مع استمرار تعطل المشهد السياسي في العراق، وعدم توصل القوى السياسية إلى تفاهمات يمكن أن تخرج البلاد من التعطيل الدستوري والأزمة السياسية المحتدمة بين أطراف البيت الشيعي حول تشكيل الحكومة، ومع فشل جميع الأطراف الشيعية المتدافعة فيما بينها بالمضي بمشاريعها، ومع مبادرة زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر الأخيرة، عاد خيار الخروج من الأزمة في متناول حلفائه من الكرد والسنة.

إذ عد الصدر الذي يخوض صراع سياسي محتدم مع غرماؤه من الشيعة في تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى مقربة من إيران، ويطالب بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة بعد أن فازت كتلته أولا في الانتخابات المبكرة الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتعطيل مشروعه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” من قبل “الإطار” أن خيار الخروج من الأزمة ممكنا من قبل السنة والأكراد.

يسعى الصدر صاحب أكبر كتلة نيابية بـ 73 مقعدا، لحل البرلمان العراقي الذي يعارضه الإطار صاحب الـ 83 مقعدا، من خلال انسحاب الكرد والسنة الذي يمتلكون مجتمعين نحو 97 مقعدا نيابيا من المجلس.

تعطيل انعقاد جلسات البرلمان من قبل الكرد والسنة والانسحاب منه، وبحسب الصدر، سيدفع إلى حل البرلمان عمليا بعد أن يعجز الإطار في تحقيق النصاب القانوني، ما ينفي فعالية المجلس الذي سيكون خيار حل لا محال، وذلك بعد صراع امتد لـ 11 شهرا، وصل إلى حد الصدامات المسلحة، بعد أن دفع الصدر بتوجيه كتلته بالاستقالة من البرلمان في حزيران/يونيو الماضي، وقبل أن يعود ليعلن اعتزاله السياسة نهائيا في نهاية آب/أغسطس الماضي.

اعتزال الصدر، فجر موجة احتجاجات عارمة من قبل أنصاره الذين عطلوا أعمال البرلمان منذ 30 تموز/يوليو الماضي، من خلال اقتحامه وإعلان اعتصام مفتوح من داخله استمرت لمدة شهر على خلفية إعلان “الإطار” التوصل لتفاهمات حول مرشح رئاسة الحكومة، وقبل أن يتوجهوا إلى اقتحام القصر الحكومي – الجمهوري داخل المنطقة الخضراء التي تضم مباني حكومية ومقار دبلوماسية، على إثر إعلان اعتزال زعيمهم.

اقرأ/ي أيضا: هادي العامري يتبرأ من تصريحات هاجمت الكرد والسنة 

الكرد والسنة يتابعون صراعا مسلح

 ليتحول المشهد إلى موجهات مسلحة تسببت بسقوط 37 قتيلا و700 جريح، قبل أن يخرج في اليوم التالي الصدر غاضبا من أنصاره ويأمرهم بالانسحاب من الخضراء، وإنهاء حتى الاعتصامات السلمية، وهو ما حصل بغضون ساعة، وهي المهلة التي أمهلهم إياها زعيمهم.

بعد ذلك، وبعد استفاد كل الخيارات، والتي من بينها تقدم “التيار الصدري” بدعوى قضائية تطالب المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في البلاد) بحل البرلمان، ردت عليها المحكمة الأربعاء الماضي بعدم صلاحيتها في ذلك، عاد الصدر ليطرح مبادرة جديدة، ترتكز على حلفائه من السنة والكرد هذه المرة.

مبادرة الصدر التي أعلن عنها ما يعرف بـ “وزير الصدر” وهي شخصية افتراضية تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى “صالح محمد العراقي” تعمل على توجيه أنصار التيار وأحيانا تنقل رسائل عن الصدر، أول أمس الخميس، تضمنت دعوة صريحة للكرد والسنة وبعض النواب المستقلين للانسحاب من البرلمان، لإفقاد البرلمان لشرعيته.

العراقي نقل عن الصدر قوله في تدوينة على “فيسبوك” اطلع عليها موقع “الحل نت”، إن ونقل صالح العراقي عن مقتدى الصدر قوله إن “حل البرلمان ممكن بلا عودة الكتلة الصدرية ولا سيما مع وجود حلفائها في مجلس النواب وبعض المستقلين”، مشيرا إلى إمكانية بقاء رئيس الجمهورية، برهم صالح، في منصبه بعد حل البرلمان، بينما يقود رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي حكومة لتصريف الأعمال والإشراف على الانتخابات المبكرة.

علي الرغم من أن مبادرة الصدر لم تقلى ردودا واسعة من قبل الأطراف الأخرى، كما تحفظ الكرد والسنة على مواقفهم منها حتى الآن، إلا أن المتهم بالشأن السياسي قتيبة الخفاجي، اعتبر أن “صمت الكرد والسنة في رسائل عميق، توحي إلى أنهم متفقين مع مطالب الصدر من حيث المبدأ”.

اقرأ/ي أيضا: معضلة الكتلة الأكبر وتناغم الصدر والكرد والسنة.. هل تتغير المعادلة؟

قناعة السنة والكرد

الخفاجي قال في حديث لموقع “الحل نت”، إن “الكرد والسنة غالبا ما يكونون مقتنعين بمبادرة الصدر، بل أن حتى تحالف الإطار ربما سيصل إلى مرحلة الخضوع لرغبات الصدر، مع انعدام الحلول، لكن مواقف السنة والكرد لا بد أن تخضع أيضا لمراعاة تحالف الإطار”.

وأوضح أن “مناطق السنة والكرد، ثبت خلال المدة الماضية وطيلة الصراع السياسي، إنها تحت مرمى نيران الميليشيات المسلحة التي ترعها قوى الإطار، خاصة مدن السنة التي تنتشر الميليشيات فيها وتسيطر على مساحات شاسعة منها وتتحكم بملفها الأمني، ما يجبر قواها السياسية إلى الحفاظ على أدنى مساحة من التعامل مع الإطار وعدم الجفاء معه بشكل تام ما يدفع إلى تدمير تلك المدن وأهاليها وعودتها إلى مرحلة أيام داعش”.

كما بين أن “القوى السياسية السنية والكردية، ستذهب لتفهم الصدر ذلك، بل أن الصدر واعي جيدا لتلك الاحتمالات وسبق وأشار لها عدة مرات، إلا أن هذه المرة ستتكفل القوى السنية بإقناعه بصيغة تحفظ لهم أمنهم الاستراتيجي، ومن ثم الذهاب نحو خيار تعطيل البرلمان، وهذا ما يفسر صمت السنة والكرد حتى الآن”.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لـ11 شهرا منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

سياق الأزمة 

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: تقارب قطبي الأكراد.. هل يصيب “الإطار التنسيقي” بمقتل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.