في جذوة ما تعيشه المنطقة من تحولات وتغيرات إقليمية، حيث تشهد العديد من الملفات في المنطقة إعادة صياغة بناء على تنسيق المواقف المشتركة بين الدول، يبدو أن الإمارات والأردن يسعيان إلى إعادة التأكيد على شراكتهما ورؤيتهما في الملفات المشتركة، إذ زار رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نيهان، الأردن، أمس الأربعاء، وتطرق الجانبان إلى تعزيز التعاون الإقليمي بما يحقق المصالح المتبادلة.

رئيس الإمارات والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين، بحثا العلاقات بين البلدين وإمكانات تعزيز التعاون الاستراتيجي والعمل المشترك بما يحقق مصالحهما المتبادلة، إضافة إلى مجمل القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وجاء ذلك خلال جلسة عقدها الجانبان في قصر “بسمان العامر” في العاصمة الأردنية عمان.

فالجانب الأردني يتطلع بأن تعطي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، دفعاً قوياً لمسار العلاقات الأخوية والعمل المشترك بين البلدين في جميع المجالات، فيما تم استعراض الطرفان مختلف جوانب التعاون، خاصة المجالات الاقتصادية والشراكات الاستثمارية والتنموية، وغيرها من المجالات الحيوية التي تخدم جهود تحقيق التنمية والازدهار المستدامين في البلدين، بما يحقق تطلعات شعبيهما إلى مستقبل أكثر نماء وتقدما.

أهداف إماراتية أردنية حول المنطقة

كما تبادل الجانبان، وجهات النظر بشأن عدد من القضايا الإقليمية والدولية التي تهم البلدين، مؤكدين الحرص على تعزيز العمل المشترك لتحقيق السلام في المنطقة انطلاقا من نهج البلدين الراسخ في دعم السلام والتعايش والتعاون الإقليمي لما فيه مصلحة جميع الشعوب، حيث أكد محمد بن زايد آل نهيان، أن دولة الإمارات والأردن تجمعهما رؤى مشتركة لتحقيق التنمية المستدامة لشعبيهما الشقيقين، وترسيخ السلام والاستقرار والازدهار لشعوب المنطقة كافة.

الشيخ محمد بن زايد أضاف، في منشور على منصة “إكس” للتواصل الاجتماعي، سعدت بلقاء أخي جلالة الملك عبد الله الثاني في عمان، بحثنا تعزيز آفاق التعاون والمصالح المشتركة بين بلدينا الشقيقين، وتبادلنا وجهات النظر حول المستجدات في المنطقة والعالم، مؤكدا أن الإمارات والأردن شريكان في العمل من أجل الاستقرار والتنمية المستدامة والازدهار الإقليمي.

فيما أشار الجانبان، رئيس الإمارات والعاهل الأردني، إلى حرصهما على مواصلة التنسيق والتشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك تحقيقا لمصالح البلدين وخدمة للقضايا العربية وتعزيز أمن المنطقة واستقرارها.

هذا وتكتسب البلدان اللذين يعدان حليفان للغرب وللولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط أهميتها، بحسب مراقبين، كونها تشكل أهم مرتكزات الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، لأنها تستند إلى أسس صلبة من التضامن والتعاون الوثيق في مواجهة كل التحديات على الصعيدين الإقليمي والدولي.

فبين الجانبان مشوار طويل من التعاون، إلا أنه ما وراء ذلك لا يزال غير واضحا، وهو ما بينه الخبير في الشأن السياسي الأردني عامر السبايلة بالقول، إن العلاقة الاردنية الاماراتية علاقة عميقة وفي السنوات الاخيرة تجذرت بشكل كبير حتى أن لواء الردع في القوات المسلحة الأردنية اسمه “لواء محمد بن زايد” وهذا ما يفسر حجم العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين.

السبايلة أشار إلى أن، الجزء الأول من هذه العلاقات يتعلق بأن الأردن ينظر للإمارات كشريك اقتصادي أساسي في معظم الملفات، في حين أن الإمارات باتت منخرطة في كثير من الملفات الاقتصادية بالمنطقة، لذلك أن الإمارات تقريبا أصبحت مرجعية الأردن في السياسة الخارجية في العديد من القضايا خاصة فيما يتعلق بالملف السوري.

تنسيق إماراتي أردني بشأن المنطقة

فالطرفان يحاول تنسيق موقف مشترك فيما يتعلق بسوريا، بحسب الخبير في الشأن السياسي الأردني، لافتا إلى أن هذه الزيارة جاءت أيضا لدراسة وبحث الاستعداد لمن سيخلف القيادة الفلسطينية حيث هناك تنسيق عال في هذه الجزئية، مشيرا إلى أن هذا هو المحيط الإقليمي لهذه العلاقة بين الإمارات والأردن، أي من سوريا إلى الضفة الغربية والعلاقة مع إسرائيل.

محمد بن زايد رئيس الإمارات في ضيافة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني/ إنترنت + وكالات

السبايلة أردف، أن هذه الملفات التي يتشارك فيها الأردن مع الإمارات، ويمكن أن تؤثر في المنطقة فعليا في الكثير من النواحي، حيث لا يمكن الفصل بين الرؤية الإماراتية الأردنية السياسية التي باتت واضحة بشكل كبير جدا.

تعرف المملكة الأردنية مصاعب اقتصادية كبيرة زادت تأزما عقب تفشي وباء “كورونا” لتتضاعف بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا حيث تسعى الحكومة إلى تسديد ديونها الخارجية من خلال البحث عن هبات وتمويلات خليجية.

بينما يعتمد الاقتصاد الأردني في جزء كبير منه على القروض والهبات الخارجية خاصة من دول الخليج لكن هذا الدعم تراجع في السنوات الأخيرة ما انعكس سلبا على الوضع الداخلي خاصة من حيث ارتفاع أسعار السلع وخاصة المحروقات مع انهيار المقدرة الشرائية للمواطن، وهو ما تسبب في احتجاجات، دفعت بالأردن أن تميل أكثر للإمارات.

علاوة على هذه الملفات التي تم بحثها خلال الزيارة، فإن التطورات في الضفة الغربية خاصة فيما يتعلق بقيام الجيش الإسرائيلي باقتحام عدد من المخيمات مثل “مخيم جنين” وغيرها من الملفات التي تخص القدس، فكلها من بين الملفات المطروحة حيث يرتبط البلدان بمعاهدتي سلام مع الدولة العبرية.

يشار إلى أن القمة التي عقدها الزعيمان خلال الزيارة هي الرابعة خلال 7 شهور، والثامنة خلال عام، هذا وبحسب مراقبين، تعكس المباحثات بين البلدين حرصا مشتركا على التنسيق المتواصل ضمن جهود البلاد المشتركة للارتقاء بالتعاون الثنائي وتعزيز التضامن العربي والإقليمي ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة.

علاقات إماراتية أردنية متينة

من بين الثمان قمم التي جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وعاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، بينها 5 قمم ثنائية و3 قمم دولية، وتعبر القمم الدورية التي تجمع دولة الإمارات والأردن عن أهمية التنسيق بينهما، لتحقيق التطلعات المشتركة وتوحيد الصف العربي وتحصين دول المنطقة وحماية أمنها.

العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني يستقبل رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان/ إنترنت + وكالات

في حين أن العاهل الأردني أجرى 6 زيارات للإمارات منذ وصول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للحكم في أيار/مايو 2022، حيث سبق أن زارها في 18 نيسان/أبريل و18 و4 كانون الثاني/يناير من العام الجاري 2023، كما زارها أيضا يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر و23 حزيران/يونيو 2022 و14 أيار/مايو من العام نفسه.

خلال تلك الزيارات تم عقد 5 قمم بينها 4 قمم ثنائية وقمة تشاورية في 18 كانون الثاني/يناير الماضي، جمعت أيضا قادة عمان وقطر والبحرين ومصر، وبالإضافة إلى “قمة أبوظبي” التشاورية، شارك الزعيمان في قمتين دولتين هما قمة العلمين آب/أغسطس الماضي، و”قمة جدة” للأمن والتنمية تموز/يوليو 2022، التي شارك فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة دول الخليج ومصر والأردن والعراق.

إلى ذلك، لا تكاد تمر فترة قصيرة إلا ويعقد البلدان قمما واجتماعات ومباحثات لتعزيز التعاون وبحث المستجدات وسبل مواجهة التحديات، وتبادل وجهات النظر حول كيفية دعم قضايا الأمة، حيث يتفق البلدان على أهمية تغليب الحلول السياسية والسلمية لمواجهة أزمات المنطقة، إضافة إلى تصدر القضية الفلسطينية أجندة سياساتهما الخارجية، وسط توافق في وجهات النظر بينهما بأن السلام الشامل والدائم والعادل هو السبيل الوحيد لحل تلك الأزمة.

فثمة توافق بين البلدين على أن التغيرات التي يشهدها العالم تستدعي تعميق الشراكات الاقتصادية بين دول المنطقة العربية وابتكار صيغ جديدة للتعاون فيما بينها وتعزيز تكاملها واستثمار الميزات النوعية لكل دولة، بهدف تحقيق التنمية المستدامة وتقوية الاستجابة للتحديات المشتركة والأزمات العالمية وتوسيع الاعتماد على الذات، خاصة في القطاعات الحيوية ذات الصلة بالأمن الوطني مثل الغذاء والصحة والطاقة والصناعة وغيرها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات