كانت الشمس قد أشرقت للتو فوق المناظر الطبيعية الصحراوية المترامية الأطراف في شرق سوريا عندما انفجرت الطلقات الأولى. ترددت أصداء نيران الرشاشات والانفجارات في الهواء، مما يشير إلى بدء ما سيصبح أعنف معركة في المنطقة منذ سنوات. كان الخلاف بين “الفرقة الرابعة” و”الفرقة 25″ على شيء واحد هو الذهب الأسود.

في سوريا، هناك فريقان مدعومان من الحكومة يتنازعان حاليًا حول السيطرة على موارد النفط السورية. الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر شقيق الرئيس السوري، بشار الأسد، والمدعومة من إيران، تتهم “الفرقة 25” المدعومة من روسيا والتي يقودها سهيل الحسن الملقب بـ”النمر”، بخرق اتفاق توزيع المحروقات التي تصل عبر شركات الدولة أو القادمة عبر السفن الإيرانية إلى سوريا.

منذ سنوات، كانت المنطقة الشرقية من سوريا مرتعًا لتهريب النفط والتجارة غير المشروعة. لطالما كانت السيطرة على المناطق الغنية بالنفط مصدر نزاع بين مختلف الفصائل، بما في ذلك القوات الحكومية السورية والميليشيات والجماعات المسلحة المختلفة، بما في ذلك تلك التي تدعمها إيران.

الأزمة تشل حركة الجيش

“الفرقة الرابعة” قوة سيئة السمعة موالية للرئيس السوري بشار الأسد، اتُهمت بارتكاب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والقتل والاغتصاب. لكنها معروفة أيضًا بقبضتها المحكمة على صناعة النفط في سوريا، حيث تسيطر على معظم حقول النفط في المناطق التي تخضع لسيطرت دمشق.

على الجانب الآخر من ساحة المعركة، توجد “الفرقة 25″، وهي وحدة أنشأتها روسيا، بقيادة سهيل الحسن الملقب بـ”النمر” وهي ائتلاف من مقاتلين في الجيش السوري والمخابرات الجوية ومتقاعدين عسكريين ومتطوعين مدنيين، انخرطت في معارك من أجل حكومة دمشق ولكن تحت إمرة القيادة الروسية في قاعدة “حميميم” الجوية.

القصة بدأت بحسب ما ذكره قيادي في “الفرقة 25” لـ”الحل نت”، الأسبوع الفائت، عندما حاولت “الفرقة الرابعة” السيطرة على منشأة نفطية رئيسية في المنطقة التي كانت تحت سيطرت “الفرقة 25”. وتأتي هذه الحادثة بعد توتر لعدة أشهر، حيث سعى الجانبان للسيطرة على الذهب الأسود بعد الأزمة التي ضربت البلاد منذ نهاية عام 2022.

مع احتدام المعركة بين الطرفين في منطقة تدمر عند حقل “جزل” الذي طردت القوات الروسية عام 2017 منه تنظيم “داعش” وسلمته لـ”الفرقة 25″ التي كانت ترافقها آنذاك، من الواضح سرعان ما أصبح أن هذه لم تكن مجرد مناوشة، إذ أحضر كلا الجانبين مدفعية ثقيلة ودبابات ومعدات عسكرية أخرى، مما حول المنطقة إلى ساحة حرب. 

أسباب القتال في هذا التوقيت يعود للأزمة التي تعصف بالجيش بسبب نقص المحروقات، حيث بحسب القيادي في “الفرقة 25″، فإن ثمانية فرق في الجيش السوري توقف عنها دعم المحروقات، مما أدى إلى إعادة النظر في استراتيجياته وخططه، خاصة فيما يتعلق بالمعارك والاحتفاظ بالأفراد.

الشحّ غير المسبوق في تأمين المشتقات النفطية أرخى بثقله على المشهد السوري، ولم يؤدِ إلى شللٍ شبه كامل في الحياة العامة بل أيضا في أركان الجيش، حيث اضطرت الحكومة السورية إلى اتخاذ إجراءات تقشفية استثنائية للتعامل مع الوضع الراهن.

من الأقوى.. ماهر الأسد أمام “النمر”

الإحصائيات الرسمية تشير إلى أنّ الإنتاج السوري من النفط كان قبل الحرب بحدود 386 ألف برميل يوميا، فيما الآن لا يتجاوز ربما 20 إلى 25 ألف برميل يومياً، وسط حاجة يومية لا تقل عن 100 ألف برميل، كما تحتاج سوريا يومياً نحو 8 مليون ليتر مازوت ومثله تقريباً للبنزين، فيما كان التوزيع ما قبل الأزمة الأخيرة لا يتعدى 6 مليون ليتر للمازوت و5 مليون ليتر للبنزين.

اختار الجيش السوري مؤخرًا تقليص دعمه للعديد من الفرق العسكرية، وتحويل الموارد النفطية التي تصله عبر إيران إلى فصائل عسكرية انتقائية أبرزها وأهمها، فرق المدرعات، وألوية الدفاع الجوي والرادارات، وفرق الحرس الجمهوري. فيما استثنيت جميع ألوية المشاة والمدفعية والمضادة للدروع من دعم المشتقات النفطية.

سابقا كانت الفرقة الرابعة تأخذ حصتها من البواخر الإيرانية، وأيضا عبر الصفقات التي تجريها مجموعة “قاطرجي”، أما “الفرقة 25” فالجيش الروسي متكفل بكافة التزاماتها من المشتقات النفطية، عبر منحها حقولا في ريف حمص، وأيضا عبر البواخر الروسية، أو يتم شراء بواخر من إيران.

القتال بين الفرقة الرابعة و”الفرقة 25″ استمر لعدة أيام، وتكبد الطرفان خسائر فادحة في الأرواح. وشنت “الفرقة الرابعة” قصفا مدفعيا، فيما استدعت “الفرقة 25” تعزيزات من مناطق أخرى في سوريا. ومع اشتداد المعركة، أصبحت منشأة النفط بؤرة الصراع، حيث كان كلا الجانبين يخوضان صراعا مميت للسيطرة على المورد الثمين.

تبلغ مساحة المنشأة المتنازع عليها حوالي 800 متر مربع في موقع مثالي لنقل شحنات النفط من محافظة حمص إلى مناطق سيطرت “الفرقة 25” في وسط وشمال من سوريا.

أخيرًا، وبعد عدة أيام من القتال العنيف، اضطرت “الفرقة الرابعة” إلى التراجع. خرجت “الفرقة 25” منتصرة ولكن بتكلفة عالية. حيث دمرت المنطقة وقتل أو جرح العشرات من عناصرها. ومن الواضح أن هذه المعركة كانت مجرد معركة واحدة  لسلسلة طويلة من النزاعات على الموارد الطبيعية الثمينة لسوريا. حيث تعد حقول النفط في البلاد مصدرًا للثروة والسلطة منذ عقود، وتقاتل مختلف الفصائل للسيطرة عليها منذ اندلاع الحرب السورية.

هكذا يحصل الأسد على النفط

الخلافات بين الأفواج الفردية والجماعات العسكرية والجيش السوري حدثت بانتظام خلال سنوات الصراع؛ كانت الانقسامات ناتجة عادة عن عدم الرضا عن نظام توزيع الأموال أو الدعم من قبل الجهات الخارجية، وحاليا بسبب عدم قدرة الحكومة على دعم مؤسساتها.

انخفض إنتاج النفط السوري بشكل كبير بسبب الصراع الذي بدأ في عام 2011. تقع حقول النفط في وسط وشمال شرق سوريا، ولكن حتى وقت قريب، كانت معظم الحقول خارج سيطرت الحكومة السورية. انخفضت عائدات النفط في البلاد بشكل مطرد، مما أثر على الاقتصاد السوري الضعيف بالفعل. 

الحكومة السورية لا تسيطر سوى على آبار ومواقع تضخ في الحد الأقصى 25 ألف برميل، من حقول شاعر وحجار والمهر في البادية شرق حمص، التي استعادتها من تنظيم “داعش” عام 2017، علما أن العقوبات الاقتصادية تمنع دمشق من استيراد النفط.

بعد افتضاح جورج حسواني، وسيط الحكومة السورية بالوساطة لشراء نفط “داعش” في مارس/آذار 2015 وصدور عقوبات أوروبية وأميركية بحق رئيس شركة “هيسكو للهندسة والإنشاء”، كانت مجموعة “القاطرجي”  الخيار الأمثل لماهر الأسد والفرقة الرابعة.

لكن حدوث مثل هذه المعركة بين قوتين يفترض أنهما يتبعان لقيادة عسكرية واحدة متمثلة بوزارة الدفاع السورية، يفسر بنظر الخبير العسكري، العقيد عبد الله حلاوة، بأن أثر التدخل الأجنبي في سوريا أحدث انفصام في أقوى سلطات الدولة، مما أوصل فرق كبرى للقتال فيما بينهم بسبب النفط.

بحسب حديث حلاوة لـ”الحل نت”، فإن تبعية “الفرقة الرابعة” لإيران، و”الفرقة 25″ لروسيا أنتج شرخ داخل المنظومة العسكرية السورية، فضلا عن أن تهالك مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على تأمين المشتقات النفطية بعيدا عن دعم الحلفاء، أوصل المؤسسة التي هي قوام الدولة إلى مرحلة “الشللية والعصابات”.

في الختام، خلقت تبعية الفرقة الرابعة لإيران و”الفرقة 25″ لروسيا صدعًا عميقًا داخل النظام العسكري السوري. لم تؤد هذه الخطوة لتقويض وحدة الجيش السوري فحسب، بل هددت أيضًا توازن القوى الهش في المنطقة. أدى التأثير المتزايد للقوى الأجنبية في الشؤون الداخلية لسوريا إلى تعقيد الصراع وجعل من الصعب إيجاد حل سلمي ومقدرات البلاد ستكون عرضه للنهب والقتال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات