صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، كشفت يوم أمس الأحد، أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أجرى محادثات لم يتم الكشف عنها مع كبار المسؤولين الروس؛ على أمل الحد من مخاطر امتداد الحرب في أوكرانيا أو تصعيدها إلى صراع نووي.

الصحيفة نقلت عن مسؤولين أميركيين وحلفاء قولهم؛ إن سوليفان، كبير مساعدي الرئيس جو بايدن لشؤون الأمن القومي، أجرى محادثات سرية في الأشهر الأخيرة مع نظيره نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، ويوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي، التي لم يتم الكشف عنها، في حين رفض البيت الأبيض التعليق على الموضوع.

محادثات كُشف عنها بعد مرور نحو 9 أشهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وسط احتدام للمعارك وتبادل للاتهامات بإمكانية استخدام أسلحة نووية سواء من قِبل روسيا، أو الاتهامات الروسية لأوكرانيا بالتحضير لاستخدام القنبلة القذرة، والتي ثبُت عدم صحة الادعاء الروسي بالنسبة لها، وذلك ما يطرح تساؤلات حول أهمية هذه المحادثات، وأهدافها وما قد ينتج عنها.

مباحثات لعدم التصعيد

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أوضحت أن هذه المحادثات تأتي محاولة للحد من مخاطر نشوب صراع أوسع حول أوكرانيا، ولتحذير موسكو من مغبة لجوء بوتين لاستخدام السلاح النووي أو البيولوجي، وقال المسؤولون، إن المحادثات السرية تهدف للحد من مخاطر التصعيد ولإبقاء القنوات مفتوحة وليست لمناقشة تسوية للحرب.

الخبير في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، يشير إلى أن المحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا لم تكن أمرا مفاجئا، فخلال الأشهر الماضية أعلنت روسيا أن هناك قنوات اتصال مفتوحة مع الأميركيين.

من قوات فاغنر الروسية في أوكرانيا “وكالات”

عبد الواحد، يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الهدف من هذه الاتصالات بالدرجة الأولى تجنب أي موقف قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة أو حلف “الناتو”، وذلك من خلال احتواء أي موقف قد يفسره أي من الطرفين على نحو خاطئ قد يؤدي إلى مواجهة واسعة قد تتحول لتصبح مواجهة نووية بين قوى نووية كبرى، وهذا الأمر يهتم فيه الجانبان الأميركي والروسي بشكل كبير، لذلك يحافظان على قنوات اتصال مفتوحة بشكل دائم.

من جهته الكاتب السياسي الروسي، ديمتري بريجع، يعتقد أن هذه المباحثات ليست لوقف الحرب في أوكرانيا، إنما من أجل عدم التصعيد بين الطرفين الروسي والأميركي، فليس هناك أي طرف منهما يريد أن يتم استخدام أي أسلحة نووية، فكلا الطرفين يدركان مدى خطورة هذا الأمر.

بريجع يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الأمور حاليا هادئة بشكل حذر بين روسيا وأوكرانيا في مناطق من الجبهة، كما أن هناك مواجهات عنيفة بين الطرفين قرب خيرسون ومناطق أخرى، وقد تشهد المعارك تصعيدا كبيرا في الربيع القادم فالمواجهة في الشتاء صعبة لكلا الطرفين، لذلك فهذه المحادثات يمكن اعتبارها استباقية كي لا يأخذ التصعيد القادم منحى خطيرا.

إقرأ:حرب الطيران المسيّر من أوكرانيا إلى سوريا.. ما تأثيرها؟

هل تعتبر المحادثات أساسا لإيجاد حل للأزمة؟

الصحيفة نقلت عن مسؤول أميركي، أن سوليفان دعا المسؤولين الأوكرانيين خلال زيارته الأخيرة لكييف إلى إظهار إشارات على الانفتاح على الحديث مع الروس، ذلك في الوقت الذي تعهد فيه بدعم واشنطن الثابت والقوي لأوكرانيا، خلال زيارته للعاصمة الأوكرانية كييف يوم الجمعة الماضي.

من هنا يرى بعض المراقبين أن التعهد باستمرار الدعم الأميركي والغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، قد يجعل من المحادثات الأميركية الروسية فاشلة وغير قادرة على تحقيق أي نتائج إيجابية تنعكس على الحرب المستمرة، إذ أن هذا الدعم يُزيد من التوتر والتصعيد.

طه عبد الواحد، يرى من جهته أن المحادثات الروسية الأميركية، ليست فاشلة وإن استمر الدعم الأميركي لأوكرانيا، لأن الهدف الرئيسي منها هو وجود اتصالات دائمة بين الطرفين لتجاوز أي تصعيد يمكن وصفه بالخطير.

عبد الواحد يضيف أن محادثات على هذا المستوى، من المؤكد أنها ضمن ظروف معينة وفي لحظة معينة قد تُنضِج أسسا بتسوية سياسية للأزمة الأوكرانية، فهذه القنوات والمحادثات يُستفاد منها في وضع أي تسوية على سكة التنفيذ.

لكن هذه لمحادثات ليست بالضرورة مقدمة لتسوية على المدى القريب، لكنها بكل الأحوال تشكل أرضية يمكن الاعتماد عليها لاتفاقات تسوية معينة سواء بالنسبة للأزمة في أوكرانيا أو لأي ملفات أو أزمات أخرى، بحسب عبد الواحد.

أما بريجع، فيرى من جهته أن ما تقوم به الولايات المتحدة هو محاولة لجر الأمور لحل أو لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فهذه الحرب حتى الآن تسير بشكل يكاد يكون متوازنا بين الطرفين دون أن يكون هناك أي منتصر، وأيضا فهناك موقف لـ”الحزب الجمهوري” الأميركي يخالف الديمقراطيين، حيث يريد الجمهوريون إنهاء الحرب والتوصل إلى حل سلمي للأزمة فمن وجهة نظرهم أي تصعيد ليس من صالح أحد، كما أن الولايات المتحدة تتعرض لخسائر مادية جراء دعمها لأوكرانيا.

لكن وبحسب بريجع، فإن روسيا حتى الآن لن تذهب لأي مفاوضات مع أوكرانيا قبل أن تتحقق مجموعة من الشروط التي يريدها الرئيس بوتين وعلى رأسها أن تكون أوكرانيا دولة محايدة.

معارك في باخموت

في الوقت الذي يتم الكشف فيه عن محادثات أميركية روسية، تشتد المعارك في مدينة باخموت بإقليم دونباس وبات مرتزقة “فاغنر” الروسية في محيط المدينة، حيث قالت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية إن قوات “فاغنر” باتت تتمركز على بعد أقل من كيلومترين عن مدينة باخموت بإقليم دونباس، وأظهرت الوكالة صورا لعمليات ينفذها مسلحو “فاغنر” في أطراف باخموت.

الوكالة نقلت عن قائد ميداني في المجموعة إن قواته سيطرت على بلدتين ملاصقتين للمدينة من جهة الجنوب، وإن الجيش الأوكراني يحاول صد هجماتهم، وبسبب استمرار المعارك أصبحت المدينة التي كان يسكنها نحو 80 ألف نسمة قبل بدء الحرب شبهَ فارغة بعد أن أصاب الدمار معظم أجزائها.

أما في خيرسون، قال نائب رئيس المجلس الإقليمي للمدينة يوري سوبوليفسكي إن القوات الروسية لا تغادر خيرسون في الوقت الحالي، وأضاف أن ما بين 20 و25 ألفا من المقاتلين الروس ما زالوا في الضفة الشمالية لنهر دنيبرو، وذلك بحسب تقارير صحفية.

في حين أعلن نائب حاكم خيرسون الموالي لروسيا كيريل ستريموسوف، أن القوات المسلحة الأوكرانية تحشد دبابات وعربات مدرعة بأعداد كبيرة على هذا المحور.

من جهته، قال المتحدث باسم هيئة الأركان الأوكرانية ألكسندر شتوبون، إن القوات الروسية تواصل تدمير قوارب المدنيين على نهر دنيبرو في خيرسون، وأضاف أنها أعطت موعدا نهائيا لسكان منطقة بيريسلاف لمغادرتها بعد 3 أيام.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قال يوم أمس الأحد، إن روسيا تتكبد خسائر فادحة في هجماتها “الشرسة” المستمرة في إقليم دونيتسك بشرق أوكرانيا، وإنها تستعد لشن هجمات جديدة على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا.

زيلينسكي قال في خطابه المصور مساء أمس “الهجمات الروسية الشرسة على منطقة دونيتسك مستمرة.. العدو يتكبد خسائر فادحة هناك”، مضيفا أنه يعتقد أن روسيا “تحشد القوات والموارد لاحتمال شن حملة هجمات أخرى على البنية التحتية، وعلى مرافق الطاقة في المقام الأول”.

الطريق المسدود

إيما آشفورد الباحثة في مركز “ستيمسون” والأستاذة المساعدة في جامعة “جورج تاون” الأميركية، أوضحت في وقت سابق، أن اهتمام الغرب بالحرب الروسية في أوكرانيا بدأ بالانحسار منذ أواخر آب/أغسطس الماضي، وإن طرفي الصراع وصلا إلى طريق طويل مسدود، مما أعفى القادة الغربيين من تبني خيارات صعبة أو التفكير الجاد بشأن مستقبل الأزمة.

آشفورد، أضافت أن التطورات التي حدثت منذ مطلع أيلول/سبتمبر الماضي وتمثلت في المكاسب الأوكرانية المفاجئة على الأرض، وما تلاها من تعبئة عسكرية روسية وهجمات صاروخية على مناطق مدنية، وتهديدات نووية قضت على ذلك الوهم، ودفعت بالحرب إلى مرحلة جديدة أكثر خطورة.

من المعارك في أوكرانيا “وكالات”

كما لفتت إلى أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، ظلت منذ بداية الحرب تحافظ بشكل فعال على نهج سياسي واقعي متوازن، اتّسم بتسليح أوكرانيا وتمويلها مع الاستمرار في التأكيد على أن الولايات المتحدة لن تنخرط بشكل مباشر في الصراع.

آشفورد كشفت في مقالها المنشور في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، أن الخبراء وصناع القرار الذين اقترحوا أن على الولايات المتحدة أن تدعم أيضا الجهود الدبلوماسية الهادفة إلى التوصل لتسوية عن طريق التفاوض، عوملوا على أنهم “سذج” أو أنهم بلغوا “حد الخيانة”.

أيضا تضيف آشفورد، أن كل الحروب تقريبا تنتهي بالمفاوضات، مضيفة أن تصعيد موسكو للنزاع هذا الخريف يثير شبح توسع نطاق الحرب ليشمل حلف “الناتو” واستخدام الأسلحة النووية، كما أن التكاليف الاقتصادية العالمية للصراع هائلة بالفعل ومن المؤكد أنها ستزداد مع بداية فصل الشتاء.

الباحثة تلفت إلى أن على واشنطن أن تختار الوقت المناسب للضغط من أجل بدء المفاوضات، واستشراف المرحلة التي ستفوق فيها تكاليف الاستمرار في القتال الفوائد، وفي إطار سعيها للتوصل إلى تسوية مستدامة، ينبغي على الإدارة الأميركية كذلك معرفة كيفية استغلال النجاحات الأوكرانية دون تهيئة الأجواء لإطالة أمد الصراع.

آشفورد تختم مقالها في مجلة “فورين أفيرز” بالقول، إن التسوية قد تبدو غير مستساغة الآن، ومع ذلك فإن المفاوضات الحكيمة والحذرة تصبّ في مصلحة أوكرانيا الجوهرية، وأمن المنطقة التي من المرجح أن تتم حمايتها على المدى الطويل.

إقرأ أيضا:روسيا بين فكيّ كماشة في أوكرانيا

من غير الممكن بعد، معرفة ما إذا كانت المحادثات الروسية الأميركية قد تؤسس فعلا للتوصل لحل لإنهاء الأزمة الأوكرانية، خاصة مع استمرار معارك تعتبر استراتيجية، خاصة في خيرسون التي تُعتبر البوابة الرئيسية لشبه جزيرة القرم، ولكن ذلك قد يتضح خلال الأشهر المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.