قبل نحو يومين، لفتت تصريحات الداعية السعودي صالح المغامسي انتباه نسبة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تحدث عن ضرورة إنشاء “فقه جديد” في الدين الإسلامي. وجاءت هذه الدعوة خلال مقابلة تلفزيونية معه.

هذه المقابلة أثارت جدلا كبيرا، حيث قال المغامسي إنه “يرجو من الله أن ينشئ على يديه مذهبا إسلاميا جديدا”، مضيفا “المراجعة لما قد سلف أمر لا مناص منه” متابعا “في كل مرحلة من مراحل البناء الفقهي يطغى شيء جديد. لذا لا بد في هذا الزمن من تحرير المسائل”.

في هذا الصدد، ورد عليه تعليق رسمي، حيث علقت “الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء” في السعودية على دعوته، واصفة إياها بـ “الافتقار إلى الموضوعية والواقعية”.

تفاصيل الدعوة

رجل الدين السعودي البارز صالح المغامسي، أثار جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي وتصدّر الترند الأكثر تداولا على منصة “تويتر” في المملكة العربية، بعد حديثه عن ضرورة إقامة مذهب إسلامي فقهي جديد. وجاء تصريح الداعية الإسلامي، الإمام والخطيب السابق لجامع “قباء” بالمملكة، في برنامج “ذات مع سامي الجابر” الذي يبث على قناة “السعودية” الأولى.

المغامسي أشار إلى أن السند طغى على الأحاديث المنتشرة مما أضر بالناس، “فدخلت أحاديث آحاد، من الصعب نسبتها للنبي”. وبعد تأكيده أن القرآن هو الكتاب الوحيد غير القابل للمراجعة، أوضح المغامسي بأن الفقه الإسلامي هو صناعة بشرية ولابد من إعادة قراءته وتمحيصه.

كما أضاف “أرجو من الله عز وجل أن ينشئ على يدي مذهبا إسلاميا فقهيا جديدا”، وتحدث أيضا عن إمكانية تأسيس هذا المذهب على يد ثلة من علماء الدين، معترفا بأن كلامه سيثير الكثير من الانتقادات، وبرر دعوته بأن هناك “ثغرة موجودة في الأمة اليوم هي إيجاد مذهب فقهي إسلامي جديد”.

المغامسي أكد أنه يوجد ألف حاجة اليوم لإنشاء مثل هذا المذهب الفقهي الجديد، متحدثا عن أحاديث كثيرة يصعب نسبها إلى النبي. وختم حديثه متسائلا “البعض يستكثر عليك أن تراجع الفقه الإسلامي فإذا اعترفتم أن “أصحاب المذاهب” بشر ما الذي يمنع من المراجعة؟”.

قد يهمك: مسلسل “دفعة لندن“.. يثير غضب العراقيين ويشعل جدلا مع الكويتيين – الحل نت 

بالنظر إلى مدى الحساسية بالحديث عن الأديان وإمكانية إحداث ثغرة فيه، ولا سيما الإسلامي، أثارت دعوة المغامسي لإنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد الجدل بين مؤيد للفكرة وبين رافض لها.

أول تعليق رسمي

في سياق الرد على المغامسي، قالت “الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء” في الرياض إن الدعوة إلى إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد “تفتقد الموضوعية والواقعية”، وفقا لما نشرته “وكالة الأنباء السعودية” (واس)، يوم أمس الإثنين.

“هيئة كبار العلماء”، أردفت في بيان مقتضب، أن “الفقه الإسلامي بمذاهبه الفقهية المعتبرة، واجتهاداته المتنوعة، يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، ويوفّق بين حاجاتها والشريعة الإسلامية، وهو ما تبرهن عليه الهيئات العلمية، والمجامع الفقهية، التي تمارس الاجتهاد الجماعي”.

الهيئة ذاتها تابعت في بيانها “أن من نعم الله على المسلمين، في هذا الوقت، تيسير الاجتهاد الجماعي عبر هذه الهيئات والمجامع، التي تتفاعل إيجابا مع حاجات المجتمع وتطوراته المعرفية والاجتماعية والاقتصادية، ومئات القرارات التي صدرت عن هذه المؤسسات المجمعية في مختلف المجالات برهان ساطع على ذلك”.

الردود والآراء

في المقابل، قال الأكاديمي السعودي تركي الحمد إن “المسلمين ليسوا بحاجة إلى مذاهب فقهية جديدة، بل لنقد التراث المتراكم عبر العصور بطريقة منهجية”، موضحا عبر منصة “تويتر”، أن “هذا التراث أصبح عبئا على المسلمين في كثير من الجوانب، وأننا اليوم لسنا بحاجة إلى زيادة الحمولة التراثية للدين”.

دعوة المغامسي أثارت جدلا وردود أفعال متباينة، ففي تلك الآراء والردود كان ثمة من مرحّب ومشكّك في الوقت ذاته. هذا ولم يغفل المغردون على منصة “تويتر” عن الحديث عن الدور الذي تلعبه الحكومات والتيارات الدينية في تشكيل الموقف الشعبي من الموروث الفقهي، وفق ما نقلته “بي بي سي”.

كذلك، هناك بعض المعلقين يرون أن المغامسي بالغ كثيرا في دعوته إلى إنشاء مذهب آخر، حتى إن البعض اعتبر ذلك “تحريفا لأصول الفقه وخروجا عن السُّنة”. بعض المتابعين اعتبروا أن تصريحاته تأتي في إطار استراتيجية لإعادة التموقع والتقرب من السلطة.

غير أنه في الضفة المقابلة، لاقت دعوته استحسان بعض السعوديين ممن دافعوا عن حق الشيخ في التعبير عن رأيه ودعوا إلى أهمية “نقض الفقهيات التي لا يوجد عليها دليل”. فيما تساءل آخرون عن سبب وجود أكثر من رأي في غالبية المسائل الفقهية. كما أشاد بعض المعلّقين بـ “المراجعات التي طرأت على مواقف المغامسي وآرائه قائلين إن “بلادهم بحاجة إلى إنهاء فكرة الصحوة المتشددة وإعمال العقل”.

فئة من الناس بحسب وجهة نظرهم يرون أن غالبية الفقهاء يصدرون أحكامهم وفقا لتأويلات قابلة للتبديل والحذف لا على حقائق ثابتة. في ذات الوقت يجادل البعض بأن مراجعة ما يقوله بعض الفقهاء يُعد أمرا صحيا لا يهدف لتقويض أصول الدين بقدر ما هو رفض لمحاولة فرض رأي بعينه مقابل تجاهل بقية الآراء الفقهية.

تصريحات مثيرة سابقة

نحو ذلك، ربما لو لم يُعرض هذا التصريح على قناة سعودية مشهورة أو لو ورد على لسان رجل دين غير معروف، لكان قد مرّ التصريح بدون إحداث هذا الكم من الجدل الذي أحدثه دعوة المغامسي.

إذ اعتبر البعض أن التصريح له علاقة بمكانة صاحبه والضجة التي رافقت إعفاءه من منصبه في آذار/مارس من عام 2020. فالشيخ واحد من كبار رجال الدين المعروفين في السعودية وقد تقلد سابقا العديد من المناصب الهامة في الدولة. كما شغل لسنوات عديدة وظيفة إمام وخطيب مسجد “قباء” بالمدينة المنورة، وهو أول مسجد بُني في الإسلام. إلا أن السلطات السعودية أقالته من إمامة المسجد عام 2020 بسبب تغريدة له اعتذر عنها لاحقا ووصفها بغير الموفقة.

المغامسي آنذاك طالب بالإفراج عن المخطئين من السجناء، وهو ما اعتبره البعض كلاما موجها للسلطات لتذكيرها بالشيوخ المساجين. وشهدت السعودية خلال الأعوام الماضية حملة اعتقالات شملت شخصيات أكاديمية ودينية حقوقية بارزة.

كما كان له تصريحات سابقة متعلقة بتغطية وجه المرأة، ففي عام 2017 وخلال حديث ألقاه في إحدى المساجد، إنه لا يجب على المرأة أن تغطي وجهها، فالأمر خلافي بين الفقهاء، مضيفا “هناك من يقول إن وجه المرأة يجب أن يُغطّى، بينما علماء آخرون يقولون إن لديهم أدلة تخبرهم أنهم لا يستطيعون إلزام المرأة بتغطية وجهها لعدم وجود أدلة كافية من قبل هذا الفريق”. وتابع “لذا لا يجوز أن تأتي أنت، ولأنك لا ترى هذا الرأي، فتلزم هذا القائل أنه أراد أن تقع الفحشاء وأن ينتشر البغاء في الأمة، ثم تلزم هذا الرجل بما لم يلزمه الله به”.

الشيخ المغامسي يعتبر من الدعاة أصحاب المناهج المعتدلة والوسطية المتسامحة. أما الفقه في اللغة هو الفطنة والعلم بالأمور وفهمها بشكل دقيق. اصطلاحا، توجد تعريفات مختلفة للفقه.

الفقه في الدين الإسلامي هو العلم بالأحكام الشرعية .والفقيه هو الذي يسند كل حكم من أحكام الشرع إلى دليله.

بشكل عام، منهجية البحث في المسائل الفقهية لدى أتباع المدارس مختلفة ومتنوعة، والدعوة إلى مراجعة الفقه ليست بجديدة. وقد دعا العديد من الكتّاب والمشايخ في السابق إلى تطويرها بما يتماشى مع تطورات العصر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات