بعد أن نجحت وساطة الأمم المتحدة في تمديد “اتفاق الحبوب”، الذي  يسمح لأوكرانيا بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب عبر البحر الأسود، رغم استمرار الصراع مع روسيا، يبدو أن الأخيرة ستسعى لاستخدام الاتفاق كورقة ضغط ضد أوكرانيا والاتحاد الأوروبي للحصول على عدة مكاسب مقابل تمديد الاتفاق بعد انتهاء المهلة المحددة.

الجانب الروسي هدد بعدم تجديد تمديد “اتفاقية الحبوب” لفترة إضافية بعد انتهاء المهلة المحددة في آخر تمديد، في 17 تموز/يوليو القادم، وذلك في حال لم يتم رفع الحظر عن تصدير المنتجات الزراعية الروسية، وتنفيذ الجزء المتعلق بروسيا من الصفقة.

وزارة الخارجية الروسية، قالت في بيان الخميس، إنه “إذا لم يتم ربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت ولم يُحرَز تقدم في التعامل مع المشاكل المنهجية الأخرى التي تعيق صادراتنا الزراعية، فإن مبادرة البحر الأسود ستضطر أيضا إلى البحث عن بدائل”. 

تهديدات مكررة

التهديدات الروسية ليست الأولى من نوعها، فقد أطلقت موسكو منذ بداية العام الجاري العديد من التهديدات المماثلة، ثم وافقت قبل أيام على تمديد الاتفاق لمدة 60 يوما، وهو الاتفاق الذي أُبرم في تموز/يوليو الماضي، بين موسكو وكييف بوساطة الأمم المتحدة وتركيا في محاولة لتخفيف أزمة السلع العالمية التي تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022.

بناء على ذلك، شهدت إسطنبول، في الثاني والعشرون من تموز/يوليو الماضي، توقيع وثيقة “مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية” بين تركيا وروسيا وأوكرانيا و”الأمم المتحدة”، وتضمنت الاتفاقية تأمين صادرات الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود شرق أوروبا، لمعالجة نقص الغذاء العالمي الذي ينذر بكارثة إنسانية.

بينما تمنع روسيا وصول إمدادات الحبوب الأوكرانية “لإطعام الجائعين”، كما قال روبرت وود نائب السفير الأميركي لدى “الأمم المتحدة”، فإن روسيا تصدّر بنجاح محصولها الضخم من الحبوب، وهو ما يتطلب أن تتوقف موسكو عن جعل الأمن الغذائي العالمي “رهينة لألاعيب السلطة الساخرة والتّربح”.

بحسب محللون ومتابعون للشأن الروسي، فإن تعطيل موسكو لهذا الاتفاق، معناه أن روسيا تؤثر على الاقتصاد وتزيد من تصعيد الأزمة الغذائية العالمية، وتضغط على جميع الأطراف، سواء أوكرانيا أو واشنطن، بل وجميع الأطراف المتضررة من عدم تصدير الحبوب والمواد الغذائية من قِبل كييف.

لكن وعلى الرغم من أن الصادرات الروسية لا تخضع للعقوبات الغربية التي فُرضت بعد الغزو الروسي على أوكرانيا، إلا أن موسكو تقول إن القيود المفروضة على المدفوعات والخدمات اللوجيستية والتأمين، شكّلت عائقا أمام الشحنات، وهو ما يدفعها للانسحاب من الاتفاق، بيد أنها ليست المرة الأولى التي تهدد فيها موسكو بالانسحاب من الاتفاق، وتعليقه.

أزمة غذاء بسبب روسيا؟

بينما يأن العالم تحت وطأة أزمة غذائية قاسية جراء تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وما تسبب به من تعطيل سلاسل توريد الغذاء الأساسية، يبدو أن موسكو لا تزال مصرّة على استخدام ملف الأمن الغذائي كورقة ضغط ضد خصومها، في محاولة تبدو “يائسة” لإحراجهم أمام الحاجة العالمية للغذاء الذي باتت أسعاره مرتفعة جدا، فهي لا تزال تماطل في موقفها من تمديد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود الذي ينتهي سريانه في الـ 18 من الشهر الجاري.

قد يهمك: الربط الكهربائي البحري بين مصر واليونان.. ما الانعكاسات على أزمة الطاقة؟

لكن وعلى الرغم من أن الصادرات الروسية لا تخضع للعقوبات الغربية التي فُرضت بعد الغزو الروسي على أوكرانيا، إلا أن موسكو تقول إن القيود المفروضة على المدفوعات والخدمات اللوجيستية والتأمين، شكّلت عائقا أمام الشحنات، وهو ما يدفعها للانسحاب من الاتفاق، بيد أنها ليست المرة الأولى التي تهدد فيها موسكو بالانسحاب من الاتفاق، وتعليقه.

هذا وتوصف أوكرانيا بـ”سلة الغذائية”، فهي قادرة على توفير وضمان الأمن الغذائي لدول أوروبا وغيرها من دول العالم، كما تتميز أراضيها بتربتها السوداء شديدة الخصوبة، إذ تشغل 71.3 بالمئة تقريبا من أصل مساحة أوكرانيا الكلية البالغة نحو 604 آلاف كيلومتر مربع، وتشكل الغابات نحو 15 بالمئة من مساحة البلاد.

الزراعة في أوكرانيا تحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة لاقتصاد أوكرانيا، وتعد الحبوب بأنواعها من القمح، الشعير، الذرة، وبنجر السكر، من أهم منتجاتها، إذ تحتل أوكرانيا المركز السادس عالميا بين أبرز الدول المصدرة للقمح والذرة، ومصانعها تنتج جميع المواد الغذائية المصنعة من الحبوب.

إذ تمثل منتجات القطاع الزراعي 45 بالمئة من إجمالي الصادرات الأوكرانية، ويعبّر هذا الرقم عن إسهامات القطاع في جلب النقد الأجنبي للبلاد، فقد أدخل في 2020 على سبيل المثال، 22.4 مليار دولار للاقتصاد الأوكراني، في حين كان عام 2020 الأفضل في تاريخ صادرات أوكرانيا من زيت زهرة الشمس التي بلغت 6.9 ملايين طن، والدواجن 431 ألف طن، والعسل 81 ألف طن، والفواكه 55 ألف طن، والمعكرونة 30 ألف طن.

علاوة على الصادرات الصناعية والحيوانية والباطنية، فإن صادرات الحبوب تحديدا في أوكرانيا تعد الأكبر والأبرز، حيث تبلغ وسطيا نحو 50 مليون طن سنويا، قبل أن تتراجع بفعل الغزو الروسي، للعام الزراعي المستمر حتى حزيران/يونيو، بنسبة 28.7 بالمئة، أي إلى 29.2 مليون طن؛ بسبب قلة المحصول والصعوبات اللوجستية الناجمة عن الغزو الروسي.

الصادرات شملت نحو 10.4 مليون طن من القمح، و16.7 مليون طن من الذرة، ونحو 1.9 مليون طن من الشعير، في حين كانت صادرات الموسم الماضي في الفترة نفسها 40.9 مليون طن، وذلك في الوقت الذي قالت فيه وزارة الزراعة الأوكرانية، إن صادرات الحبوب في شباط/فبراير الماضي، بلغت 2.2 مليون طن حتى 13 شباط/فبراير هبوطا من 2.4 مليون طن في الفترة نفسها من العام الماضي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة