على مدى السنوات الماضية وحتى قبل 2011، لم يشهد القطاع الصناعي في سوريا أي تقدم أو تطور، خاصة بعد صعود “حزب البعث العربي الاشتراكي” إلى السلطة قبل أربعة عقود، إذ ساد الفساد على مفاصل المؤسسات الحكومية بجميع المستويات وهو ما أدى إلى تراجع كبير في العديد من القطاعات وخاصة القطاع الصناعي.

بعد دخول سوريا في حرب دموية على مدار السنوات العشر الماضية، اتجهت الحكومة السورية إلى خصخصة القطاع الصناعي في ظل استمرار تدهور الاقتصاد السوري وعجز الحكومة عن إيجاد أي حلول تساهم في تحريك عجلة الإنتاج، حيث تسعى دمشق لاستقطاب رؤوس الأموال إلى سوريا وبناء جزء من الاقتصاد المدمّر بشكل شبه كامل على حساب المستثمرين ورجال الأعمال، وخاصة من المغتربين وغير السوريين.

لذلك يجب طرح بعض التساؤلات حول أسباب تراجع القطاع الصناعي بشكل عام، بالإضافة إلى مسؤوليات دمشق في هذا الصدد، وغياب دعمها لهذا القطاع الهام، من حيث عدم قدرتها على تقديم الخدمات العامة من الوقود والكهرباء وغيرها.

نتيجة لفساد الحكومة

منذ عام 2007 والحكومة السورية تتحدث عن تطوير الصناعة النسيجية من خلال إنشاء عناقيد صناعية أو مجمّعات، ومنذ ذلك الحين بقي هذا الحلم يراود أصحاب الشأن، حتى تحول إلى مجرد أضغاث أحلام، وبات هذا السيناريو حبيس الأدراج وربما أصابه العفن.

صحيح أن سوريا مرّت بظروف قاسية وصعبة، إلا أن الفترة التي سبقت الحرب منذ عام 2007 وحتى 2011 كانت كفيلة بإنشاء مدن صناعية، وليس عناقيد، لكن نيات أصحاب الشأن لم تكن على قدر مسؤوليتهم، فتحول كل شيء إلى سراب، وفق تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، يوم أمس الإثنين.

لا أحد ينكر أهمية قطاع النسيج، لا سيما بعد أن اشتهرت سوريا بصناعة “البروكار” والأقمشة الفاخرة. هذا القطاع من القطاعات المهمة في الاقتصاد السوري بما يوفره من ريعية اقتصادية تنعكس إيجابا على دعم الاقتصاد المحلي ككل. في هذا السياق، تقول غنوة رسول مديرة التخطيط والإحصاء في “المؤسسة السورية للغزل والنسيج”، بأنه نتيجة للسنوات الماضية توقفت 11 شركة عن العمل إضافة لمعمل “سجاد حلب” وأصبحت خارج العملية الإنتاجية نهائيا وهي شركات حلب الخمس؛ “السورية للغزل والنسيج، الشهباء للمغازل، الأهلية للغزل والنسيج، العربية للملابس الداخلية، الصناعية للملبوسات، إضافة لمعمل السجاد ساتكس سابقا”، إلى جانب شركات ومعامل أخرى.

قد يهمك: “أزمة الإيجارات”.. هل اختلف سوق العقارات في سوريا بعد الزلزال؟

إلا أن المراقبين يقولون إن ذلك نتيجة للفساد الحكومي في هذا السياق، فالقطاع الصناعي وتحديدا النسيج لم يشهد تطورا وتقدما حتى قبل الحرب، حيث قصّرت الحكومة السورية في هذا القطاع كثيرا، من حيث دعم الصناعيين والحرفيين، من المواد اللوجستية أو أي تسهيلات أخرى.

خسارات بالمليارات

في سياق متّصل، كشف وزير الصناعة السوري زياد صباغ، أن الأضرار المباشرة وغير المباشرة تجاوزت قيمتها نحو 23.5 مليار دولار حتى نهاية عام 2019 للمنشآت الصناعية التي تقع داخل سيطرة الحكومة السورية. في حين يقول الخبراء إن الخسائر أكبر في الوقت الراهن، خاصة إذا ما تم احتساب باقي المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق.

المنشآت التي دُمرت جرّاء الحرب السورية تجاوزت الـ 40 بالمئة من كامل منشآت القطاع العام، وبالنظر إلى انهيار الحكومة السورية اقتصاديا، فإنه حتما لا يمكن لها أن ترصد ميزانيات ضخمة لإعادة تأهيل هذه المنشآت، سيما وأنها تعتاش على حوالات المغتربين، فضلا عن ممارسة أعمال غير مشروعة، من تهريب للمخدرات، وفق ما وثقه العديد من الجهات الحقوقية.

المراقبون يقولون إن البحث عن بدائل وتطوير قطاع الاستثمار في هذه المنشآت بالتشاركية مع القطاع الخاص من داخل سوريا ومع الدول الأخرى ربما قد يعيد تأهيل القطاع الصناعي وتطوير خطوطها الإنتاجية، لكن ذلك يبقى رهن مدى توجه الحكومة السورية إلى إيجاد تسوية سياسية شاملة مع الأطراف السياسية الأخرى بالمشهد السوري، حتى يتم الانفتاح على دمشق ومن ثم تطوير وإنعاش قطاعها الاقتصادي ككل.

يرى الصناعيون، أنه في ظل هذه الظروف، تعتبر الزيادة في تكاليف نواقل الطاقة من قبل الحكومة غير منطقية. وإذا كانت دمشق تحاول تعويض الخسائر الناجمة عن هذه الزيادات، فإن الأمر بات أكثر عبثية. ولا يهدف إلى خفض تكاليف الإنتاج على الصناعيين حتى يتمكنوا من الاستمرار في المنافسة والتصدير والإنتاج بأسعار تناسب الأسواق المحلية.

عجز الحكومة السورية

بعض التقارير ترى أن صناعة النسيج في سوريا تمرّ بمرحلة حرجة مع عجز شركات القطاع عن السير بعيدا عن المشاكل التي تعاني منها البلاد في ظل الأزمة المالية وعوامل الجفاف رغم إصرار الحكومة على أن لديها خططا لإنقاذها وزيادة طاقة الإنتاج.

وزير الصناعة السوري قبل عدة أشهر أكد أهمية تعزيز إيرادات الشركات الصناعية المنتجة، وإعادة الشركات المتوقفة إلى الإنتاج، بجانب منح الموافقة لثلاثة عقود تأهيل لتلك الشركات، كما تم وضع برنامج موحّد للتكاليف والتحليل المالي للشركات المنتجة، والأًصول الثابتة غير المستثمرة في الشركات.

إلا أن كل هذا لم يجد أي أفعال حقيقية على أرض الواقع، ويقول المراقبون في هذا إذا لم تنتهِ الحرب في سوريا بشكل كامل، فلا يُعتقد أن بإمكان أي من المستثمرين إدخال أمواله إلى سوريا، ولن تنشط عجلة الصناعة السورية ولا سيما النسيج، خاصة بعد ازدهار وتقدم صناعات دول المجاورة في هذا المجال.

المراقبون يعتقدون أن أغلب شركات القطاع الصناعي التي تنشط في مناطق سيطرة دمشق، تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه بالنظر إلى تراكم المشاكل التي جعلت أعمالها في تراجع كبير، ووسط صعوبة توفير إمدادات الوقود والكهرباء بشكل دائم، ترك موجة الجفاف آثارا كارثية على زراعة القطن الذي يشكّل المادة الأساسية في مدخلات إنتاج مصانع الغزل والنسيج.

قد يهمك: استثناءات العقوبات الأميركية.. هل تستغلها دمشق لإعادة تفعيل “السويفت”؟

كذلك، فإن النقطة الأهم بالنسبة للصناعيين اليوم، هي الأمن والأمان، فعدم استقرار الوضع الأمني ​​والسياسي في سوريا، وحالة الفلتان الأمني من عمليات الخطف ووجود عصابات مافيوية والعديد من المشاكل الأمنية التي لا مجال لذكرها هنا، فضلا عن وجود “أمراء الحرب” و “حيتان الاقتصاد”، لا يمكن أن يفعّل ويعيد تنشيط الصناعة السورية، لذلك يجب على دمشق أن تأخذ هذه النقاط بعين الاعتبار، ثم تتحدث عن أسباب خارج إرادتها حول تراجع القطاع الصناعي وفق ما تدعيه.

في وقت سابق أكد محمد عزوز رئيس “الاتحاد المهني للغزل والنسيج” أن تأمين مادة القطن يُعد أولوية لاستمرار العملية الإنتاجية في شركات الغزل العامة حيث تم عقد لقاءات مع المعنيين في وزارة الصناعة للوصول إلى حلول عاجلة في ظل تراجع الكميات المورّدة من المزارعين.

إلا أنه نتيجة لموجة الجفاف الحادة وتراجع القطاع الزراعي فقد وضِع هذا القطاع أمام عقبات جديدة، لا سيما وأن الحكومة السورية لا تدعم القطاع الزراعي سوى بهامش من الدعم، فضلا عن غياب الخطط المستقبلية لدمشق في هذا القطاع ككل.

هذا ويستقطب قطاع إنتاج القطن حوالي 20 بالمئة من الأيدي العاملة السورية، كما أنه يُزرع على مساحات شاسعة تقدر بحوالي 200 ألف هكتار تنتج حوالي 800 ألف طن سنويا.

عزوز اعتبر أن كميات القطن في سوريا غير كافية لتشغيل شركات الغزل والنسيج ولا بد من البحث عن بدائل لضمان استمرارية الإنتاج والاستفادة من الطاقة التشغيلية للآلات وللعمال عبر تدوير المخزونات والاستفادة من العوادم، وبالتالي فإن هذا سيؤدي إلى توجه القطاع باستيراد القطن والمواد اللازمة لاستكمال عمل هذا القطاع، مما يعني أن أسعار المنتجات الصناعية السورية سترتفع وهذا ما سيحد من صادرتها من جهة، ومن تراجع القوة الشرائية لها من جهة أخرى.

أوساط اقتصادية معنية ومهتمة بالشأن السوري ترى أن ثمة حاجة مُلحّة لتحسين الظروف المهنية للعاملين وتطوير بيئة العمل بما يساهم في تحسين الإنتاج وزيادته وتحديث وتأهيل العشرات من المنشآت، مؤكدة أن ذلك يتطلب الإسراع بتأمين الدعم للقطاع الصناعي ككل حرصا على عدم توقف العملية الإنتاجية بغية تخفيض الاستيراد في ظل شح السيولة النقدية لدى الدولة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.