حملة اعتقالات بدأتها السلطات في تونس ضد المعارضين السياسيين والناشطين، مع تصاعد الاحتجاجات ضد السلطة التونسية، بسبب حالة عدم الرضا عن إدارة البلاد، لا سيما فيما يتعلق بالجوانب السياسية والاقتصادية، ذلك ما يدل على أن السلطة قررت مواجهة الاحتجاجات بالقبضة الأمنية بعد فشلها في مواجهة الأزمات التي يعاني منها المواطن التونسي.

“التآمر على أمن الدول” هي أبرز التّهم التي يواجهها المعتقلون من السياسيين والناشطين، في وقت اتهم فيه سياسيون تونسيون أن السلطة بقيادة الرئيس التونسي قيس سعيّد، تسعى لتضخيم تُهم المعتقلين من أجل التغطية على الأزمة الاقتصادية التي فشلت في احتوائها على مدار الأشهر الماضية، فضلا عن التعديلات الدستورية التي منحت الرئيس صلاحيات غير مسبوقة.

يبدو أن المشهد التونسي يوحي بمزيد من التصعيد خلال الفترة القادمة، خاصة مع وصول مطالب الاحتجاجات إلى حدّ المطالبة بتنحي الرئيس قيس سعيّد عن الحكم، وتقاطع التوتر السياسي مع الأمني، فهل تنجح السلطة التونسية في إسكات المعارضين واحتواء الاحتجاجات عبر اللجوء إلى الحل الأمني وتوجيه الاتهامات للمعارضين.

حملة ممنهجة ضد المعارضين

حملة الاعتقالات المنهجية استهدفت خلال الأيام الماضية سياسيين وناشطين وصحافيين وقضاة ومحامين، وشملت كذلك الأمين العام لـ “الحزب الجمهوري” عصام الشابي، والقيادية في “جبهة الخلاص الوطني” شيماء عيسى، ما يرجح اتجاه الأمور لمزيد من التصعيد في ظل تخبط السلطة وغياب الحلول للأزمة التي تعيشها تونس.

الطريقة الأمنية التي يواجه بها الرئيس معارضيه، ستوسع ربما رقعة الاحتجاج ضد السلطة، خاصة وأن الجميع يعرف أن هدف السلطة من هذه الحملات هو نشر الخوف والرعب في نفوس التونسيين وشغلهم عن انتقاد السلطة بالمشاكل الأساسية المتعلقة بالسياسة والبرلمان وتعديل الدستور، وفضلا عن المشاكل الاقتصادية.

المحلل السياسي التونسي زاهر كوفي، رأى أن فشل السلطة في تقديم حلول موضوعية للأزمات التي مرت بها البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، دفعها نحو الحل الأمني للتغطية على فشلها، متوقعا أن تتصاعد الاحتجاجات خلال الفترة القادمة فيما إذا استمر الرئيس التونسي قيس سعيّد في حملات الاعتقالات العشوائية بحق السياسيين والناشطين.

كوفي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “السلطات فشلت في احتواء الأزمات التي ضربت البلاد، وقد فضح عدم الإقبال على الانتخابات الأخيرة عدم رضى التونسيين عن سياسة السلطة والرئيس التونسي قيس سعيّد، ليبدأ بعدها الأهالي بالتحرّك نحو مظاهرات وحركات تعبّر عن رفض سياسة الرئيس، خاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، ولأن السلطة فشلت في تقديم الحلول الموضوعية والحقيقية نراها تتجه إلى تكميم الأفواه والحل الأمني”.

الوضع السياسي والاقتصادي

حالة عدم رضى المواطن التونسي تشمل الجانبين السياسي والاقتصادي، إذ إن التعديلات الدستورية الأخيرة التي أقرّها الرئيس، والموازنة العامة للبلاد، كانت سببا مباشرا في نزول التونسيين إلى الشوارع للاحتجاج على السلطة والمطالبة أحيانا بتنحي الرئيس عن السلطة، فضلا عن عزوف النسبة الساحقة من التونسيين عن الإقبال على الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

حول ذلك أضاف كوفي، “هناك مشهد مأساوي قاتم في تونس نتيجة السياسة العشوائية في إدارة الأزمات، خاصة مع ما تسببه الحكم الفردي، والسياسات التي أدت لتعميق الأزمة الاقتصادية ونقص المواد وكثرة البطالة وضرب منظومة الإنتاج في البلاد، وبعد اشتداد الخناق على الرئيس اتجه للحل الأمني، أعتقد أنه ربما يقضي الرئيس أيامه الأخيرة من خلال هذه الحملة والهجوم على معارضيه”.

منذ أن اتجه الرئيس للتعديلات في الدستور ومنح نفسه صلاحيات غير محدودة وسحب الصلاحيات من البرلمان، “كان واضحا أنه يريد حكم البلاد بالطريقة الأمنية بعيدا عن الديمقراطية. أصبح الرئيس وحده يختص بتعيين طاقم الحكومة ورئيسها، وهذا يرسّخ الحكم باتجاه واحد بعيدا عن الديمقراطية والتعددية. التونسيون فقدوا الثقة بالسلطة” بحسب حديث كوفي.

المحلل السياسي التونسي اعتقد كذلك أن الاحتجاجات في البلاد متجهة نحو التصعيد، وأن الحل الأمني لن يفيد السلطة في احتواء حركة الاحتجاج والرفض لسياسة إدارة البلاد، خاصة في حال لم تقدم الحكومة حلول عملية للأزمات التي تمرّ بها تونس، خصوصا على المستوى الاقتصادي و السياسي الذي عبثت فيه السلطة كثيرا خلال الفترة الماضية.

محامون متابعون لقضايا المعارضين المحتجزين، أكدوا أن التُّهم جميعها تمحورت حول “التآمر على أمن الدولة أو ارتكاب أمر موحش ضد الرئيس”، فيما يُلاحّق آخرون بتهم الفساد وتبييض الأموال، وتبدو غالبية المداهمات التي شُنّت ضدهم، بحسب تصريحات محاميهم، غير قانونية.

تهديد الديمقراطية؟

الحملات العشوائية وغير القانونية ضد السياسيين والناشطين، قد تهدد كذلك هامش حرية التعبير الذي اشتهرت به تونس طوال السنوات الماضية، فيما إذا تم مقارنتها بدول عربية أخرى، لذلك فإن التونسيين بحسب ناشطين سياسيين، مصرّون على عدم السماح للسلطات بمصادرة ما تبقى من حرية التعبير في بلادهم.

التوتر السياسي في تونس تصاعد منذ أن سجلت هيئة الانتخابات المعينة من قِبل الرئيس التونسي قيس سعيّد، مشاركة 11.4 بالمئة فقط من الناخبين، خلال انتخابات البرلمان التونسي، في وقت اعتبر فيه معارضون أن انخفاض الإقبال سببه عدم رضا التونسيين عن سياسات الرئيس التونسي وسيطرته شبه الكاملة على جميع السلطات في البلاد.

النواب الجدد في البرلمان يمارسون صلاحيات محدودة، فبعد أن كان البرلمان السابق يتمتع بقوة عرض مشاريع القوانين وفقا لدستور 2014، سيفقد البرلمان الجديد هذه الصلاحية بعد أن استولى عليها الرئيس الذي اكتسب حق عرض مشاريع القوانين مع أولوية النظر فيها، في حين أصبح للنواب حق عرض مقترحات القوانين بشرط أن تكون مقدمة من 10 نواب.

قد يهمك: أسعار الغاز في أوروبا إلى مستويات ما قبل الغزو.. بوتين خسر حرب الشتاء؟

سياسيون اعتبروا أن الرئيس التونسي، يسعى إلى إرساء نظام يقطع التشاركية في السلطة، وذلك عبر التعديلات الدستورية الأخيرة، ومنح نفسه مزيدا من الصلاحيات، مع محاولة إلحاق الضرر بالمعارضة لترهيب وتخويف المجتمع، بالتوازي مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

فضلا عن الأزمة السياسية، تواجه تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وسط حالة من عدم الرضا عن سياسات الرئيس التونسي قيس سعيّد، لا سيما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي في البلاد، حيث قوبلت الموازنة التونسية للعام الجديد، باستنكار واسع، بعد أن اعتمدت الحكومة زيادتها، عبر فرض المزيد من الضرائب، إذ من المتوقع أن تجمع الحكومة أكثر من 40 مليار دينار من الضرائب، أي نحو 13 مليار دولار قبل نهاية 2023، بزيادة 12.5 بالمئة عن المداخيل التي جرت تعبئتها العام الفائت.

“تونس دخلت نفقا مظلما”، بهذه الجملة وصفت “الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية”  الوضع في البلاد، بسبب ممارسات وخطابات السلطة السياسية ممثّلة في رئيس الدولة قيس سعيّد، “الذي يعادي بشكل بيّن الحريات السياسية والمدنية، ويستهدف المعارضة والمنظمات الوطنية لمواصلة اختطافه الدولة وتركيز نظام سلطوي وفاشي”.

منذ أشهر والتوقعات كانت تشير إلى التصعيد في تونس، ففي كل مرة يخرج فيها التونسيون للاعتراض على طريقة إدارة البلاد في أحد الجوانب، كانت السلطة تتجاهل مطالب الشارع وتقدم التبريرات والوعود، حتى على الجانب الاقتصادي، لم تقدم الحكومة أي خطة استراتيجية من شأنها مواجهة الأزمة الاقتصادية وتخفيف تبعاتها على المواطن التونسي، فكان الاتجاه للتعديلات الدستورية ومنح الرئيس مزيد من صلاحيات التحكم بمفاصل الدولة هي الأولوية بالنسبة للسلطة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.