يواجه الشعب الإيراني والصيني نقطة حاسمة في تاريخيهما، وتمثل دبلوماسية الغرب، القائمة على القيم، المفتاح فيما يخص مصير هذين الشعبين.  

فعندما خرج الإيرانيون إلى الشوارع في صيف العام 2009 مناهضين للنظام في احتجاجات حاشدة، خاطر الشعب الصيني بسلامته في دعمه للإيرانيين من خلال وسم CN4Iran#. واليوم، وبعد أكثر من عقد من الزمان، خرج الشعبان إلى الشوارع للمطالبة مجددا بحقوق الإنسان الأساسية. 

موجة الاحتجاجات في إيران بعد أكثر من 70 يوما من مقتل ماهسا أميني مستمرة، في حين ينزل طلاب الجامعات والمدنيون في الصين إلى الشوارع للاحتجاج على نظام شي جين بينغ وسياسة “صفر كوفيد” القمعية.

“تنحى شي جين بينغ”، “نريد الحرية، نريد حقوق الإنسان”، “نريد قيما عالمية”، كل هذه الشعارات سمعت في الشارع الصيني حتى الآن، كما سمع المتظاهرون في أحد مقاطع الفيديو يهتفون تضامنا مع نساء إيران.  

وبالرغم من تصاعد المظاهرات والغضب العام في الصين، إلا أن استجابة بكين كانت حتى الآن بطيئة، وقد امتنعت عن اتخاذ إجراءات صارمة. وربما يشير هذا إلى عدم استعداد السلطات الصينية للاحتجاجات أو شعورهم بالثقة في قدراتهم على قمع الاحتجاجات قبل أن تصبح كبيرة جدا.  

أما الاحتجاجات في إيران، فقد كشفت للعالم عن الحقائق الوحشية للفصل العنصري بين الجنسين وجعلت من الصعب على المجتمع الدولي، لاسيما الحكومات الغربية، ففي 24 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، صوتت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التاريخ، لإصدار قرار بإنشاء بعثة مستقلة لتقصي الحقائق في انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وكانت الصين من بين الدول الستة فقط التي صوتت ضد القرار.  

مع استمرار الشعبين الإيراني والصيني في إلهام بعضهما البعض، ستستمر حكومتيهما بالتأكيد في دعم بعضهما البعض على المسرح الدولي وفي سياساتهما القمعية في الداخل. فقد سعت الجمهورية الإسلامية بقوة إلى تعزيز علاقاتها مع النظام في الصين بغية تخفيف ضغط العقوبات الغربية.

في آذار/مارس 2021، وقع وزير الخارجية الإيراني آنذاك جواد ظريف ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، اتفاقية تعاون شامل مدتها 25 عاما في طهران. وبنشاط، روج الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني لـ “التعاون الاستراتيجي” مع الصين. 

منظمة “شنغهاي للتعاون” وافقت على طلب عضوية إيران العام الماضي، ومن المقرر إضفاء الطابع الرسمي عليه في نيسان/أبريل 2023. كما صوت البرلمان في إيران يوم الأحد الماضي لصالح العضوية الدائمة في المنظمة، ونشر وزير الخارجية الإيراني رسالة على مواقع التواصل الاجتماعي يعلن فيها جديتهم في تطوير “التعاون الإقليمي والدولي والاقتصادي مع الدول الآسيوية”. 

في الوقت ذاته، تعتبر الصين الشريك التجاري الأهم لإيران. ففي الأشهر السبعة الأولى من العام 2022، بلغ حجم التجارة الثنائية 9.66 مليار دولار. وشكلت الصادرات الإيرانية نحو نصف هذا الإجمالي بزيادة بنحو 25 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضي. وتطورت كذلك العلاقات الثنائية في المجال العسكري، حيث أعلن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، ووزير الدفاع الصيني، وي فنغي، في طهران أواخر نيسان/أبريل 2022 أن البلدين سيجريان تدريبات عسكرية مشتركة في خليج عمان. 

بينما تعمل الأنظمة القمعية في الصين وإيران على تقوية روابطهما، فإن هذا هو الوقت الحاسم بالنسبة للعالم الديمقراطي لإعادة تقييم ما يميز تحالف الأنظمة الاستبدادية عن تحالف الديمقراطيات. فما الذي يتطلبه الأمر بالنسبة للمجتمع الغربي لتكون لها علاقات مع دولة استبدادية؟ وما التكلفة؟ 

يمكن للديمقراطيات أن تقيم علاقات مع الأنظمة الاستبدادية فقط في حال استعدادها للتنازل عن القيم والمبادئ الديمقراطية. وسوف تحتاج إلى غض الطرف عن حالة حقوق الإنسان في البلد الذي يحكمه النظام الاستبدادي لإقامة علاقة “سلمية ومستقرة” مع ذلك النظام. 

وتكمن المشكلة مع الدبلوماسية السياسية في معظمها كونها تشبه الإكراه أكثر من الحوار الحقيقي، ذلك بسبب تمحور معظم الحوار حول المصالح المشتركة بدلا من الاختلافات. ويشكل الربح المالي المصلحة المشتركة الحقيقية والوحيدة بين الحكومات الديمقراطية والدول الاستبدادية. وبالتالي، فإن إعطاء الأولوية للربح المالي على مجموعة من القيم الأساسية العالمية هو ما يحافظ على الفساد والعنف في العالم ويديمهما، وهو ما يجعل من الصعب جدا تحقيق سلام واستقرار حقيقيين. 

وفي تبريرها لعدم دعم الحركات الديمقراطية في الدول الاستبدادية، غالبا ما تقول الحكومات الغربية أنه بالرغم من مخاطرة الشعب بحياته وتوجهه إلى الشارع مطالبا بالتغيير، إلا أنه غير مستعد للديمقراطية حتى تلك اللحظة. إلا أن الواقع أكثر قتامة بكثير! فقد استفادت الحكومات الديمقراطية ماليا من التعاون مع الأنظمة الاستبدادية.

مجرد التنازل عن القيم الديمقراطية لقاء الصفقات التجارية مع الديكتاتوريات، على حساب حريات الأشخاص الذين يعيشون في ظل تلك الأنظمة، فإن ذلك يحمل رسالة مفادها أنه من الجيد أن يعيش بعض الناس بدون حرياتهم الأساسية، بينما لا يكون ذلك جيدا بالنسبة الآخرين. 

التقسيم اللاواعي لمن “يستحق” الحريات الأساسية ومن لا يستحقها، يساعد في نشر الرواية والافتراض الكاذب الذي مفاده أن: الشعب في ظل الحكومات الاستبدادية هو عميل سلبي يختار عمدا أن يحكمه نظام يحرمه من حرياته الأساسية العالمية.

إذا اعتبرنا أن الغالبية العظمى من الشعوب في العالم يعيشون حاليا بدون حرياتهم الأساسية، في حين أن العديد من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية قد اندلعت من قبل تلك الشعوب ذاتها حتى في أثناء وجود تراجع في الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، يصبح من الواضح مدى سخافة وكذب فكرة أن بعض الشعوب ليسوا مستعدين للحريات الأساسية. وبدلا من ذلك، يتم تسليط الضوء على المشكلة الحقيقية في أن المساومة على القيم الديمقراطية من أجل الصفقات التجارية قد ساهمت في تصعيد الاستبداد. 

مفهوم السلام والأمن أصبح يعني ثبات الحكومات الحالية في السلطة بأي ثمن، في حين يجب أن يعني هذا المفهوم العمل على عكس ذلك. وعندما نعيش في عالم يعطي الأولوية للأرباح المالية على رفاهية البشرية، فمن الطبيعي أن تكون الديمقراطية في حالة تدهور والاستبداد آخذ في الازدياد. وما نحتاجه هو مجموعة من القيم الأساسية العالمية المتجذرة في الحريات الأساسية، وأن تحظى بالأولوية على أي شيء آخر.

لكن، لكي يصبح هذا واقعا، يجب علينا تغيير هياكل الحوافز الخاصة بنا حيث نتوقف عن السعي لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل لمجموعة مختارة من الناس، ونركز بدلا من ذلك على الرؤية طويلة المدى لعالم مزدهر، حيث يمكن للجميع تحقيق إمكاناتهم. 

ليس هناك فروق كبيرة بين الأنظمة الاستبدادية والحكومات الديمقراطية ما لم تكن هناك مجموعة من القيم الأساسية العالمية التي تشكل نقطة مرجعية وتحفز دعم الحريات الأساسية للجميع. 

هناك قيم أساسية عالمية وموضوعية بما فيه الكفاية بحيث يمكن لجميع الدول أن تتعهد بدعمها بغض النظر عن الثقافة أو الدين أو أي عوامل أخرى. وللابتعاد عن الاتجاه المتنامي للأيديولوجية الاستبدادية نحو عالم مستقر وسلمي، فإننا بحاجة إلى مجموعة من القيم المشتركة المتجذرة في الحريات الأساسية التي يمكننا استخدامها لوضع حد أدنى من المتطلبات المعيارية لكي تفي بها الحكومات قبل أن يتم الاعتراف بها من قبل العالم الديمقراطي كممثل شرعي للأمة.

من ناحية أخرى، تحتاج الحكومات الغربية أيضا إلى ضمان دعمها لهذه القيم الأساسية العالمية في الداخل أيضا، لأن القيادة بالقدوة هي السبيل الوحيد للمضي قدما نحو إحياء الديمقراطية وتقوية الإنسانية.  إن شعبي إيران والصين في مرحلة حاسمة في تاريخهما، ومصيرهما مرهون بالدعم الذي يتلقياه من المجتمع الدولي. ويتعرض العالم الديمقراطي اليوم إلى الضغوط أكثر من أي وقت مضى لقطع علاقاته مع هذه الأنظمة وتحويل تركيزه وأولويته إلى إقامة علاقات مع قادة المجتمع المدني الأكثر انسجاما مع القيم الديمقراطية، مثل حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.