أكبر السفن الحربية الإيرانية تبحر برفقة إحدى فرقاطاتها عبر المحيط الهادي في رحلة من المرجح أنها الأولى من نوعها، والتي تهدف إلى إظهار القوة البحرية المتنامية لطهران أمام أصدقائها وأعدائها على حد سواء.  

يبدو أن السفينتين هما الفرقاطة “إيرينز دينا” وسفينة “القاعدة الإمامية إيرينز مكران”. وقد تم رصدهم من قبل القوات البحرية الفرنسية والأسترالية في أوائل كانون الثاني/يناير الفائت، أثناء إبحارهم عبر جنوب المحيط الهادئ. وبحسب التقارير المتواردة، فقد منحت السفينتان إذنا بالرسو في ريو دي جانيرو في 23 كانون الثاني/يناير الفائت. 

في كانون الأول/ديسمبر، قال قائد البحرية الإيراني الأدميرال شهرام إيراني، إن السفينتين الحربيتين اللتين غادرتا إيران في أيلول/سبتمبر 2022 سوف تبحران حول العالم لـ “إظهار سلطة الشعب الإيراني العزيز للعالم أجمع”، مضيفا بأن: “الوجود في البحار يعني القوة والسلطة”.  

على الرغم من أنها ليست سفينة قتالية، إلا أن “إيرينز مكران” هي أكبر سفينة حربية إيرانية، كذلك هو الحال بالنسبة لسفينة “القاعدة الإمامية” الوحيدة لدى إيران. وقال قائد البحرية الإيرانية السابق إنه يمكن لسطحها، الذي تم تحويله من ناقلة نفط في عام 2020، استيعاب ست إلى سبع طائرات هليكوبتر. 

لقطات الفيديو تشير إلى أنه يمكن لـ “مكران” استيعاب طائرات بدون طيار للإقلاع والهبوط العمودي. ويحتوي سطحها أيضا على مساحة لمنصات إطلاق الصواريخ الباليستية والمدفعية الصاروخية. وإلى جانب عملها كسفينة دعم، تدعي إيران أنه يمكن استخدام “مكران” في الحرب الإلكترونية ومهام العمليات الخاصة، وهذا هو الانتشار الثاني المهم لمكران. 

زيارات بعيدا عن الأراضي 

في العام 2021، وفي انتشار تاريخي آخر، أبحرت “مكران” والفرقاطة “إيريس ساهاند” حول القرن الإفريقي وعبر المحيط الأطلسي إلى سان بطرسبرغ، حيث شاركتا في احتفالات يوم البحرية الروسية. واجتذبت رحلتهم عبر المحيط الأطلسي تمحيصا شديدا في الولايات المتحدة، التي اشتبهت في أنهما كانتا متجهتان إلى فنزويلا أو كوبا في محاولة للاستهزاء بمحاولات واشنطن بعزلهم. 

العميد البحري الإيراني حبيب الله سياري، كتب في ذلك الوقت أن وصول السفن الحربية إلى المحيط الأطلسي دون طلب إذن الوصول إلى الموانئ الأجنبية يظهر “وجود إيران القوي في البحار المفتوحة وفقا للقواعد البحرية الدولية”، واصفا وجود إيران في عرض البحار بأنه “رسالة سلام وصداقة للعالم”. 

قائد البحرية الإيرانية، قال هذا الشهر أيضا بأن إيران “تخطط للتواجد” في قناة بنما، في إشارة محتملة إلى انتشار “دينا” و”مكران”، على الرغم من أن إيران لم تحدد السفن التي ستنتشر هناك أو متى سوف تصل إلى القناة. 

من جانبه يقول أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد “الشرق الأوسط”، إن هذه التعليقات سياسية بحتة. ويضيف قائلا: إن “هذا في معظمه هو جزء من الانتقام من الولايات المتحدة”.  

وكانت قد أجرت سفن البحرية وخفر السواحل الأميركية لسنوات عمليات بغية الحد من التسلح والأمن البحري في خليج عمان والخليج العربي. وقد استولى الأميركان مرارا وتكرارا على شحنات أسلحة إيرانية متجهة إلى اليمن، وواجهوا في كثير من الأحيان مواجهات متوترة مع سفن حربية إيرانية.  

وبالنسبة لـ فاتانكا، فإن “عمليات الانتشار هذه غير منطقية في الوقت الحالي بسبب الصعوبات الاقتصادية لإيران”. فإرسال السفينتين الحربيتين إلى الخارج يهدف جزئيا إلى تشتيت الانتباه عن مشاكل إيران الداخلية، وتحديدا الاحتجاجات الواسعة النطاق لحقوق المرأة. ويضيف فاتانكا: “في ضوء الاحتجاجات الإيرانية، تريد القيادة الإيرانية أن تظهر أنها ليست جاثية على ركبتيها”. 

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لصحيفة “واشنطن فري بيكون” إن الولايات المتحدة تراقب “محاولات إيران لخلق وجود عسكري لها” في نصف الكرة الغربي. 

موجة إلى روسيا 

يمكن لعمليات الانتشار البحري هذه أن تكون إشارة من طهران إلى شركائها أيضا. فقد سعت إيران إلى المساعدة في إعادة بناء أسطولها البحري، الذي ألغيت طلبات السفن بعد ثورة 1979 ثم تكبدت خسائر خلال الحرب الإيرانية العراقية وفي صدام مع الولايات المتحدة في الثمانينيات. 

طهران تلقت مساعدات من بعض الدول من بينهم روسيا، التي قدمت بعض السفن الحربية، وسعت مؤخرا إلى الحصول على دعم من الصين، على الرغم من أن بكين تبدو حذرة من مشاركة التكنولوجيا البحرية. 

في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، بدأت إيران في تزويد روسيا بالأسلحة، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ، وربما ترى فرصة لتوسيع العلاقة مع موسكو وتعميقها. ويوضح فاتانكا أن طهران أرادت أن تبين لموسكو أنها شريك كفؤ وليست مجرد سوق للتصدير.  

كذلك بدأت إيران أيضا برنامجا محليا لبناء السفن بغية تنمية أسطولها البحري، والذي تم تصميمه للدفاع عن الخليج العربي. ولم تخضع هذه القوة للتحديث منذ عقود، لكنها طورت وأرسلت في السنوات الأخيرة عشرات السفن، بما في ذلك أربع فرقاطات من طراز موج، وهي أكثر السفن الحربية الإيرانية تقدما. 

إن استثمار طهران في أسطولها البحري يشير إلى أنه غالبا ما سوف تستمر قوتها في النمو وإجراء رحلات رفيعة المستوى، إلا أن موارد إيران المحدودة ومنافساتها في الشرق الأوسط تعني أنه من المرجح أن يبقى تركيزها على منطقة الخليج العربي.  

فاتانكا يرى بأنه على الرغم من أن ما تفعله إيران اليوم يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، “هناك سؤال حول ما سيكون بمقدورهم القيام به في السنوات العشر أو العشرين القادمة؟”. ويضيف بأنه من الصعب التنبؤ بالمستقبل، لكن “الشراكة الكاملة” بين طهران وموسكو يمكن أن ترفع جودة الإنتاج البحري الإيراني وتزيد من قدراتها البحرية من خلال نقل التكنولوجيا والتدريب المشترك. 

ويختتم فاتانكا حديثه بالقول: “انظر إلى برامج الصواريخ والطائرات الإيرانية المسيرة، لم تكن متطورة قبل 10-15 عاما. يمكن أن تكون هي نفسها مع أسطولها البحري”. ومع ذلك، سيستمر تركيز إيران على الخليج العربي وخليج عمان والمحيط الهندي. وستريد إيران من التظاهر بأنها قوة عالمية، لكن هذا بعيد كل البعد عن الواقع. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.