غير مستندة إلى أي أدلة ووقائع، أطلقت روسيا قبل يومين اتهامات للقوات الأوكرانية، بالتحضير لاستخدام قنبلة وصفتها بـ“القذرة“، وذلك خلال مواجهة الغزو الروسي لأراضيها، ما أثار التساؤلات عن أسباب إطلاق موسكو لهذه التصريحات، وفيما إذا كانت تمهيدا لتصعيد محتمل من قِبل الجيش الروسي، بعد فشله لأسابيع متتالية في تحقيق انتصار مهم في أوكرانيا.

هزائم متتالية

الهزائم المتتالية التي تعرضت لها روسيا خلال الأسابيع القليلة الماضية، تزيد من احتمال تصعيد روسي لا يمكن التنبؤ به، فالجيش الروسي يعيش الآن مأزقا، خصوصا وأن مراقبين للوضع العسكري أكدوا أن مسألة خسارة الجيش الروسي لمنطقة خيرسون (واحدة من المناطق الأربعة التي ضمتها روسيا) هي مسألة وقت.

الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، رفضوا المزاعم الروسية، محذرين موسكو من استخدام هذه الذرائع لتبرير أي تصعيد محمل للهجوم الروسي، حيث أكدت وزارات خارجية هذه الدول في بيان مشترك، رفضهم للمزاعم التي وصفوها بـ“الكاذبة“.

البيان جاء فيه: “العالم سيرى، من خلال أي محاولة لاستخدام هذا الادعاء، ذريعة للتصعيد. نرفض أي ذريعة للتصعيد من جانب روسيا“.

وزير الخارجية الأوكراني، ديمترو كوليبا، اتهم بدروه روسيا بـ“الكذب“، وأضاف أن “الأكاذيب الروسية بشأن تخطيط أوكرانيا المزعوم لاستخدام قنبلة قذرة سخيفة بقدر ما هي خطيرة“.

كوليبا لفت إلى أن أوكرانيا، “عضو ملتزم في معاهدة حظر الانتشار النووي، وليس لديها أية قنابل قذرة، ولا تخطط للحصول على أي منها“. وتابع، “ثانيا، الروس غالبا ما يتهمون الآخرين بما يخططون هم لفعله“.

الجيش الروسي يحاول بكافة الوسائل الحفاظ على سيطرته في منطقة خيرسون، وذلك تزامنا مع الهجمات الأوكرانية الرامية لاستعادة السيطرة عليها، حيث أطلق الجيش الروسي صواريخ وطائرات مسيّرة، الأحد، على مدينة ميكولايف (شمال غربي خط المواجهة، المؤدي إلى خيرسون)، التي تسيطر عليها أوكرانيا، ودمرت مبنى سكنيا في المدينة القريبة من الجبهة، وحذرت من أن الحرب تتجه نحو “تصعيد غير منضبط“، حسب “رويترز.”

وبعد انحسارها في العديد من القطاعات الأوكرانية، لجأت روسيا إلى استهداف البنية التحتية ومراكز الخدمات، للتغطية على خسارة مجموعات جيشها في العديد من المناطق، لا سيما في المناطق الأربعة التي أعلنت ضمّها قبل أسابيع.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن الجيش الروسي، دخل في مأزق حقيقي خلال الفترة الماضية، وذلك بالنظر لهشاشة الدفاعات التي أنشأها في المناطق التي سيطر عليها، مشيرا إلى أن هناك مؤشرات عديدة على ضعف الدفاعات الروسية، خاصة مع استعادة أوكرانيا لزمام المبادرة وبدء الهجمات.

قد يهمك: ما هي حدود مساهمة الجزائر في مواجهة أزمة الطاقة في أوروبا؟

معراوي قال في حديث سابق مع “الحل نت“، “بعد خطوة الجيش الروسي في أيلول/سبتمبر الفائت، بإعلان حالة التعبئة الجزئية بسبب الهزائم التي مُني بها في قطاع خاركيف، ومن بعدها منطقة ليمان، بات واضحا هشاشة الخطوط الدفاعية التي بناها الجيش الروسي وعدم تمكنه من الحفاظ على ما احتله من الأراضي الأوكرانية“.

معراوي يعتقد أن القرار الأوكراني الآن، هو استعادة أقصى ما يمكن من المناطق التي أعلنت روسيا ضمها، وذلك لأن تثبيت سيطرة القوات الروسية على هذه المناطق، سيزيد من احتمالية استعمال روسيا للسلاح النووي، لأن العقيدة النووية الروسية تبيح استعمال السلاح النووي، في حال الهجوم على أرض روسية.

بعد تقدم القوات الأوكرانية خلال الأيام الماضية، لاستعادة خيرسون، أعلنت السلطات الروسية الأحكام العرفية في المنطقة، وهي أشد من حال الطوارئ، ما جعل القوات الروسية في حالة تخبط، وبدأت باستهداف البنى التحتية ومحطات توليد الكهرباء للضغط على كييف.

ما يعزز كذلك نظرية إخفاق الجيش الروسية، بما كان يرمي إليه بوتين، اللجوء بشدة إلى الحصول على المسيّرات من إيران، ذلك ما وصفه محللون بأنه “يعرّي ما يُعتبر ثاني أقوى جيش بالعالم“.

وفقا للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تسعى موسكو للحصول على ما يصل إلى 2400 طائرة إيرانية مسيّرة، أبرزها من نوع “شاهد 136″، ربما للحفاظ على قدرتها على مهاجمة المراكز الحضرية في عمق أوكرانيا، دون الحاجة إلى إنفاق المزيد من مخزوناتها المتضائلة من الصواريخ الباليستية وصواريخ “كروز“.

تعيد طبيعة تسليح إيران لروسيا بطائرات بدون طيار اليوم إلى الأذهان، حقيقة أن روسيا ليست بالفعل القوة العسكرية الثانية عالميا، فهل بالفعل باتت موسكو عاجزة عن صناعة “الدرون” العسكرية، حتى لجأت بذلك إلى طهران المعاقَبة دوليا وغير المتقدمة عسكريا.

السلاح الجديد المفضل لروسيا في الحرب

العشرات مما يسمى بالطائرات الانتحارية الإيرانية، باتت تحلّق فوق الأراضي الأوكرانية منذ آب/أغسطس الفائت. تُعرف هذه الأسلحة باسم “شاهد” وهي كلمة يمكن ترجمتها في داخل مكونات “الحرس الثوري” الإيراني على أنها “شاهد إيمان“، ولكن لها أيضا دلالات لفعل أن تصبح “شهيدا“، وهي السلاح المفضل الجديد لـ “الكرملين” في غزوه لأوكرانيا. أدى تقليص ترسانة صواريخ “كروز” الروسية ونقص التكنولوجيا إلى إجبار موسكو على نشر الأجهزة والأسلحة المصنعة في إيران، أحد الحلفاء القلائل المتبقيين للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

أخبرت مصادر دبلوماسية أوكرانية في واشنطن، الصحافة الأسبوع الماضي أنه في المتوسط، تعترض أنظمة الدفاع الجوي في كييف ستا من هذه الطائرات بدون طيار يوميا. النموذج الحالي المستخدم هو “شاهد 136″، أعيدت تسميته في روسيا باسم “غران 2″، وهو أحدث إصدار من الطائرات الانتحارية بدون طيار التي تعمل منذ عام 2021.

تقول هيئة الأركان العامة الأوكرانية، إن قواتها خفضّت بنسبة 60 بالمئة من الطائرات بدون طيار التي تصل إلى المجال الجوي الأوكراني. لكن العدد الذي تنشره موسكو يتزايد باطراد. ففي 11 تشرين الأول/أكتوبر وحده، تم إسقاط 10 طائرات بدون طيار من طراز “شاهد 136”.

تزامن إنتاج “شاهد 136″ على نطاق واسع مع الغزو الروسي لأوكرانيا، خصمها الأساسي في سماء أوكرانيا هو “بيرقدار” التركية، أحد أهم أسلحة الجيش الأوكراني في الحرب الجوية. الميزة الرئيسية للطائرة “شاهد 136″ هي نطاقها القتالي الذي يزيد عن 2000 كيلومتر.

يعود تعطش موسكو للطائرات الإيرانية، كونها فقيرة جدا في هذه الصناعة ويُعد الجيش الروسي الأقل حظا بصناعتها مقارنة بالقوى الكبرى الأخرى، وفقا لما قاله أنطون مارداسوف، الخبير العسكري في معهد “الشرق الأوسط“، خصوصا وأن الخطة الأساسية لموسكو في أوكرانيا فشلت في الأسابيع الأولى، لأن روسيا في البداية كانت تظن أنها ستخوض حربا تقليدية وركزوا على أساليب الحرب غير المتكافئة. ولم يأخذوا بحسبانهم استخدام الطائرات بدون طيار كأسلحة هجومية ضد قواتهم.

الدعم الغربي نقطة تحول

مع احتدام المعارك في أوكرانيا بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، كان للدعم الغربي دورا واضحا، في تفوق أوكرانيا برّيا ما ساهم في تراجع القوات الروسية في العديد من المناطق، إلا أن الهجمات الصاروخية الروسية الاخيرة، أظهرت ربما ضعف في منظومة الدفاع الجوية لأوكرانيا، فكيف ساهم الدعم الغربي في قلب موازين القوى على أرض المعركة.

يمكن القول، إن الهجمات الصاروخية الانتقامية التي نفذتها روسيا مؤخرا على العديد من المناطق الأوكرانية بينها العاصمة كييف، رسمت معالم مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية في أوكرانيا، إذ ربما تشكل هذه الهجمات ضغطا إضافيا على حلفاء أوكرانيا لتقديم الدعم العسكري اللازم لمواجهة هجمات مماثلة في المستقبل.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شلّ حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

كما ساهم هذا الدعم باستعادة أوكرانيا للعديد من المناطق التي استولت عليها روسيا، وتحول الجيش الأوكراني من حالة الدفاع إلى الهجوم، ووفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

حتى الآن لا يمكن التنبؤ لأهداف التصريحات الروسية الأخيرة، لكن أبرز المحللين غير متفائلين بردود فعل القيادة الروسية إزاء الضربات القاسية التي تعرض لها جيشها، ما ينذر ربما بتصعيد محتمل في أوكرانيا خلال الأسابيع القليلة الماضية.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة