بشكل تدريجي، يبدو أن المغرب تعمل على عزل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم “البوليساريو”، شيئا فشيء، وتجريدها التأييد الدولي، من خلال توطيد علاقاتها بالنظام العالمي. فمن أوروبا والولايات المتحدة الأميركية إلى إفريقيا، تواصل الرباط تأكيد سيادتها على الصحراء الغربية، التي تسعى “البوليساريو” المدعومة جزائريا لتحريرها مما تصفه استعمارا مغربيا.

فبعد أن تمكنت من كسب مواقف دولية مهمة مثل الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية والإفريقية، يبدو أن الرباط قد انتقلت في مسار فرض سيادتها على الصحراء الغربية إلى الدول التي كانت تعبّر عن دعمها لـ “البوليساريو”، حيث أخذ الدعم النيجيري لـ “البوليساريو” بالتراجع، وذلك مقابل التنامي الطردي لعلاقات النيجرية المغربية.

إذ شهدت العلاقات بين نيجيريا و”البوليساريو” برودا واضحا، بعد أن اعترفت العاصمة النيجيرية أبوجا بالجبهة منذ سنوات، وتجلى ذلك أكثر في عهد الرئيس النيجيري السابق محمدو بخاري، حيث تفادت نيجيريا تقديم أي دعم لوجستي أو سياسي أو مادي للجبهة، في المقابل تتطور الشراكة الاقتصادية مع المغرب على العديد من الأصعدة والمجالات.

التجربة المغربية تلهم رؤساء نيجيريا

في عهد محمد بخاري، أصبح المغرب شريكا اقتصاديا مهما لأبوجا في إفريقيا؛ وهو على ما يبدو أن الرئيس الجديد أسيواجو بولا أحمد تينوبور سيستمر بذلك النهج، الذي ينتمي إلى نفس حزب بخاري، نهج سلفه وتعميق الشراكة مع المغرب والاستفادة من التجربة الأمنية والاقتصادية للمملكة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها القارة الإفريقية والتحدي الأمني المرتبط بنشاط الجماعات الإرهابية على الأراضي النيجيرية.

حيث أظهرت نيجيريا موقفا يؤشر تراجع مكانة “البوليساريو” لديها؛ فمع تنصيب الرئيس الجديد للبلاد يوم الاثنين الماضي، عكست طبيعة استقبال زعيم “البوليساريو” خلال حضوره حفل التنصيب، إبراهيم غالي، توجها رسميا لقطع العلاقات مع الجبهة مقابل تطوير علاقاتها مع المغرب.

فلم يحظَ غالي باستقبال رسمي في المطار أو أثناء وبعد مراسيم تنصيب الرئيس النيجيري، حيث لم يجد في مطار أبوجا أحدا من كبار المسؤولين النيجيريين الذين يفترض بروتوكوليا أنهم يستقبلون رؤساء الدول، كما ظهر غالي في بعض الصور مبعدا عن رؤساء الدول ويتابع مراسم تنصيب الرئيس الجديد من خلف الزجاج، ولم يحظَ بأي استقبال خلال هذه الزيارة، ولم تلتقط له أي صورة رسمية مع مسؤولين نيجيريين.

ذلك يأتي، بينما عبّر الرئيس الجديد أحمد تينوبو في خطاب ألقاه ضمن حملته الانتخابية خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، عن إعجابه بالمغرب، وعن أمله في بناء دولة في نيجيريا تشبه الأمة المغربية، حيث قدّم مجموعة من الوعود وقال إنه سيعمل على تحقيقها، من أجل وضع البلاد في المسار الصحيح.

في مقابل ذلك، تنامت العلاقات بين المغرب ونيجيريا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة على المستويين السياسي والاقتصادي، وذلك أثناء ما تراجع دعم أبوجا لجبهة “بوليساريو” في المنظمات الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن تجاهل زعيم الـ “بوليساريو” خلال حفل التنصيب، يشير إلى أن العلاقات تتجه نحو القطيعة.

تحول ما بعد زيارة ملك المغرب محمد السادس لنيجيريا

كل هذا التحول في الموقف النيجيري، جاء بعد زيارة الملك محمد السادس إلى نيجيريا في كانون الأول/ديسمبر 2016، حيث فتحت هذه الزيارة صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، كما استطاع المغرب إقناع نيجيريا بالالتزام بالحياد الإيجابي في ملف الصحراء.

تنصيب رئيس نيجيريا الجديد يكشف عن عزلة الـ “بوليساريو”/ إنترنت + وكالات

 تعليقا على ذلك، يقول الباحث في الشأن المغربي، عبد المنعم الكزان، إن في الحديث عن هذا الأمر، يجب أولا تسجيل نقطة مهمة، وهي إن العلاقات المغربية النيجيرية عرفت تطورا كبيرا وهذا ما يعكسه الحضور الوازن للمغرب، ممثلا برئيس الحكومة في مراسيم تنصيب الرئيس الجديد للجمهورية الفيدرالية لنيجيريا.

الكزان وفي حديث لموقع “الحل نت”، أوضح أن، هذا التطور بين المغرب ونيجيريا، يأتي بعد أن كانت الأخيرة من بين الدول التي تقدم دعما كبيرا لـ “البوليساريو” الانفصالية، مشيرا إلى أن ذلك نتيجة لتدشين العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس النيجيري السابق محمد بخاري، شراكة علاقات جديدة تخضع للمنطق البراغماتي، قائمة على مبدأ “رابح-رابح”، وذلك من خلال استراتيجية جديدة للدولة المغربية قوامها اختراق الدول الأنجلوسكسونية.

الباحث في مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، بيّن أن العلاقات المغربية النيجيرية تمتد لقرون، حيث ترجع لحقبة ممالك بورنو وسوكوتو، فضلا عن الجانب الروحي بين الجانبين والمتمثل في زاوية التيجانية، لافتا إلى أن ذلك صبّ في مصلحة علاقة البلدين، ما انعكس على ملف “البوليساريو”.

فيما لفت إلى وجود مشتركات كثيرة ما بين المغرب ونيجيريا، ساعدت في تعزيز علاقات الجانبين، على حساب قضية “البوليساريو”، مبيّنا أن من بين الملفات، وحدة موقفهما من التوترات والنزاعات المسلحة التي تشهده القارة الإفريقية جنوب الصحراء، بالإضافة إلى ملف الإرهاب، مشيرا إلى أن الدول باتت تعي جيدا أن الجماعات الانفصالية أصبحت تساهم في انعدام الاستقرار، وهو ما بات يدفعها للميل مع وحدة الدول. 

الكزان أشار إلى أن المغرب الذي يشكّل بوابة لإفريقيا على أوروبا؛ لا يمكنه أن يكون منافسا لنيجيريا بل مكملا لها، كما أنه طرفٌ موثوق على مستوى الاتفاقيات والمعاهدات، وهذا ما يحفّز نيجيريا للاصطفاف إلى جانبه.

لماذا الصراع؟

الخلاف بين “البوليساريو” والرباط، يتمحور حول قضية الصحراء الغربية، وهي منطقة شاسعة تقع شمال غربي إفريقيا ومساحتها حوالي 266 ألف كيلومتر مربع، ويدير المغرب نحو 80 بالمئة منها والباقي تديره جبهة “البوليساريو”.

عناصر من قوات “البوليساريو”/إنترنت + وكالات

هناك في الصحراء الغربية التي يشتعل الصراع حولها ما بين “البوليساريو” والمغرب، والجزائر من جانب آخر، يوجد بحسب التقديرات، حوالي نصف مليون، يتوزعون على المدن الرئيسية في المنطقة، التي خضعت للاستعمار الإسباني في الفترة الممتدة من 1884 إلى 1976، قبل أن يشتعل الصراع عليها من قبل المغرب و”البوليساريو”.

“البوليساريو”، هو اسم تمّ انتقاء حروفه الأولى لعبارة اسبانية تعني “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، وتأسست الجبهة في 20 أيار/مايو 1973 بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية، الأمر الذي فتح الباب على النشاط العسكري لـ “البوليساريو” التي تلقت الدعم من قبل الجزائر وليبيا، أثناء الإستعمار الإسباني للمنطقة.

جبهة “البوليساريو”، تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية عن المغرب الذي سيطر على المنطقة الصحراوية الشاسعة منذ انسحاب إسبانيا عام 1975، ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيه، في حين تقول الرباط إن أقصى ما يمكن أن تقدمه كحل سياسي للنزاع، هو الحكم الذاتي.

لكن في مقابل ذلك، ترفض جبهة “البوليساريو”، وحليفتها الجزائر، ذلك، وتقولان إنهما تريدان إجراء استفتاء على أن يكون استقلال الصحراء الغربية أحد الخيارات، بيد أنه حتى الآن، قد فتحت نحو 16 دولة إفريقية إلى جانب الإمارات، قنصليات في الصحراء الغربية، فيما كشفت الأردن والبحرين وهايتي النقاب عن خططها لفتح قنصليات قريبا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات