فيما يبدو أن تسلّم محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة العراقية، وهو الذي تم ترشيحه من قبل قوى “الإطار التنسيقي” الموالية لإيران، أعاد الأمل مجددا بإحياء الاتفاقية الموقّعة مع الصين.

إيران تضغط على القوى الموالية لها في العراق، بضرورة تنفيذ كامل الاتفاقية الصينية العراقية، التي وقّع عليها رئيس الحكومة الأسبق عادل عبد المهدي، قبل أن يتوقف تنفيذها، بسبب التظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها مدن البلاد في تشرين الأول/أكتوبر عام 2019.

الاتفاقية الصينية العراقية، التي تُعرف باسم “النفط مقابل إعادة الإعمار”، تثير كثيرا من الجدل في الشارع العراقي. خاصة مع محاولة بكين توسيع نفوذها في العراق، من خلال استغلال علاقاتها الجيدة مع إيران.

السوداني يتعرض لضغوط كبيرة وحرج من قبل الداعمين له، وعلى رأسهم قوى وأحزاب “الإطار التنسيقي” والميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران، التي تريد تنفيذ كامل الاتفاقية، لأنها تخدم مصالحها.

الاستثمارات الصينية في العراق، تشمل مجالات الطاقة وإعادة الإعمار والجسور ومشاريع الإسكان وغيرها، وهو الأمر الذي يراه عديد من المراقبين استمرارا لمشروع “الحزام والطريق”.

الصين تواصل منذ سنوات مساعيها الحثيثة للحصول على مشاريع استثمارية كبيرة في العراق، تشمل مجالات الطاقة وإعادة الإعمار وغيرها.

إحياء مشروع “الحزام الأخضر

مختصون يرون بأن “هدف الصين الحقيقي هو إحياء مشروع الحزام والطريق، حيث يسعى العراق إلى أن يكون نقطة ربط رئيسية في طريق الحرير الجديد، ويخطط لتوسيع موانئه البحرية وتجديد خطوطه البرية، من أجل كسب مردودات إيجابية”.

الشركات الصينية تُعتبر من أكبر المستثمرين في مجال الطاقة في العراق، وهذا يرجع بالدرجة الأساس إلى الاحتياطيات الكبيرة الموجودة في العراق، بالإضافة إلى سهولة الاستخراج النفطي بالنسبة لتلك الشركات.

صادرات العراق من النفط الخام إلى الصين تُقدر بنسبة 44 بالمئة من إجمالي صادرات النفط، حسب بيانات موقع تتبع ناقلات النفط، وهذا يعكس قوة العلاقات الاقتصادية الصينية وتزايد حاجة الصين من النفط ولا سيما النفط الخام العراقي.

مصير عادل عبد المهدي

إيران ومنذ بداية تسلّم محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة العراقية، بدأت بالضغط على حكومته، بهدف تنفيذ الاتفاقية الصينية بشكل كامل، بحسب حديث الخبير الاقتصادي هشام الشمري، لـ”الحل نت”.

السوداني يقع بين الحرج الشعبي وبين ضغوط الميليشيات، وفق الشمري، فهو لا يريد تكرار تجربة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، عندما وقّع على تنفيذ الاتفاقية الصينية، تنفيذا للرغبات الإيرانية، وبالتالي يقع تحت الضغوط الشعبية والدولية، التي أدت في النهاية لإسقاط حكومة عبد المهدي.

قد يهمك: الاتفاقية الصينية في العراق.. ضغط إيراني وتهديد للشركات الأجنبية

الهدف الذي تريده إيران من السوداني، بحسب ما يراه الشمري، هو أن “يسمح للشركات الصينية بالاستثمار بمختلف الحقول بما فيها النفطية، وهذا الأمر سيتسبب بردة فعل شعبية، قد تؤدي بالنهاية لتظاهرات عارمة تشهدها بغداد والمحافظات، كون الاتفاقية تهدد مستقبل الأجيال القادمة”، وفق تعبيره.

الحصول على النفط العراقي

الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرزاق الماجد يشدد خلال حديثه لـ”الحل نت” على أن هدف بكين الرئيسي في العراق هو طريق “الحرير”، وبالتالي تريد بكين السيطرة وخلق منافسة قوية مع الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، بحسب تعبيره.

الصين تريد الاستفادة من الاتفاقية المبرمة مع العراق، كونها ستحصل على النفط العراقي بأسعار زهيدة، وهي من ستقوم بإنشاء عمرانية رديئة يشوبها الفساد، وهي المستفيد الأكبر من الاتفاقية، وفق الماجد، كون العراق سيعطيها النفط بأسعار رمزية لمدة 20 عاما، وغير معروف إذا السعر سيبقى على وضعه، في ظل التقلبات الاقتصادية والمشاكل التي يشهدها العالم.

إيران بدأت فعليا بالضغط على حكومة السوداني، وحضوره في القمة العربية الصينية التي عقدت مؤخرا في الرياض كانت البداية، لتنفيذ سلسلة مشاريع، من بينها المدارس الصينية في محافظات وجنوب العراق.

“السوداني لن يستطيع مقاومة ضغوط إيران، كون الأحزاب والميليشيات الموالية لطهران هي التي أتت به لسدة الحكم، وهي الجهة المسيطرة في البرلمان العراقي، وتستطيع إقالته في أي وقت” وفق الماجد.

لذلك فإن “السوداني سيلبي رغبة طهران ويعيد إحياء الاتفاقية الصينية، ولكن على شكل دفعات، حتى لا يتعرض للضغوط والاحتجاجات، كما حدث مع رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي” على حد تعبيره.

الاتفاقية العراقية-الصّينية أُبرمت خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي على رأس وفد كبير ضمّ عشرات الوزراء والمحافظين والمستشارين والخبراء ورجال الأعمال في مختلف المجالات والاختصاصات، إلى الصين في الثالث والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر من العام 2019، حيث كانت بوادر وملامح التّظاهرات الاحتجاجية بدأت تلوح في الأفق.

على أثر توقيع عبد المهدي للاتفاقية الصينية، خرج الآلاف من العراقيين في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019 بتظاهرات شهدتها بغداد وأغلب المحافظات، أدت لتقديم عبد المهدي استقالته، وتنصيب مصطفى الكاظمي رئيسا للحكومة العراقية.

في عهد الكاظمي، الذي يوصف بأنه الصديق المقرب من الولايات المتحدة الأميركية، غاب ملف الاتفاقية الصينية عن أنظار الحكومة، رغم محاولات إيران وفصائلها المسلحة الضغط عليه، لتنفيذ جزء من الاتفاقية، فيما يُعرف بمشروع “المدارس الصينية”.

مقاومة الضغوط الإيرانية

مع وصول السوداني الذي يشغل حاليا منصب رئاسة الحكومة العراقية، يبدو أن الأمور قد أصبحت بيد إيران أكثر، كون السوداني هو مرشح “الإطار” المقرّب من طهران، ولا يستطيع رفض المطالب الإيرانية.

الاستثمارات الصينية في العراق تُقدر بأكثر من مئتي مليار دولار في مختلف القطاعات الاقتصادية، والسبب الذي يجعل طهران تستقتل على تنفيذ الاتفاقية الصينية، هو حصولها على نسبة عمولات من استثمارات الشركات في القطاعات الإنتاجية.

اقرأ أيضا: الاتفاقية الصينية العراقية: لماذا تدعم الميلشيات الولائية نفوذ بكين الاقتصادي في العراق؟

الاتفاقية الصينية العراقية تتضمن مبادلة عائدات النفط بتنفيذ المشاريع في العراق، عبر فتح حساب ائتماني في أحد البنوك الصينية، لإيداع عائدات النفط العراقي، البالغ مئة ألف برميل يوميا، من أجل صرفها للشركات الصينية التي تنفّذ المشاريع. الاتفاقية تمتد بين البلدين لعشرين عاما، وتركز على مشاريع البنى التحتية، مثل المدارس والمستشفيات والطرق والجسور والكهرباء والصرف الصحي.

الاتفاقية الصينية العراقية أثارت جدلا كبيرا في العراق، بسبب الامتناع عن عرضها على الرأي العام، أو طرحها أمام البرلمان العراقي، بغرض الاطلاع والتصويت عليها.

النائب السابق في البرلمان العراقي فالح العيساوي، أشار في تصريح سابق، إلى أن “كثيرا من العراقيين يجهلون فحوى الاتفاقية الصينية العراقية. فضلا عن أنها لم تُعرض على أعضاء البرلمان السابق أو الحالي، لغرض الاطلاع عليها عن كثب”.

تهديد الشركات الأجنبية

الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران، تقوم حاليا بتهديد مبطن للشركات الكورية والأميركية والألمانية العاملة في حقول النفط والغاز بمحافظات جنوب العراق، وفق مصادر مطلعة لـ”الحل نت”.

تلك الميليشيات تقوم باستهداف الشركات الأجنبية، وأخرها ما تعرضت له شركة كورية عاملة في محافظة ميسان، وذلك للسماح للشركات الصينية بالدخول وبقوة لمجال الاستثمار، وخاصة في حقول النفط والغاز، وفقا للمصادر.

في وقت سابق قُتل مهندس يعمل في شركة دايو الكورية، والتي تعمل بميناء “الفاو الكبير” بمحافظة البصرة جنوبي العراق.

هنا يبرز السؤال هل تستطيع حكومة السوداني في العراق الوقوف بوجه الضغوط الإيرانية المطالبة بتنفيذ الاتفاقية الصينية، أما أنها ستوافق وتخضع في النهاية، لتنفيذ المشروع، الأمر الذي يجعلها تخسر حلفائها، ومن بينهم الولايات المتحدة الأميركية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.