العديد من الملفات المعقدة والشائكة إلى جانب التحديات العربية المشتركة التي فرضتها التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة، ينتظرُ أن تُطرحَ على طاولة النقاش بين القادة العرب خلال القمة العربية التي تنطلق، يوم غد الثلاثاء، في الجزائر، بنسختها الحادية والثلاثين، بمشاركة قادة عرب بعضهم يحضر لأول مرة في القمة.

تستمر فعاليات القمة العربية التي ستعقد غدا في الجزائر على مدار يومين، وسط ظروف دولية وإقليمية معقدة. وتحمل القمة في دورتها الحادية والثلاثين، برئاسة الجزائر، على طاولتها أجندة لقضايا وملفات حساسة، فيما يتطلع المشاركون فيها إلى تفاهمات تنعكس على المنطقة. وبحسب مراقبون، فإن أبرز الملفات المطروحة على طاولة القمة العربية ستتناول الملف السوري والليبي واليمني، والغزو الروسي لأوكرانيا، والأمن الغذائي وأزمة الطاقة، إضافة إلى التدخلات التركية والإيرانية في الشؤون العربية.

التساؤل الأبرز يكمن حول ماهية تحركات بعض الأطراف العربية، في الملف السوري واليمني بالإضافة إلى الخطط الممكنة لمواجهة التدخل الإيراني والتركي في المنطقة، بالإضافة إلى أبرز التوقعات حول الملفات التي ستناقش في القمة، والتوقعات المأمولة من القمة التي لم تنعقد منذ 3 سنوات، خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي وأمن الطاقة.

سقف التوقعات ليس عاليا؟

ينتظر أن يبدأ اليوم الإثنين، توافد القادة العرب إلى الجزائر للمشاركة في القمة العربية، على أن يستكمل وصولهم يوم غد الثلاثاء صباحا تمهيدا لبدء أعمال القمة مساء. هذا وقد أكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة أن مشاورات وزراء الخارجية توصلت إلى نتائج توافقية تسهل عمل القادة في القمة.

المشاركون في الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، توافقوا على مشروع جدول أعمال القمة، وعلى المواضيع المرفوعة من قبل المندوبين وكبار المسؤولين التي عقدت على مدار الأيام الماضية.

وفق بحسب مصادر إعلامية، فإن الاجتماع الوزاري ناقش مسألةَ التدخلات الإيرانية والتركية في المنطقة العربية، وشدد الوزراء على ضرورة صياغة بنود تدين المساس بسيادة الدول ووحدتها الترابية. كما تطرقت أيضا إلى مسألة الأمن الغذائي وناقشت سبل تعزيز التعاون الاقتصادي للخروج من تداعيات جائحة “كوفيد-19”.

هذا بالإضافة إلى أن الاجتماع الوزاري نجح في احتواء التوتر المغربي الجزائري، فيما أكدت الجامعة العربية أن موقفها من رفض التدخلات التركية ثابت ولم يتغير، وبخصوص الملف اليمني فقد صرح وزير الخارجية اليمني لقناة “العربية” أنه حظي بتوافق عربي كامل في اجتماع الجزائر.

ضمن هذا الإطار يرى الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الإستراتيجية، عامر السبايلة، أن سقف التوقعات بلا شك ليس عاليا، نظرا لأن حجم الخلافات كبير وحجم الخلاف حول القضايا التي ستناقش في القمة “كبير أيضا”، لكنها فرصة لإعادة الترتيب أو البدء بفكرة ضرورة وجود “مظلة عربية” للحديث أيضا عن هذه المشاكل والقضايا المذكورة، وبالتالي إذا لم تورد تبادل هذه الأحاديث داخل البيت العربي، فمن الصعب أن التحدث عن الحلول المستقبلية لهذه القضايا.

بحسب تقدير السبايلة، الذي تحدث لـ”الحل نت”، ربما يكون موضوع سوريا واليمن على لائحة المشاورات في الجزائر، فهناك رؤية تتبلور بشكل أوضح من قبل الكثيرين، وباعتقاد السبايلة، فإن هذه هي القضية الأهم وهي موضوع التدخل الإيراني في المنطقة. وبشكل عام يمكن أن يكون هذا الموضوع على طاولة الدول العربية، ولكن يجب أن لا يُنسى تنوع واختلاف طبيعة العلاقات بين الكثير من الدول العربية وإيران، وطبيعة العلاقات متفاوتة بينهم وتصل أحيانا إلى حد التحالف مع بعض الدول، وبالتالي فإن توقع اتخاذ مواقف بشأن هذا الملف أمر صعب، سواء من التدخل التركي أو الإيراني.

قد يهمك: العراق.. تدهور الأمن في حكومة السوداني؟

ملف الأمن الغذائي الأهم

دول الجزائر وضعت هذه القمة الحادية والثلاثين للمنظمة العربية تحت شعار “لم الشمل”، وأكد عدد من وزراء الخارجية العرب، السبت الفائت بالجزائر العاصمة، أنهم يتوسمون خيرا في تمكن الجزائر من تحقيق لم الشمل العربي خلال القمة العربية القادمة، للتصدي للمتغيرات الدولية.

هذا وعقد لعمامرة، يوم السبت الماضي بالجزائر، جلسات عمل مع عدد من نظرائه العرب، وذلك في إطار التنسيق مع وفود هذه البلدان لإنجاح الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، كما وجرت اللقاءات بين لعمامرة وضيوف الجزائر بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال، قبيل انطلاق أشغال اجتماع وزراء الخارجية التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة المقرر يومي الثلاثاء والأربعاء.

ضمن هذه الجلسات أكد لعمامرة أن جلسات العمل التي عقدها مع نظرائه العرب كانت “جد مثمرة وبناءة”، مضيفا أن الحوارات جرت في أجواء “أخوية وإيجابية”. من جانبه وصف وليد بن عبد الكريم الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، من خلال تصريح صحفي، الجلسة بالمثمرة، تم خلالها التنسيق حول اجتماع وزراء الخارجية العرب، مؤكدا أن “السعودية والجزائر لديهما الكثير من المشتركات”.

بالعودة إلى الأكاديمي السياسي والخبير في الشؤون الإستراتيجية، عامر السبايلة، فقد أشار إلى أنه سيناقش أكثر ملفات الأزمات المفتوحة والبحث عن حلول لقضية الأمن الغذائي، حيث أن مواقف الدول العربية ضمن هذه الاتجاهات معقولة ومن الممكن اتخاذ مواقف بشأنها.

لكن، وفق اعتقاد السبايلة، فإن الحلول المرجوة من مناقشة هذه القضايا هي تشكيل رؤية عربية لتقديم الحلول، وبالتالي هذا ما يسعون إليه في هذه المرحلة، أي أن ملفات الأزمة يجب أن يكون لها مرجعية عربية قادرة على الأقل أن تبقى هذه الأزمات على الطاولة، وتقديم الحلول، واحتوائها، والبدء بخريطة طريق للحل وقت الطلب، لذلك وفق اعتقاد السبايلة، فإن الملف السوري قد يكون الأقرب للتعامل المختلف معه من قبل الدول العربية، وكذلك الملف اليمني، لكن أولا سيكون ملف الأمن الغذائي أولوية بالنسبة للدول العربية.

في خضم الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية، دعا لعمامرة الدول العربية إلى ضرورة “مضاعفة الجهود كمجموعة منسجمة وموحدة تستنير بمبدأ وحدة المصير وما ينطوي عليه من قيم والتزامات وأن تعمل على تثمين مقومات تكاملها ونهضتها كأمة”.

في حين عبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، يوم الجمعة الفائت، عن أمله في أن ” تشهد القمة تدشينا لاستراتيجية الأمن الغذائي العربي في وقت تشتد فيه الحاجة لعمل تكاملي وجماعي لمواجهة الفجوة الغذائية الخطيرة التي يُعاني منها العالم العربي”.

اجتماع سابق في مقر جامعة الدول العربية “إنترنت”

أبو الغيط أردف في حديثه، وفق وكالة الأنباء الجزائرية على هامش أشغال اجتماع وزراء الخارجية العرب، التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، الذي انطلقت أشغاله بالمركز الدولي للمؤتمرات، عبد اللطيف رحال، أعرب وزير خارجية لبنان، عبد الله بوحبيب، أن “بلاده تتطلع إلى دور الجزائر لتحقيق لم شمل عربي حقيقي”، محذرا من أنه في ظل غياب “وحدة في الموقف العربي فهذا من شأنه أن يفتح المجال أمام التدخل الخارجي في الشؤون العربية الداخلية”.

قد يهمك: العاصمة الأوكرانية بلا كهرباء.. ما تبعات بدء روسيا ضرب المنشآت الحيوية؟

قادة يحضرون لأول مرة

هذا وتأتي القمة بعد توقف نحو 3 سنوات حيث كان مقررا عقدها في آذار/مارس 2020، إلا أنه تم تأجيلها نظرا لجائحة كورونا، وهي الرابعة التي تستضيفها الجزائر، وكانت أول قمة استضافتها الجزائر في نوفمبر 1973 فيما كانت الأخيرة في العام 2005.

كذلك، هناك بعض القادة يشاركون لأول مرة في القمة العربية، ومنهم عبد المجيد تبون وستكون هذه القمة الأولى التي يشارك فيها الرئيس الجزائري الحالي الذي تم انتخابه نهاية 2019، إلى جانب قيس سعيّد، الرئيس التونسي، الذي سيشارك لأول مرة منذ انتخابه في تشرين الأول/أكتوبر 2019، والأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد الأردني، الذي سيترأس وفد بلاده لأول مرة في هكذا قمة، والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حيث يشارك ولي العهد الكويتي نيابة عن أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وعبداللطيف رشيد،  الرئيس العراقي الذي شغل المنصب منتصف الشهر الجاري، سيحضر القمة يوم غد الثلاثاء.

من الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية بالجزائر “إنترنت”

أيضا، سيشارك نجيب ميقاتي، بالنيابة عن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان عن الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون، كما ويشارك رئيس البرلمان العربي، عادل عبد الرحمن العسومي، لأول مرة بعد انتخابه تشرين الأول/أكتوبر 2020، وحسين إبراهيم طه، الذي سيحضر بصفة الأمين العام لمنظمة “التعاون الإسلامي” لأول مرة في القمة منذ انتخابه أمينا عاما تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.

بالمجمل، تأتي هذه القمة في خضم ظروف مختلفة تماما عن القمم السابقة، وتحديدا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وإحداث أزمة الطاقة والغذاء العالميين، وهناك توقعات أو بشكل أدق آمال منتظرة بشأن جميع المشكلات التي تواجه المنطقة العربية بشكل عام، سواء كانت مشاكل ذات طابع سياسي مثل الأزمات في سوريا واليمن وغيرهما أو الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تتطلب في ظل ارتفاع أسعار الطاقة دعما وتكاتفا بين هذه الدول العربية.


قد يهمك: موسكو ودمشق بين إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.. الواقع والمآلات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.