في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان، وفي سياق المخاوف المحيطة بالوضع اللبناني في مرحلة الفراغ الرئاسي، تظهر في بعض الأحيان مجموعة من الإشكاليات أو الظواهر الاجتماعية، تفرض نفسها وتتحول إلى نقطة ارتكاز تدور حولها مجموعة من علامات الاستفهام، ولعل آخر هذه الظواهر المقصودة، هي مجموعة “جنود الرب” و”عيون الأشرفية”.

هذه المجموعات شغلت اللبنانيين مؤخرا، ورسمت بعض السيناريوهات المرتبطة بها، وانقسمت الآراء حولها، حيث اعتبر البعض بأن وجودها ما هو إلا ردة فعل طبيعية على وجود “حزب الله” اللبناني، بينما رأى البعض الآخر بأنهم تنظيم سياسي مسلّح يحمل الهوية المسيحية، يتم الإعداد لإطلاقه عَبر عدّة مراحل وخطوات.

قسم آخر من اللبنانيين نظر إلى المجموعتين، على أنهم شكل من أشكال التطرف الديني بنسخته المسيحية، كما رأى البعض الآخر أنها مجموعة تحاول فرض نفسها من خلال طرحها بعض العناوين الدينية والاجتماعية، كالعمل على شد العصب المسيحي في صفوف الشباب ومحاربة الظواهر الاجتماعية المستسقاة من الغرب.

بوادر ضعف الدولة

ظهور مثل هذه المجموعات وبدء تمددها في هذا الوقت، يشير إلى ضعف الدولة، بحسب حديث رئيس “المركز اللبناني لحقوق الإنسان” وديع الأسمر، لـ”الحل نت”، والذي يرى بأن “تمدد مثل هذه المجموعات هو بمثابة الانتهاك لحق اللبنانيين، سواء بالتحرك الحر أو ممارسة حياتهم الطبيعية، لكون هذه المجموعات تفتقد إلى أي ضوابط، ولا تخضع لأي آلية محاسبة” وفق تعبيره.

ظهور هذه الحركات، واتخاذهم لتسميات خاصة، أثار مخاوف كثير من اللبنانيين، لاسيما وأن لديهم تجربة مع من سبقهم إلى ذلك، كحالة “حزب الله”، فمثلا حملت تسمية “جنود الرب” أبعادا أوحت بندّية معنوية لفكرة “حزب الله”، مطلوب تظهيرها في المقابل على الساحة المسيحية في لبنان.

بالنسبة إلى الأسمر، هؤلاء “مجموعة زعران، يتمتعون بغطاء سياسي وتمويل من أحد المتمولين، يمارسون بلطجة على الناس، وقريبا سيبدؤون بفرض خوّات، وأن أي دعم شعبي يتم مرحليا وحاليا لهذه المجموعات هو احتضان مدفوع وموجه، فلا أحد سيكون راضيا بالعودة إلى زمن الخوات والأمن الذاتي، أو زمن الحرب الأهلية”، وفق تعبيره.

آراء متباينة

“جنود الرب” و”عيون الأشرفية”، ليس لديهم مشروع سياسي، بحسب حديث الصحفي آلان سركيس، لـ”الحل نت”، لأنه حينها سيكون خطر على المناطق المسيحية الأخرى مثلما حدث في عين الرمانة، عندما اعتدت عليها ميليشيا “حزب الله” اللبناني و”حركة أمل”.

جميع المسيحين حينها وقفوا ضد “حزب الله”، فهم ليسوا بحاجة إلى وجود “جنود الرب” أو “عيون الأشرفية” أو غيرهم.، والذي يحدث الآن هو مجرد ضجة إعلامية لا أكثر.

ما يتم تداوله حول ظهور مثل هذه المجموعات، بأنه بداية لمرحلة تقسيم جديدة، يقول سركيس، إنه “لا تقسيم جديد في لبنان، لأن حزب الله هو الدويلة الوحيدة ضمن الدولة اللبنانية، وهنا يكمن الخطر، بينما بقية الأطراف الأخرى في لبنان غالبيتها ضد الحزب، والذي همّه الوحيد هو السيطرة على عموم الدولة اللبنانية ولا هم آخر له غير ذلك” وفق تعبيره.

حول ظهور هذه المجموعات، أفاد مصدر خاص لـ”الحل نت”، بأنه “يراهم مجموعة من الأشخاص بمفاهيم محدودة بشدة فيما يتعلق بأي موضوع، دينيا هم شديدوا التطرف، وسياسيا ما زالوا يعيشون في الحرب الأهلية، واجتماعيا محافظون كما أي يمين في العالم”، على حد وصفه.

قد يهمك: حركة أمل وحزب الله .. تاريخ من الدم وحاضر صراع مستتر

هم قرروا أن المناطق المسيحية بحاجة إليهم كأمن ذاتي، بحسب المصدر ذاته، “مع أن سكان هذه المناطق ربما يفضلون أن تحميهم القوى الرسمية من الجيش والدرك وغيرها”، ويعتقد أنهم “سيبقون كما هم الآن، عشرات من الشبان الذين قرروا أن يكونوا عصابة في حي. لا الأحزاب المسيحية اللبنانية ستنظر إليهم بجدية، ولا المسيحيين، ولن يتطوروا إلى أكثر من ذلك. ناد يضم بضعة مهووسين بعضلاتهم  وبنظريات المؤامرة”.

تصاعد المخاوف

الوضع في لبنان سيء على مختلف الأصعدة، الأمنية والسياسية والاجتماعية، والانهيار الحاصل ليس ماليا فقط، فانهيار الدولة نفسها يدفع الناس إلى الخوف، بحسب الأسمر، هذا الخوف من الممكن استخدامه لاستعادة الدولة، ولكن للأسف يمكن استخدامه أيضا لدعم مبادرات خطرة كالتي تحصل اليوم، بظهور مثل هذه المجموعات.

السلطات اللبنانية معنية بمحاسبة كل من يخالف القانون ويخل بالأمن في البلد، وليس التركيز على ظواهر نتجت عن الواقع المرير الذي يعيشه البلد، بسبب “حزب الله” وفريقه السياسي، وهنا مكان الخلل الذي يجب التصويب عليه، فكلما تفلتت الأمور أكثر سيزداد ظهور مجموعات مثل “”جنود الرب” و”عيون الأشرفية”.

القوات اللبنانية اُتهمت برعاية هذه المجموعة والاستفادة منها لإرساء واقع أمن ذاتي، إلا أن رئيس جهاز الإعلام والتواصل في “حزب القوات” اللبنانية، شارل جبور، أكد في تصريح لموقع “الحرة” على عدم وجود أي علاقة للقوات اللبنانية بهذا الأمر.

التضخيم الكبير لهذه المسألة، وفق جبور، مردّه إلى “أن مَن يخطف قرار الشرعية في لبنان، هو حزب الله، الذي يمسك مناطقه عسكريا ومن مختلف النواحي، من خلال المربعات الأمنية، ويخطف من خلفها البلد برمته، وبالتالي من مصلحته التركيز على أوضاع معينة في مناطق غيره لحرف الأنظار عن واقعه”.

لا أحد في الأشرفية أو في مناطق أخرى بوارد الذهاب إلى أمن ذاتي في ظل الثقة المطلقة بالجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية. الأمن الذاتي الوحيد الموجود في لبنان، هو الأمن الذاتي لـ”حزب الله”، وخلاف ذلك لا يوجد أي أمن ذاتي، وفق تعبيره.

غطاء سياسي

لا يمكن لمثل هذه المجموعات أن تستمر في نشاطها، بدون تمويل ودعم لها، من وجهة نظر وديع الأسمر، حيث يقول إن مجموعة “جنود الرب” مثلا لو لم يكن لها غطاء سياسي، لما نشطت بشكل علني في منطقة الأشرفية، في وقت تتنافس فيه الأحزاب المسيحية على الاستقطاب فيما بينها، وفق تعبيره.

مجرد خروجهم في المسيرات والاستعراضات، دليل واضح على دعمهم وتمويلهم من قبل جهة سياسية، وفق الأسمر، لأنه بدون ذلك سيقوم الأمن اللبناني بإلقاء القبض عليهم على الفور.

 ظهور هذه المجموعات، بحسب الأسمر، قائم على شقين أيضا، “الشق الطائفي التبشيري المعقد، والشق الثاني يتعلق باللعب على الوتر الطائفي الغريزي لإيحاء بأنه كما يوجد حزب الله، في المقابل، هناك جنود الرب في الأماكن المسيحية. والمقاربتان خاطئتان، فمعالجة أزمة سلاح حزب الله لا تتم من خلال إنشاء ميليشيات طائفية مسلحة في المقابل، فهذا يردّنا إلى مرحلة الحرب الأهلية”.

اقرأ أيضا: قتلى وجرحى في بيروت خلال تظاهرة لـ”حزب الله” وحركة “أمل”

الأسمر يحذر من أن منطق التقسيم والأمن الذاتي جرّبه اللبنانيون، منذ عام 1975 حتى 1990، وكلفهم 200 ألف قتيل، و17 ألف مفقود ومخفي قسرا، ومئات الآلاف من الجرحى والمهجّرين، “وبالتالي هناك دليل واضح على أن أي خيار غير خيار الدولة هذه تكلفته، فما الداعي للدخول بهذه التجربة مرة أخرى، وفق قوله.

الفراغ الرئاسي الذي تعيشه لبنان اليوم، نتج عنه كثير من الإشكاليات على كافة الأصعدة ما زاد وضع البلد سوءا، حيث يرى مراقبون بأن الحل الوحيد لخروج لبنان من أزمته، هو الإسراع باستعادة الدولة لحضورها، وانتخاب رئيس للجمهورية لإعادة الانتظام إلى المؤسسات، وأي تأخير في تنفيذ ذلك سيساهم في انفلات الوضع الداخلي للبلد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.