لا خيارا كما يبدو إذاً أمام روسيا؛ فبعد عام ونحو النصف عام من المعارك الطاحنة التي كبّدت قواتها خسائر فادحة ضد أوكرانيا، يعود خيار السلام عبر المفاوضات كحلٍّ ضامن لإنهاء حالة الصراع بين الطرفين، وهذه المرة عبر السعودية التي يفترض احتضانها قمة دولية بمشاركة أوكرانيا إلى جانب ثلاثين دولة أخرى خلال آب/أغسطس القادم، وسط لغط حول مشاركة الصين وروسيا.

بينما تتحدث روسيا عن إمكانية التوصل لحل سلمي للأزمة في أوكرانيا، وأنها ستواصل الحوار مع كل من الصين والبرازيل وشركاء أفارقة بشأن آفاق التوصل لذلك، حسبما أفادت به الخارجية الروسية اليوم الاثنين؛ كان أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد أعلن أمس الأحد، أن بلاده ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة هذا الأسبوع في شأن تقديم ضمانات أمنية لها لحين استكمال عملية الانضمام إلى “حلف شمال الأطلسي” الـ (ناتو).

يرماك الذي لم يذكر موعد الاجتماع المقبل، أكد من خلال تطبيق “تيليغرام”، أن مسؤولين من عدد من الدول يستعدون للاجتماع في السعودية لمناقشة خطة زيلينسكي للسلام في أوكرانيا، مشيرة إلى أن الخطة ستناقش على ثلاث مراحل قبل اجتماع لرؤساء الدول والحكومات.

القمة السعودية أمام غياب روسيا والصين

إلا أن صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، قد نشرت تقريرا عن الاجتماع في السعودية، وقالت فيه إنه سيُعقد في جدة يومي الخامس والسادس من آب/أغسطس القادم، وأن هذه المحادثات ستأتي في شأن الضمانات الأمنية مع الولايات المتحدة في إطار متابعة تعهداتٍ أصدرتها مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى بعد قمة حلف الـ “ناتو” هذا الشهر في ليتوانيا، بتقديم ضمانات أمنية وتنفيذها.

في حين أن تقارير أكدت أن القمة التي ستشارك فيها دولتي الهند والبرازيل أيضا، لم تشهد مشاركة روسيا التي باتت مؤخرا تعرب عن اهتمامها بالعديد من مبادرات السلام، لاسيما المبادرتين الصينية التي طُرحت في شباط/فبراير الماضي، والإفريقية التي طُرحت خلال انعقاد القمة الروسية الإفريقية الأسبوع الماضي في بطرسبورغ.

كما يُتوقع أيضا غياب الصين عن القمة التي تشير تقارير إلى أن السعودية تحاول من خلالها جمع كافة العناصر الأساسية في العديد من صيغ المبادرات، في مبادرة واحدة، تحمل توقيع الدول المشاركة في القمة مجتمعة، مما يضفي عليها وزنا دوليا، ليفتح ذلك باب السؤال حول استبعاد الصين وروسيا من هذه القمة، بخاصة وأنهما فاعلَين أساسيين في الأزمة، وإذا ما كان ذلك يحمل دلالة معينة، إلى جانب ما يمثله ذلك بالنسبة للسعودية من حيث استضافة حدثٍ بهذا الحجم.

حول ذلك أوضح خبير العلاقات الدولية محمود أبو حوش، أن عودة خيار السلام من خلال السعودية، تؤكد على عمق العلاقة الاستراتيجية بين الرياض التي تحاول صياغة دور إقليمي فاعل في المنطقة، والغرب، مشيرا إلى أن هذا الدور يمكن أن يتكامل بشكل أكبر من خلال خلق حالة من التوازن في دعوة جميع الأطراف المعنية بالأزمة والتي لها دور فاعل لاسيما مثل روسيا.

أبو حوش، في حديثه مع موقع “الحل نت”، أشار إلى أن روسيا والصين، تعتبران فاعلتين في الأزمة الأوكرانية، بالتالي أن مشاركتهما في هذه القمة التي تناقش خطة سلام للحرب في أوكرانيا لها أهمية، لافتا إلى حديث روسيا عن إمكانية عودتها للمفاوضات وأنها منفتحة على الحوار، يحتمل شروط، من ضمنها عدم فرض إملاءات عليها، وهذا بالتالي ربما لن يؤدي لحالة سلام قريبة، خصوصا وأنها تبدي استعدادا للاستمرار في الحرب طالما تعتقد أن هناك إملاءات عليها.

فرص نجاح واردة بشأن وقف الحرب بأوكرانيا

بيد أن المتخصص في العلاقات الدولية، يعتقد أنه بالرغم من ذلك فإن فُرص الحوار موجودة، إذا ما تفهمت جميع الأطراف محاذير بعضها، وأثبتت هناك جدية في الحوار، وهذا هو السبب الذي يفرض أهمية مشاركة روسيا والصين في قمة السعودية، لأن ذلك سيزيد من فرص نجاح الاجتماع لإيجاد حلّ للحرب ضد أوكرانيا، خصوصا بعد تلميحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بعد القمة الإفريقية حول استمرار خيار العودة للمفاوضات.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان/ إنترنت + وكالات

وسط ذلك، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال في أعقاب القمة التي جمعته مع قادة عدد من الدول الإفريقية، إن مبادرتي الصين وإفريقيا يمكن أن تشكّلا أساسا للسلام في أوكرانيا، مشيرا في الوقت ذاته، من أن هناك “أشياء يستحيل تنفيذها”، وأن بلاده لم ترفض أي محادثات سلام بخصوص الحرب في أوكرانيا.

لكن تقارير عدة أكدت رفض روسيا العديد من المبادرات الدولية والتي تجاوز عددها 30 مبادرة للتوصل لحل سلمي لإنهاء حالة الحرب ضد أوكرانيا، منذ انطلاق المعارك في شباط/فبراير العام الماضي، وأن روسيا عازمة على احتلال كييف التي تبدي مقاومة صلبة.

إلى ذلك، فإن جهودا لا تزال تُبذل من أجل ضمان أوسع مشاركة ممكنة في الاجتماع المرتقب؛ حيث أصبح من المؤكد أن تشارك دول من بينها بريطانيا وجنوب إفريقيا والاتحاد الأوروبي ومصر وإندونيسيا والمكسيك وتشيلي وزامبيا، وذلك إلى جانب الهند والبرازيل، كما يُتوقع أن يحضر مستشار الأمن القومي لـ “البيت الأبيض” جيك سوليفان، وفق ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، عن دبلوماسيين مشاركين في المناقشات الراهنة.

خصوصا وأن هناك مباحثات كان سوليفان قد أجراها الأسبوع الماضي في الرياض يبدو أنها تطرقت وشملت الحديث عن التخطيط لهذه القمة المرتقبة.

ميثاق “الأمم المتحدة” خارطة طريق لوقف الحرب

فيما يرجّح مراقبون أن التصورات الأولية لمبادرة السلام، يمكن أن تشمل احترام سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا وفقا لميثاق “الأمم المتحدة”، وهو ما يعني قبول روسيا مبدأ انسحاب قواتها من الأراضي الأوكرانية، وتسوية الوضع الخاص بشبه جزيرة القرم، مقابل رفع العقوبات عن روسيا، وإنشاء “صندوق دولي” لإعادة بناء أوكرانيا، ووقف إطلاق النار، والبدء بمفاوضات على مستويين بين روسيا وأوكرانيا من جهة وبين روسيا وحلف الـ “ناتو” من جهة أخرى، وذلك للنظر في المطالب الأمنية الاستراتيجية الروسية.

من القمة الإفريقية/ إنترنت + وكالات

في المقابل، وبغض النظر عن الحديث عن استبعاد الصين أو روسيا من القمة أو عدم مشاركتهما وما الغرض من ذلك، فإن السعودية تحاول أن تستثمر علاقاتها المتوازنة مع الدول العالمية إلى جانب علاقاتها مع أوكرانيا، كي تمنح المبادرة التي يتم تجميع عناصرها في قمة جدة زخما لا يمكن أن تتجاهله روسيا، لاسيما وأن هذه العناصر تنطوي على مكاسب رئيسية للطرفين مقارنة بالوضع الراهن حيث تمضي المقاربة الأوكرانية إلى مديات قصوى قائمة على فكرة هزم روسيا.

يشار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كان قد استقبل في 27 شباط/فبراير الماضي وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مقر الرئاسة بالعاصمة كييف، وقدّم الشكر لدعم السعودية وحدة أراضي وسيادة أوكرانيا.

فيما جدد الأمير فيصل بن فرحان خلال ذلك الاستقبال التأكيد على حرص المملكة ودعمها لكافة الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حلٍّ للأزمة سياسيا، ومواصلتها جهودها للإسهام في التخفيف من حدة الآثار الإنسانية الناجمة عنها.

خلاصة ذلك، يرى مراقبون، أن قمة جدة ستحرص على الاستجابة للمطالب الأساسية لكلا المتنازعين باستثناء، ولعل ذلك يشمل التفاوض على الأرض، أو ما تعتبره روسيا “الواقع الجديد”، الذي يعني انضمام الأقاليم الأوكرانية الأربعة (دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيا وخيرسون) إليها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات