على مدار الشهرين الماضيين ومنذ اندلاع المواجهات العسكرية في السودان بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” المعروفة بدعمها الذي تتلقاه من روسيا بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”، منذ ذلك الوقت فشلت العديد من الهُدن التي تم الإعلان عنها في تهدئة التوترات العسكرية في البلاد.

المملكة العربية السعودية توسطت في عديد المناسبات بين الأطراف المتصارعة للتوصل إلى هدنة تفضي إلى وقف القتال، وقد أعلنت قبل نحو ثلاثة أسابيع بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية التوصل إلى هدنة في السودان، إلا أن تلك الهدنة تعرّضت للعديد من الخروقات ولم يُكتب لها النجاح.

لكن الرياض لا يبدو أنها استسلمت للأوضاع المتوترة التي تعيشها البلاد، فهي تواصل جهودها الدبلوماسية لحل النزاع بطرق سلمية، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول قدرة السعودية على فرض تهدئة على طرفي النزاع، وماذا يمكن أن تقدم بهذا الشأن.

جهود السعودية

السعودية أعلنت الثلاثاء أنها تتطلع إلى مشاركة واسعة، من الدول المانحة في مؤتمر “إعلان التعهدات لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان والمنطقة”، الذي سيُعقد في التاسع عشر من شهر حزيران/يونيو الجاري، للمساهمة في تخفيف آثار الأزمة، حيث أكدت استمرار جهودها في تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع بهدف إنهاء الأزمة عبر الحوار السياسي.

بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، فإن المملكة ستواصل جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوداني، كذلك ستعمل على فرض هدنة قريبة في البلاد، تمهيدا للحوار السياسي لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية بما يضمن عدم استمرار المواجهات العسكرية التي أدت إلى أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة.

لا يبدو أن فرض هدنة في السودان من شأنه أن ينجح بوساطة دولة واحدة، أو حتى بجولة واحدة من المفاوضات، خاصة مع إصرار القوات المسلحة السودانية، إنهاء وجود “قوات الدعم السريع”، التي انتشرت في العديد من المناطق السودانية، بما فيها العاصمة السودانية الخرطوم.

الخبير في الشؤون الإفريقية رامي زهدي، رأى أن السعودية وضعت خطة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية للتدخل في السودان ووقف النزاعات العسكرية بشكل سلمي وهي تملك العديد من الأدوات لتفعيلها في هذا الإطار، مشيرا إلى أن إنهاء الصراع في السودان يحتاج إلى جولات عديدة من التفاوض إضافة إلى مشاركة حقيقية من دول الجوار.

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “السعودية بالتأكيد بدأت مسارا من محاولة وضع إطار للتفاوض بين القوى المتصارعة في السودان، وهي تحاول بدعم ومبادرة مشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، الرياض حاولت فرض إطار، من شأنه إحلال سلام ووقف القتال والعدائية ما بين القوات المتصارعة. كذلك إيجاد مسار آمن لتعايش الأفراد المدنيين في السودان أملا ما بعد ذلك في محاولات التفاوض سياسيا لإنهاء المشكلة”.

ما هي أدوات الرياض؟

المملكة العربية السعودية، لديها العديد من الأدوات لتفعيلها بهدف فرض اتفاق يفضي إلى وقف القتال، ففضلا عن المساعدات المالية والعينية التي تقدمها للسودان، ستستفيد من علاقاتها في المنطقة، من أجل تدخل حقيقي من قبل دول الجوار، وسيساعد ذلك كثير على إنجاح أي مبادرة من شأنها إنهاء التوتر، وبدء حوار سياسي ينهي الأزمة من أساسها.

برأي زهدي فإن هذه المرحلة تحتاج أن “تدرس السعودية جيدا كل الأمور التي أوصلت الأزمة إلى هذا المدى، وتدرك جيدا العوامل المختلفة والمؤثرة في المشهد السوداني، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار تأثير المجتمع المدني السوداني وآراء الدول الجوار، حتى تستطيع أن تنسق الأمور وتتجاوز مرحلة العقبات التي توقف الوصول إلى اتفاق”.

الحاجة لكل هذه التفاصيل، جاءت من المشهد الميداني الذي يذهب للتعقيد شيئا فشيئا، حيث أن القوات المسلحة السودانية لن تتوقف إلا بعد أن تقضي على الطرف الآخر، خاصة وأنها تعتبر منذ البداية “قوات الدعم السريع”، ميليشيات غير شرعية، وتؤكد أنها لن تفاوضهم، بالمقابل فإن الطرف الآخر يرى أن إطالة أمد الصراع يصب في صالحه ويراه انتصارا لأفكاره لذلك يعمل على إطالته أكثر.

زهدي رأى كذلك أن السودان تحتاج إلى طرف ثالث لا يكون عسكري، وقال “تحتاج السودان إلى دخول طرف آخر في دائرة الصراع بدلا من أنها منفصلة لقوتين عسكريتين، بحيث يدخل مجتمع مدني قوي مؤثر يعبر عن قبائل وعشائر الدولة، ويكون له ثقل سياسي ويستطيع فرض الأمور السياسية لصالح الإرادة الشعبية السودانية”.

أما عن فرص نجاح السعودية في تهدئة الوضع في السودان، أضاف زهدي، “لا يمكن الجزم بفشل السعودية، لكنها لم تنجح نجاحا حاسما وسريعا، الأمر يحتاج لجولات عديدة لذلك قبل أن نصل إلى مرحلة السعودية فشلت، سيأخذ الأمر مدة طويلة وهذه المدة ليست في صالح السودان، أفترض أن على السعودية أن توسع من دائرة الدول المؤثرة في الملف السوداني، خاصة دول الجوار”.

حتى الآن لا توجد مؤشرات توحي بقدرة الجيش السوداني على حسم الصراع لصالحه، وذلك رغم تفوقه من الناحية العسكرية كونه يمتلك الأسلحة الثقيلة، إضافة إلى الشرعية من كونه الممثل الرسمي للقوات المسلحة في السودان، لكنه سيحتاج ربما لوقت طويل من أجل حسم الصراع، فيما سيكون إطالة أمد الصراع من صالح “قوات الدعم السريع” التي تقاتل كميليشيات منتشرة في بعض مناطق البلاد.

لكن على الجانب الآخر، فإنه على الرغم من امتلاك الجيش لمقومات حسم الصراع، لكنه بالتأكيد لن يتمكن من فعل ذلك بوقت قريب، وربما تكون الفاتورة ثقيلة على السودان، إذ تتجه الأوضاع في البلاد، إلى وضع إنساني بالغ الصعوبة.

منذ اندلاع الصراع قبل نحو شهرين، تم التوصل لأكثر من هدنة، لكن يبدو أن التهدئة لا يمكن أن تكون حلا للصراع الدائر في البلاد، في وقت يرى كل جانب أنه قادر على إنهاء الطرف الآخر، خاصة في ظل تعرض جميع اتفاقيات التهدئة للخرق.

السودان شهدت على مدى الشهر الماضي قتالا عنيفا بين الجيش و”قوات الدعم السريع” في صراع على السلطة، بعد 18 شهرا من انقلاب عسكري أدى إلى ضرب مساعي وآمال الانتقال إلى الحكم المدني، في وقت شهدت فيه العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، فرارا لآلاف المدنيين إلى مناطق أكثر أمنا.

لكن المؤشرات في السودان، لا توحي حتى اللحظة بإمكانية قبول “قوات الدعم السريع” حلّ نفسها، أو الانخراط في الجيش السوداني، خاصة وأنها تحاول مؤخرا هزيمة قوات الجيش والسيطرة على العاصمة السودانية، بدعم مباشر من روسيا.

دور الدعم الخارجي

الدعم الخارجي الذي تقدمه بعض الدول الخارجية كروسيا الداعمة لـ “قوات الدعم السريع”، يعتبر من أبرز عوامل ترجيح إطالة أمد الصراع في السودان، إضافة إلى عدم إبداء أي طرف استعداده للتهدئة، فحتى الهُدن التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الماضية بوساطات خارجية، لم يلتزم بها أحد على الأرض.

جميع المؤشرات منذ البداية توحي بأن هذا الصراع سيمتد ولن يُحسم في وقت قريب، فموازين القوى الظاهرية وإن كانت تميل لصالح الجيش السوداني إلا أن الجيش لم يتمكن من حسم هذه المعارك ضد “قوات الدعم السريع”، لذلك يؤكد محللون أن قبول الأخير بالانخراط بالجيش مرهون بالجهات الخارجية الداعمة لها.

قد يهمك: رئيس موريتانيا في مصر.. ما الدلالات؟

عديد من المخاوف بدأت تظهر بدخول السودان في نفق إطالة أمد الصراع العسكري فيها، خاصة مع عدم قدرة أحد الجانبين على حسم النزاع بشكل عسكري، إضافة لعدم قبول أحد منهما تسوية تفضي إلى وقف القتال، فضلا عن عدم الالتزام بأي هدنة تم الإعلان عنها سابقا، فهل تدخل السودان مرحلة إطالة أمد الصراع.

استمرار العنف في السودان من شأنه أن يقضي على العملية السياسية إلى الأبد، وهي عملية كان من المفترض أن تُرسي أسس الديمقراطية في البلاد بعد الإطاحة بعمر البشير وقاعدته السياسية في 2019، بعدما أمضى ثلاثة عقود في السلطة.

المواجهات في السودان، بدأت منتصف شهر نيسان/أبريل الماضي، فبعد أيام من التأجيل الثاني لتوقيع اتفاق نهائي بشأن العودة إلى الحكم المدني، بسبب خلاف على دمج “قوات الدعم السريع” في الجيش النظامي، هزت انفجارات في 15 نيسان/أبريل العاصمة الخرطوم. وتبادل كل من “قوات الدعم السريع” والجيش، الاتهامات بالمسؤولية عن بدء الهجوم أولا.

المواجهات الدائرة حاليا في البلاد هي نتيجة مباشرة للصراع على السلطة بين أفراد القيادة العسكرية، حيث يختلف قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قائد “قوات الدعم السريع”، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، وذلك بعد أن تعاونا على الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

واحدة من أهم النقاط الأساسية العالقة بين البرهان ونائبه “حميدتي”؛ هي الخلاف حول خطة ضم “قوات الدعم السريع” التي تشير التقديرات إلى أن عدد عناصرها يبلغ 100 ألف عنصر، إلى الجيش وحول من سيقود القوة الجديدة بعد ذلك.

بالرغم من الدور السعودي الهام لتهدئة الأوضاع في السودان، ووجود الرغبة لدى الرياض في تحقيق ذلك، إلا أن الوضع المعقّد في السودان يحتاج ربما إلى إرادة دولية وإقليمية، من أجل التدخل وفرض التهدئة على جميع الأطراف المتصارعة بما يحقق الأمن والاستقرار للسودانيين خلال المرحلة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة