بالتزامن مع التحركات العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وإعادة نشر آلاف الجنود من القوات البحرية في مياه الخليج العربي وغيرها من المناطق التي تتمتع بها الولايات المتحدة من نفوذ في شرق سوريا وغرب العراق، ووسط اتساع دائرة الصراع الدولي، من المرتقب أن يجري الرئيس الأميركي جو بايدن، اجتماعا هاما مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يُتوقع أن تكون نتائجه في غاية الأهمية.

فالرئيس الأميركي بايدن، يدرس عقد اجتماع بولي العهد السعودي، على هامش قمة مجموعة العشرين المقرر انعقادها الشهر المقبل في نيودلهي في محاولة للتوصل إلى صفقة ضخمة، حسبما أفاد موقع “أكسيوس الإخباري” الأميركي أمس الاثنين، نقلا عن أربعة مصادر مطلعة، حيث يبحث مسؤولون أميركيون وسعوديون منذ أسابيع إمكانية عقد الاجتماع.

إذ يجري العمل على ترتيب الاجتماع الذي يبدو تحقيقه ممكنا حسبما تحدث مصدران لـ “أكسيوس الإخباري”، غير أنه حتى الآن لم يتم وضع اللمسات الأخيرة، بيد أن المتحدث باسم “مجلس الأمن القومي” الأميركي، أشار إلى أنه لا يوجد شيء للإعلان عنه في الوقت الراهن، في حين لم ترد السفارة السعودية في واشنطن على طلب الموقع للتعليق على الموضوع.

الأمن السعودي والمصلحة الأميركية محور الاجتماع الأساسي

لكن من شأن عقد اجتماع بين الزعيمين أن يعطي دفعة كبيرة للمفاوضات التي يجريها “البيت الأبيض” مع الحكومة السعودية، في محاولة للتوصل لاتفاق ضخم قد يشمل تقديم ضمانات أمنية أميركية للرياض، إضافة إلى اتفاق للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، إذ إن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يكون تاريخيا في عملية السلام بالشرق الأوسط، وفقا للموقع الأميركي.

وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن/ إنترنت + وكالات

في حين أنه على الرئيس الأميركي، أن يمرر أجزاء من ذلك الاتفاق على الأقل عبر “الكونغرس”، في ظل تباين وجهات نظر المعارضة للغاية لولي العهد السعودي في أوساط الديمقراطيين، وذلك بالنظر لسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان ومقتل الصحافي جمال خاشقجي الذي يُتهم بن سلمان في إصدار أمر اغتياله في قنصلية بلاده في إسطنبول، رغم نفيه تلك الاتهامات جملة وتفصيلا.

إلا أن الأهم وسط ذلك، إن إدارة بايدن تسعى لاستكمال مساعيها الدبلوماسية مع السعودية، قبل أن يزدحم جدول أعمال بايدن بحملة الانتخابات الرئاسية، حسبما أفاد مسؤولون أميركيون لموقع ” أكسيوس”، خصوصا وأنه لا تزال هناك العديد من القضايا العالقة، بما في ذلك إمكانية إبرام معاهدة دفاع بين واشنطن والرياض، وإمكانية دعم الولايات المتحدة لبرنامج نووي مدني، يشمل تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية.

من منظور دولي، ربط الموقع الأميركي الحديث عن الاجتماع بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي، بين التطورات الأخيرة وزيارة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، إلى واشنطن، الأسبوع الماضي، والتي التقى خلالها بمنسق “مجلس الأمن القومي” الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكغورك، وكبير مستشاري الرئيس لشؤون أمن الطاقة، آموس هوكستين.

فيما يعتقد البعض أن الزيارة تشير إلى حصول تقدّم بملف العلاقة بين تل أبيب والرياض، والذي تعتبره واشنطن واحدا من أهم الملفات العالقة والتي يتطلب إيجاد حلّ لها في المرحلة الحالية التي تشهد إعادة رسم خارطة التحالف الدولية بين العالم، وتعمل الصين على مدّ نفوذها إلى الشرق الأوسط، مقابل إيران التي تسعى لتكريس حضورها أيضا.

ملفات محتملة على طاولة الاجتماع الأميركي السعودي

تعليقا على ذلك، وما يمكن أن ينتج عنه الاجتماع من قضايا مهمة، يقول خبير العلاقات الدولية عقيل عباس، إن الاجتماع قد لا يرتبط بقضية الصين وعلاقتها بالسعودية ودول المنطقة، إذ لا يبدو أن هذا الملف موضع اهتمام ضمن هذا الاجتماع الذي لم يتأكد انعقاده بعد، حيث لا يزال الحديث عن الاجتماع غير محسوم بعد.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركي جو بايدن/ إنترنت + وكالات

أما في حال تحقق الاجتماع، فقد أشار عباس، إلى أن القضايا التي ستُطرح ستتعلّق غالبا بالملفات الثنائية، حيث سيكون الاجتماع ثنائيا أكثر مما هو دولي، وباستثناء ملف التطبيع بين السعودية وإسرائيل، مبينا أن الولايات المتحدة الأميركية وبدفع من “الكونغرس” تريد من السعودية أن تقيم علاقات مع إسرائيل.

في المقابل، فإن السعودية باحثة على ترتيبات أمنية واتفاقية دفاع واسعة مع واشنطن، تتضمن ضمانات أمنية بخاصة فيما يخص إيران ومحاولات تمددها، إلى جانب تحقيق مطالبة سعودية سبق وتم الحديث عنها، وهي رغبة الرياض بالبدء ببرنامج نووي سلمي يتضمن تخصيب اليورانيوم، يقول عباس.

بالتالي، وفق عباس المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، إنه في حال انعقد الاجتماع ستكون هذه الملفات التي سيتم تداولها خلاله بعيدا عن ملف الصين، مشيرا إلى أن بالرغم من عدم ميول السعودية لفكرة التطبيع مع إسرائيل، إلا أن السياسة فيها الكثير من الاحتمالات وقد يحدث ذلك مقابل ثمن معين، وربما يكون ذلك بعودة إسرائيل لسكة المفاوضات والسلام مع الفلسطينيين.

إلى ذلك، سبق الحديث عن الاجتماع بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي، لقاء وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حيث ناقشا أيضا قضية التطبيع مع السعودية، وفقا لمسؤول أميركي، نقل عنه موقع “إكسوس”، لا سميا وأنه بعد ساعات من هذا اللقاء، أجرى بلينكن محادثات مع نظيره السعودي، غير أنه لم تتم الإشارة إلى التطرق لقضية التطبيع من عدمها.

في المقابل، كان مسؤول أميركي قد أفاد بأن المحادثات الجارية بين واشنطن والرياض تركز حاليا على القضايا الثنائية وليس التطبيع مع إسرائيل، وكذلك، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير نشر بتاريخ 11 أغسطس الحالي، أن عقبات “حقيقية” لا تزال تقف في طريق التوصل لأي اتفاق تطبيع محتمل بين السعودية وإسرائيل.

أمن المنطقة أولوية سعودية أميركية

الصحيفة الأميركية تناولت في هذا الشأن تصريحات أدلى بها مؤخرا مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، قال فيها إن بلاده ليست مستعدة لتقديم أي “تنازلات ذات مغزى” بشأن قضية إقامة دولة فلسطينية، التي يُعتقد أنها أحد الشروط المسبقة التي وضعتها الرياض من أجل ضمان حصول التقارب مع إسرائيل.

من لقاء الوفد السعودي والأميركي خلال قمة قادة الدول العربية في جدة/ إنترنت + وكالات

كما ذكرت الصحيفة أن الرياض تسعى للحصول على ضمانات أمنية كبيرة من واشنطن، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة احتمالات تعمّق الولايات المتحدة في صراعات الشرق الأوسط، في حين كان “البيت الأبيض” أعلن، في أوائل آب/أغسطس الحالي، أنه لا يوجد إطار عمل متفق عليه للتوصل إلى اتفاق تعترف السعودية بموجبه بإسرائيل وإنه يتعين خوض محادثات كثيرة قبل توقيع مثل هذا الاتفاق.

هذا الإعلان جاء بعد ساعات من نشر صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا قالت فيه، إن الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على الخطوط العريضة لاتفاق التطبيع مع إسرائيل، لكن المتحدث باسم الأمن القومي، جون كيربي، قلل من شأن ما أورده التقرير وأشار في إفادة صحافية إلى أنه “لا يزال هناك الكثير من المناقشات التي ستجري هنا”.

كيربي أضاف، ليس هناك اتفاق على مجموعة من المفاوضات ولا يوجد إطار عمل متفق عليه للتوصل إلى تطبيع أو أي من الاعتبارات الأمنية الأخرى التي لدينا وأصدقاؤنا في المنطقة.

بناء على ذلك، فإن الاجتماع المرتقب انعقاده بين الرئيس الأميركي بايدن وولي العهد السعودي، لا يمكن أن يكون خارج خانة الاجتماعات التي تحفظ تواريخها لأزمنة طويلة، ولما يمكن أن يحمله من مخرجات قد تدفع منطقة الشرق الأوسط لمرحلة جديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات