملحمة لم تجعله يرى إنجازه بعينه، أدّت لرحيله فجأة إثر نوبة قلبية، نتيجة الضغوطات التي واجهته طيلة عام ونصف لتشييد النصب، وافتتح النصب بعد موته بأشهر وجيزة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.