في ظل الرفض الشعبي الذي يواجه الأحزاب السياسية العراقية المولية لإيران، والذي تجلى في احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019، وما يزال مستمرا، ومع ما تواجهه من تهديد وجودي لمصالحها في السلطة، فإنها عادت لاستخدام أساليب الشحن الطائفي التي كانت قد حققت من خلالها في السابق دعما شعبيا واسعا.

القوى السياسية المقربة من إيران، والتي تتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي”، تواجه تحديا أمام الحفاظ على وجودها على رأس السلطة العراقية التي كانت قد تمسكت بها طيلة الـ 19 عاما الماضية، في ظل محاولات “التيار الصدري” الساعي لقلب معادلة الحكم في البلاد، من خلال تشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، تستثني مشاركة أطراف “الإطار” كلها، أو بعضها على أقل تقدير.

“التيار” الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي القوي، والذي سبق وكان هو الآخر خاضعا للتأثير الإيراني، يحاول في الوقت الحالي بعد فوز كتلة بالانتخابات المبكرة الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، إزاحة غرمائه في البيت الشيعي.

وتتمثل تلك القوى بتحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري رئيس “منظمة بدر” التي كانت طيلة حكم صدام حسين برعاية إيرانية، وحركة “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، و“ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، وبعض القوى الأخرى التي تمتلك أذرع مسلحة منضوية في “الحشد الشعبي“.

لكنها بالمقابل، تسعى جاهدة للحفاظ على مصالحها، والبقاء فاعلة وسط المعادلة السياسية، لاسيما وأنها قد عبرت في مناسبات سابقة، أن ما تتعرض له هو أبعد من صراع سياسي، إلى محاولات إقصاء وجودي ضمن مخططات مدعومة من الخارج، ما يحتم عليها التمسك بخيار الاشتراك في الحكومة ورفض خيار المعارضة وإن كانت الأقل حظا في الانتخابات.

اقرأ/ي أيضا: انتعاش خط السياحة من العراق إلى لبنان

“تويتر” والنعرات الطائفية

وسط هذا التدافع، عمدت تلك القوى إلى اللجوء لخيار شحن الجماهير طائفيا، بمحاولة لتصدير نفسها مجددا، بعد أن تراجعت حظوظها بشكل كبير عن السابق، مستندا بذلك على منصة التواصل الاجتماعي “تويتر” التي تعمل من خلالها على تصدير “ترندات” يومية تتعلق مرة بالمظلومية “الشيعية“، وأخرى بالإساءة إلى معتقدات الأخرين، بهدف إثارة النعرات الطائفية بين مكونات الشعب العراقي، أخرها وسم “أعظمية-العصابة“، بإشارة إلى أكبر منطقة سنية وسط العاصمة بغداد، وفقا لمتابعين.

الوسم رفع على “تويتر” للرد على الموقف الرافض الذي عبرت عنه الأعظمية إحدى أكبر مدن بغداد، والتي تضم مرقد أبي حنيفة النعمان، على إساءة صدرت من قبل الرادود (منشد) الأشهر لدى الشيعة باسم الكربلاء، في إحدى القصائد التي تسيء إلى صحابة نبي الإسلام محمد، والتي تصفهم بـ “العصابة“.

وهذا ما اعتبره البعض، مخططا لتلك القوى السياسية لإعادة تصدير نفسها وكسب ود الجماهير بالعزف على الوتر الطائفي، بعد أن فشلت في تقديم تجربة ناجحة على مدى نحو عقدين، وذلك من خلال إعادة ترويج قصيدة الكربلائي في وقت تحتدم فيه الأزمة السياسية، لجر السُنّة إلى صدام طائفي، وصراع ليس لهم علاقة فيه.

في حين يقول حمزة العزاوي في حديث لموقع “الحل نت“، إن “وسم الأعظمية هو ليس الأول من نوعه، وإذا ما عدنا ولاحظنا نشاط الترند العراقي، سنلاحظ أنه ومنذ عام 2019، عندما اندلعت التظاهرات في البلاد وحتى الآن، نجد يوميا وسم يحاول إثارة الفتن وتأليب الرأي العام“.

العزاوي بين أن “هناك مجاميع متخصصة ومدعومة بخبراء تعمل من خلال تقنيات إلكترونية وبمساعدة فرق لبنانية متخصصة بنشاطات التواصل الاجتماعي، على خلط الرأي العام من خلال تمرير معلومات كاذبة، وتعمد استفزاز الآخرين، وذلك واضح منذ الانتخابات“.

وأشار إلى أنه “كلما ضاقت الأمور في القوى السياسية المقربة من إيران سنجد هناك محاولة لاستثارة طائفية وهذا الأسلوب بات معروف لدى الجميع ومفضوح غير أنها لم تتعظ من ذلك“، لافتا إلى أنه “تلك المخططات يفضحها الخطاب الطائفي التقليدي“، متسائلا: “وإلا ما هو تفسير استهداف الأعظمية التي تمثل رمزا للسنة في هذا الوقت دون غيرها من المناطق السنية الأخرى؟”

اقرأ/ي أيضا: مخاوف من فوضى أمنية في لبنان

سياقة الأزمة المتجلية في “تويتر”

وكانت الأزمة السياسية في العراق، قد اشتدت منذ الـ30 تموز/يوليو الماضي، بعد أن اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات، قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

بعد أن عاد المشهد ليتطور في 29 آب/أغسطس الماضي، شهدت بغداد تصعيدا صدريا، على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري“، مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره للمنطقة الخضراء، والقصر الجمهوري (الحكومي)، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع جاء بعد أن هاجمت القوات الحكومية مع فصائل تابعة لـ “الحشد الشعبي“، وموالية لـ “الإطار“، أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، ما دفع “سرايا السلام“، الجناح المسلح التابع للصدر للتدخل للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء، انتهت عندما دعا الصدر، في اليوم التالي من خلال مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح سقط 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري، بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تلك التطورات جاءت نتيجة لصراع سياسي، دام لأكثر من 10 أشهر، منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز كتلة الصدر فيها أولا، وخسارة قوى “الإطار“، الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية وطنية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني“، وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“التيار الصدري” وحلفائه وأسباب الفشل

“إنقاذ وطن” أصر بـ 180 مقعدا نيابيا، على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية“، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي“، أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية“، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية – البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور، وهو ما لم يتمكن “إنقاذ وطن” من تحشيده.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار“، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي، محمد شياع السوداني، في الـ25 من تموز الماضي، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: تطورات المشهد العراقي.. اجتماع رفيع المستوى لإنهاء الأزمة السياسية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة