في ظل تصاعد أزمة تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، عقدت لجنة مشتركة أردنية-سورية أمس الأحد في عمّان أول اجتماع لها للبحث في مكافحة هذه الأزمة. وبحثت اللجنة “التعاون في مواجهة خطر المخدرات ومصادر إنتاجه وتهريبه، والجهات التي تنظّم وتدير وتنفّذ عمليات تهريبها عبر الحدود إلى الأردن”.

على إثر الاجتماع، سيّرت القوات الروسية في جنوب البلاد دورية تحت عنوان مراقبة على الحدود السورية الأردنية، بعد تصاعد عمليات تهريب المخدرات من المنطقة باتجاه الأراضي الأردنية، ما يدلل على بروز خطة لمكافحة تهريب المخدرات السورية، تحمل في طياتها دور محتمل ستلعبه روسيا في هذا السياق الحساس. 

هذه الخطة الجديدة في مضمونها تسعى إلى تحديد مصادر إنتاج وتهريب المخدرات ومحاصرة الجهات التي تنظّم وتدير هذه العمليات الخطيرة التي تشكّل تهديدا حقيقيا على أمن واستقرار الأردن والشرق الأوسط. لكن بات التحدي مستعصيا حيث تعمل الجماعات الإيرانية على توسيع نفوذها ونشر آفة المخدرات بجميع أنحاء العالم، وأمام أعين القوات الروسية.

في هذا السياق، تبرز عدة تساؤلات، حول تصدير دمشق للقوات الروسية كعنصر دولي لمكافحة المخدرات، وعن مدى قدرة روسيا على الالتزام بتعهداتها الدولية في مكافحة التهريب ومواجهة التحديات الأمنية الإقليمية. وهل ستساعد روسيا في تحقيق النجاح لخطة الأردن، أم أنها ستتورط في صراع متصاعد بين إيران والدول العربية.

بحث “حرب المخدرات”

بعد أشهر على اجتماع عّمان التشاوري الذي حضرته دمشق، قالت وزارة الخارجية الأردنية، إن محادثات أُجريت برئاسة رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف الحنيطي، ومدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني من الجانب الأردني، ووزير الدفاع علي محمود عباس ومدير المخابرات العامة اللواء حسام لوقا من الجانب السوري.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال اجتماع لمناقشة الصراع السوري - إنترنت
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال اجتماع لمناقشة الصراع السوري – إنترنت

الاجتماع يأتي بعدما تلقت دول الجوار السوري تعهدا من دمشق، في اجتماع استضافته عمّان في مايو/أيار الماضي، بالتعاون من أجل كبح جماح تجارة المخدرات السورية المزدهرة مقابل مساعدة دمشق للخروج من عزلتها. وأيضا بعد حديث مصادر في الاستخبارات الأردنية والغربية أن عمّان التي نفد صبرها على ما تقول إنها وعود لم يتم الوفاء بها للحد من حرب المخدرات، قد تولت زمام الأمور ونفذت في مايو/أيار الماضي ضربة نادرة داخل الأراضي السورية حيث هُدم مصنع مخدرات مرتبط بإيران.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في زيارة لدمشق خلال الشهر الجاري، ذكر أن بلاده لن تتردد في اتخاذ إجراءات لمواجهة أي تهديد لأمنها القومي، وحث سوريا على التصرف بقوة أكبر. حيث تنفي الحكومة السورية ضلوعها في صنع وتهريب المخدرات أو التواطؤ مع ميليشيات تدعمها إيران ولها صلات بالجيش وقوات الأمن. كما تكرر إيران مقولة إن هذه المزاعم تأتي في إطار مخططات الغرب ضدها.

عقب الاجتماع أجرت الشرطة العسكرية الروسية التي تلعب دورا مهما في سوريا منذ عام 2015، دورية على طول الحدود السورية- الأردنية عند محافظة السويداء جنوب سوريا، انطلاقا من قرية ذيبين جنوب غرب السويداء، وصولا إلى ملح جنوب شرق المحافظة.

ما يزيد التكهنات في هذا الإجراء هو الدور الذي تلعبه روسيا في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية. فبعد عقد اجتماع اللجنة المشتركة، انضمت الشرطة العسكرية الروسية إلى المشهد بتنفيذ دوريات على طول الحدود بين سوريا والأردن، في مشهد يوحي أن روسيا هي الحل السحري الذي ينهي آفة المخدرات.

تقسيم أدوار روسية – إيرانية

ما يزيد من التعقيد في هذا المحور، هو الصراع المتزايد بين إيران وروسيا في الشرق الأوسط. إذ تتعرض إيران لضغوط دولية متزايدة بسبب اتهاماتها بتمويل ودعم الجماعات الإرهابية في المنطقة، بينما تواجه روسيا انتقادات بشأن عدم السيطرة على الوضع في جنوب سوريا التي خلقته منذ عام 2018، والسماح بانتشار التمدد الإيراني الكبير.

دوريات روسية «استعراضية» لمكافحة عمليات تهريب المخدرات في السويداء - إنترنت
دوريات روسية «استعراضية» لمكافحة عمليات تهريب المخدرات في السويداء – إنترنت

في الأسابيع القليلة الماضية، أسقط الجيش الأردني طائرتين مسيرّتين إيرانيتين قادمتين من سوريا، وأفاد الجيش أنها تحمل أسلحة، وهو تطور مقلق لعمان التي اتهمت دمشق في الماضي بإرسال مسلحين لشنّ هجمات. كما ذكر أن محاولات تهريب المخدرات من الحدود السورية لا تزال مستمرة ومتكررة، حيث استطاعت بلاده مصادرة أكثر من 65 مليون حبة “كبتاغون” خلال العامين الماضيين.

المحلل العسكري، عبد الله حلاوة، أوضح لـ”الحل نت”، أن عمق الأحداث ودخول روسيا في الخطة الأردنية ودورها المحتمل في مكافحة تهريب المخدرات السورية، هو بين الوعود الرنانة والتحديات الدولية المتنامية. إذ إن دخول موسكو على خط المال الرسمي للميليشيات الإيرانية يشي بأن هناك مزيد من الصراعات والمفاجآت.

 أهمية عقد الاجتماع الأول للجنة المشتركة الأردنية-السورية طبقا لحديث حلاوة، لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود تكمن في تعزيز التعاون بين البلدين للتصدي لتحديات الأمن الإقليمي والحد من تداعيات انتشار المخدرات. تسعى اللجنة إلى تحديد مصادر إنتاج وتهريب المخدرات والعمل على اقتلاع هذه الظاهرة الخطيرة من جذورها. الهدف هو تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وحماية شبابها من التأثيرات السلبية للمخدرات.

لكن وفق توقعات الخبير العسكري، فإنه من المرحج أن تتواجه إيران وروسيا في سوريا بسبب قضية مكافحة المخدرات، حيث تتنافس هذه الدول في تعزيز نفوذها وتأثيرها في المنطقة. إيران قد تشعر بالضغوط الدولية نظرا لاتهامها بدعم جماعات مسلحة وتمويلها، بينما تواجه روسيا انتقادات بشأن عدم السيطرة على الوضع في جنوب سوريا، مما يُثير مخاوف حول الاستقرار الإقليمي.

دوليا في الوقت الراهن ينظر إلى العلاقة بين روسيا والدولة السورية في مجال مكافحة تهريب المخدرات أنها تتمثل في وجود تعاون بين البلدين في هذا الجانب، وبأن تعمل روسيا بالتعاون مع السلطات السورية على محاولة الحد من تهريب المخدرات عبر الحدود بين سوريا والأردن. ويُنظر إلى روسيا على أنها شريك مهم لسوريا في جهود مكافحة الجماعات المتطرفة والجريمة المنظمة، بما في ذلك تهريب المخدرات.

إلا أن استمرار تدفق المخدرات منذ عام 2018 وحتى مع عودة سوريا إلى “الجامعة العربية” وإنهاء عزلتها، يشير بحسب حلاوة إلى أنه يعكس تقسيم أدوار بين القوات الروسية والميليشيات الإيرانية في استفزاز وابتزاز لدول المنطقة، من أجل رفع نسبة التحذيرات من الانزلاق إلى حرب في المنطقة في حال فرض خروج إحدى هذه الدول أو كلاهما من سوريا.

تخصيب للجريمة المنظمة

منذ العام الماضي، اعتادت القوات الروسيّة على تسيير دوريات مراقبة على الحدود السورية الأردنية، بعد تصاعد عمليات تهريب المخدرات من المنطقة باتجاه الأراضي الأردنية. لكن الدوريات شكلية، ولا تساهم في أي شكل من الأشكال بمكافحة التهريب.

الأردن يلجأ إلى الخيار العسكري ضدّ المخدرات القادمة من سوريا - إنترنت
الأردن يلجأ إلى الخيار العسكري ضدّ المخدرات القادمة من سوريا – إنترنت

دور القوات الروسية في جنوب سوريا منذ العام الماضي، اقتصر على تسيير دوريات المراقبة في المناطق الحدودية بدءا من معبر نصيب جنوب درعا، وصولا إلى مخفر حرس الحدود السوري 107، بالقرب من بلدة خازمة جنوب شرقي السويداء، إضافة إلى توزيع مساعدات إغاثية على السكان في بعض الأحيان.

المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، اعتبر في حديثه لـ”الحل نت”، أن الدوريات الروسية على الحدود السورية – الأردنية خطوة استعراضية مفادها أن هناك قوى دولية موجودة في سوريا ولا حاجة لتدخل عسكري دولي لخفض مستويات تهريب المخدرات. فعندما تتولى الشرطة العسكرية الروسية تنفيذ هذه الدوريات، يمكنها المساهمة في تعزيز الأمان الحدودي والكشف عن بعض أنشطة التهريب.

العلاقة بين روسيا وإيران في مجال مكافحة تهريب المخدرات تعتبر أمرا معقدا ومتعدد الأوجه بحسب ماتوزوف. فعلى الرغم من وجود تعاون بين البلدين في بعض الجوانب الأمنية والاستخباراتية، إلا أن هناك تحديات واضحة في مكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات. فقد تتنافسان في بعض الأحيان على التأثير في المنطقة وتعزيز نفوذهما.

الأزمة السورية أثرت بشكل كبير على مستويات تهريب المخدرات في المنطقة. الفوضى والتوتر الأمني الذي تسببت فيه الأزمة، جعلت من المنطقة بيئة خصبة لتنامي الجماعات المسلحة والجرائم المنظمة، بما في ذلك تهريب المخدرات عبر الحدود. 

التعاون الحالي بين الأردن وسوريا في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود وفق تحليل ماتوزوف يعد خطوة إيجابية على المستوى البعيد نحو تعزيز الأمان الإقليمي. لكن على المستوى القريب، ومكافحة مصادر إنتاج المخدرات والتهريب عبر الحدود إلى الأردن، يجب اتخاذ إجراءات أكثر، خصوصا أن إيران المتهمة بالتهريب وروسيا التي تعد حليفتها لن ينهيان الوضع القائم، إلا بوجود تدخل عسكري فعلي حتى لو على شكل دوريات مراقبة.

طبقا لما يتوقعه ماتوزوف، فإنه يمكن تطوير الخطة المشتركة بين الأردن وسوريا لتكون أكثر فعالية من خلال زيادة التنسيق والتعاون في تبادل المعلومات والخبرات في مكافحة التهريب على الأرض وليس عبر اجتماعات. إذ يجب أن تتم إضافة إجراءات جديدة لتعزيز الرقابة والمراقبة على الحدود والتصدي لأي تحديات جديدة تظهر في المستقبل، خصوصا أنه على مستوى السنوات السابقة لم تعلن الشرطة العسكرية الروسية عن أي عملية قبض أو مصادرة لشحنة مخدرات، وهو ما يضعها أمام سلسلة من الشكوك.

تقارير محلية أحصت أكثر من 25 مصنعا للمخدرات في الجنوب السوري، يصل إنتاجها إلى أكثر من 20 مليون حبة شهريا، وليس من المستبعد زيادة أعداد معامل “الكبتاغون” في المنطقة الجنوبية في كل من درعا والقنيطرة والسويداء، لتخفيف أعباء النقل والشحن، وذلك لقرب هذه المناطق من الحدود مع الأردن والتي باتت تعتبر اليوم النافذة الأولى لتهريب المخدرات إلى دول الخليج.

منذ مطلع العام الحالي، شهدت منطقة الحدود السورية-الأردنية زيادة في عمليات تدفق المخدرات من سوريا إلى الأردن، وهو ما دفع الأردن إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة عصابات التهريب والحدّ من هذه الظاهرة الخطيرة. ومن أجل مواجهة هذا التحدي، قرر الأردن تغيير قواعد الاشتباك على حدوده الشمالية، والتعامل بصرامة مع المهرّبين، مما أدى إلى مقتل أكثر من 40 مهربا، وهو ما يضع علامات استفهام حول جدّية وطبيعة العلاقة بين روسيا والدولة السورية وإيران حول هذا الملف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات