في ظل تصاعد التوترات في أوروبا وآسيا، يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يسعى إلى تعزيز علاقاته مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي يمتلك ترسانة نووية وصاروخية. فوفقا لـ”البيت الأبيض”، فإن بوتين طلب من كيم “المساعدة” في إمداد روسيا بأسلحة كورية شمالية، في إطار مفاوضات سرّية تهدف إلى تحقيق مصالح استراتيجية مشتركة. 

مشهد كيم جونغ أون وفلاديمير بوتين، يجتمعان للبحث في “مفاوضات الأسلحة” يسلّط الضوء على حالة من عدم الاستقرار وعدم التوازن في العلاقات الدولية. وحتى إذا كانت تلك المفاوضات مجرد أخبار عابرة لا تستحق الاهتمام، فإنها بالتأكيد تثير تساؤلات مهمة حول توجهات الدولتين واستراتيجياتهما.

لم يعد هناك شكّ في أن روسيا تسعى إلى تعزيز ترسانتها العسكرية وزيادة إمكانياتها العسكرية، وهذا يبرز استراتيجية موسكو في زيادة المواجهة مع الاتحاد الأوروبي. ومن الواضح في إعلان هذه الصفقة أن موسكو فقدت ثقتها في ترسانتها العسكرية الحالية وتبحث عن مصادر جديدة لتعزيزها؛ ولكن ما يثير التساؤلات،  ما الدوافع الروسية لطلب المساعدة من كوريا الشمالية.

صفقات سرية

يوم أمس الاثنين، أعلن “البيت الأبيض” عن قرار زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، بالقيام بمحادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في روسيا، وذلك في إطار “مفاوضات الأسلحة” الجارية بين البلدين، بهدف تزويد موسكو بأسلحة كورية شمالية.

المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون، أوضح بأن مفاوضات الأسلحة بين روسيا وكوريا الشمالية تسير بخطى ثابتة، مشيرا إلى امتلاك واشنطن معلومات تشير إلى توقّع كيم جونغ أون استمرار هذه المحادثات، بما في ذلك تفعيل حوار دبلوماسي على مستوى الزعماء في روسيا. وفي هذا السياق، دعت الولايات المتحدة كوريا الشمالية إلى تجميد مفاوضات الأسلحة مع روسيا والالتزام بالتعهدات العلنية التي قطعتها بيونغ يانغ، بعدم تزويد أو بيع أسلحة لروسيا.

في الأسبوع الماضي، كشف “البيت الأبيض” عن سير محادثات سرّية ثنائية تجريها موسكو مع بيونغ يانغ، بهدف الحصول على كميات إضافية من الذخائر والإمدادات الضرورية لاستخدامها في النزاع بأوكرانيا. ووفقا لما صرّح به المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، قدمت كوريا الشمالية، على الرغم من نفيها، دعما لروسيا العام الماضي من خلال تزويدها بصواريخ استخدمتها مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.

واتسون، من جهته أشار إلى زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إلى كوريا الشمالية في آب/أغسطس الماضي، حيث كان يسعى للحصول على مزيد من الذخائر العسكرية. فيما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أن كيم جونغ أون، الذي نادرًا مايغادر بلاده، من المتوقع أن يقوم بزيارة إلى فلاديفوستوك على الساحل الروسي المطل على المحيط الهادئ قرب كوريا الشمالية في أيلول/سبتمبر الجاري، للقاء بوتين.

جميع صفقات الأسلحة بين روسيا وكوريا الشمالية هي مجموعة من مفاوضات سرّية التي تهدف إلى تبادل الأسلحة والذخائر والموارد بين البلدين. حيث تسعى روسيا للحصول على أكثر من عشرين نوعا من الأسلحة والذخائر من كوريا الشمالية، بما في ذلك صواريخ وقذائف مدفعية، لدعم حربها في أوكرانيا. ومقابل ذلك تقدم روسيا أموالا نقدية وطائرات تجارية وطعاما ومواد خام لكوريا الشمالية، التي تعاني من العزلة والعقوبات الدولية. 

وسائط مع كوريا الشمالية

لعبت روسيا دورا مهما في جهود الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي. فالصفقة السلوفاكية كانت الأشهر بين روسيا وكوريا الشمالية، حيث استخدمت موسكو وسيطا سلوفاكيا يدعى أشوت مكرتيشيف لإبرام صفقات بيع ومقايضة مع كوريا الشمالية لشحن أكثر من 20 نوعا من الأسلحة والذخائر إلى روسيا بين أواخر 2022 وأوائل 2023. وتقدم روسيا في المقابل أموالا نقدية وطائرات تجارية وطعاما ومواد خام لكوريا الشمالية؛ وأدرجت الولايات المتحدة مكرتيشيف على لائحة عقوباتها.

أما الصفقة المشبوهة كانت مع مجموعة “فاغنر” التي تصنفها واشنطن “إجرامية”، حيث زودت روسيا صواريخ وقذائف في العام 2022 استخدمتها مجموعة “فاغنر”، عندما كانت تقاتل على الخطوط الأمامية في أوكرانيا. وأعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكوريا الجنوبية واليابان في الأمم المتحدة أن هذه الصفقة تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي.

في حين أن صفقة القادة الجديدة هي الاتفاقية الأبرز التي أُعلن عنها حديثا، فوفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، يعتزم إجراء مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في روسيا في سبتمبر/أيلول 2023، في إطار “مفاوضات الأسلحة” بين البلدين. ويرغب بوتين في الحصول على قذائف مدفعية وصواريخ مضادة للدبابات من كوريا الشمالية. ويرغب كيم في الحصول على تقنيات متقدمة للأقمار الصناعية والغواصات، بالإضافة إلى مساعدات غذائية.

العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كانت كوريا الشمالية جزءا من الكتلة الشرقية. وقد دعم “الاتحاد السوفييتي” كوريا الشمالية خلال الحرب الكورية، ووفّر لها الأسلحة والدعم العسكري. وبعد انهيار “الاتحاد السوفييتي” في عام 1991، توترت العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية بسبب الأزمة الاقتصادية في روسيا، ورفضت كوريا الشمالية الاعتراف باستقلال جمهوريات “الاتحاد السوفييتي” السابقة.

لكن في عام 1999، تولى فلاديمير بوتين رئاسة روسيا، وبدأ في تحسين العلاقات مع كوريا الشمالية. ووقع بوتين مع زعيم كوريا الشمالية آنذاك كيم جونغ إل، معاهدة صداقة وتعاون في عام 2000. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، حيث تبادل البلدان الزيارات الرسمية، وتعاونا في مجال الاقتصاد والتجارة والطاقة.

ليس ذلك فقط، بل تُعدّ روسيا موردا رئيسيا للنفط والغاز لكوريا الشمالية، كما أنها توفر لها المنتجات الصناعية والسلع الزراعية. وتبلغ قيمة التجارة بين البلدين حوالي 2 مليار دولار سنويا. وقد ازدادت التجارة بين البلدين في السنوات الأخيرة، حيث قامت روسيا ببناء خط أنابيب لنقل النفط والغاز إلى كوريا الشمالية. كما وافقت روسيا على الاستثمار في مشاريع بنية تحتية في كوريا الشمالية، بما في ذلك محطة توليد الكهرباء النووية في يونبيونغ.

بوتين استغل العقوبات الدولية على كوريا الشمالية، وأنشأ قاعدة عسكرية فيها، وهي تزود كوريا الشمالية بالأسلحة والمعدات العسكرية. وقد ساهم هذا التعاون العسكري المشبوه بين البلدين كوريا الشمالية على تطوير قدراتها العسكرية، بما في ذلك ترسانتها النووية. 

لعبة الثعالب المخملية الناعمة

الزيارة المعلن عنها حديثا تختلف عن جميع الاتفاقيات وطرق التعاون بين البلدين، لأنها تأتي في وقت حرِج تقول فيه موسكو إن أسلحتها وترسانتها العسكرية هي السبب وراء صمودها أمام الدعم الغربي لأوكرانيا، وتوسعها الغامض والمشبوه في إفريقيا.

الدوافع الروسية لطلب المساعدة من كوريا الشمالية هي متعددة ومتشعبة، بحسب المؤرخ الروسي،  أليكاس موخين. من جهة، ترغب روسيا في تعزيز علاقتها مع كوريا الشمالية، التي تعتبر حليفا تاريخيا واستراتيجيا، والتي تمتلك ترسانة نووية وصاروخية قوية. ومن جهة أخرى، ترغب روسيا في استغلال الفجوة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، والتي تشهد توترات مستمرة بسبب برنامج بيونغ يانغ النووي والصاروخي. وتأمل روسيا في أن تكون قادرة على التأثير على مسار المفاوضات بين الطرفين، وأن تلعب دورا أكبر في شؤون شبه الجزيرة الكورية. كما ترغب روسيا في مواجهة ما تسميها “القوى المعادية”، التي تحاول إضعاف نفوذها في المنطقة، خاصة الولايات المتحدة وحلفائها في “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، والذين يدعمون أوكرانيا في صراعها مع روسيا.

أهداف روسيا في الحصول على أسلحة كورية شمالية هي مزدوجة؛ بين عسكرية وسياسية. من الناحية العسكرية، بحسب حديث موخين لـ”الحل نت”، تحتاج روسيا إلى أسلحة كورية شمالية لدعم حربها في أوكرانيا، التي تشهد اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية والأوكرانية. وتقول روسيا إن أسلحة كوريا الشمالية أكثر فعالية ودقة من أسلحتها الخاصة، وأنها تستطيع بهذه الأسلحة إلحاق خسائر كبيرة بالجانب الأوكراني. 

أما من الناحية السياسية، فهذا آخر خيار لموسكو، حيث ترغب في إظهار قدرتها على التعامل مع كوريا الشمالية كشريك متساو، وأن تثبت للعالم أن لديها نفوذ كبير في المنطقة. كما ترغب روسيا في إثارة قلق الولايات المتحدة وحلفائها من انتشار الأسلحة الكورية الشمالية، وأن تضغط عليهم لإجبارهم على التفاوض مع روسيا بشأن قضايا مختلفة.

هذه المباحثات بشكل قاطع كما يبيّن موخين، تشير إلى فقدان روسيا للثقة في ترسانتها العسكرية الحالية، فروسيا التي لديها ترسانة عسكرية ضخمة ومتطورة، تضم أكثر من 6000 رأس نووي، وأكثر من 15000 دبابة، وأكثر من 3000 طائرة حربية، وأكثر من 300 سفينة حربية، خسرت المعركة مع أوكرانيا عسكريا وسياسيا. 

بل وانقلب عليها حلفاؤها كـ “فاغنر” رغم اعتبارها من أقوى الدول العسكرية في العالم، وتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في مؤشر القوة العسكرية. وعلاوة على ذلك، مواجهتها لتحديات عديدة في صيانة وتطوير ترسانتها العسكرية، بسبب العقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليها من قبل الغرب، والتي أثّرت على ميزانيتها الدفاعية.

طبقا للمؤرخ والسياسي السابق الروسي، فقد انخفضت ميزانية الدفاع الروسية من 69.3 مليار دولار في 2016 إلى 61.4 مليار دولار في 2020. وقد أدى هذا إلى تأخير أو إلغاء بعض المشاريع العسكرية الروسية، مثل تطوير طائرات “سوخوي سو-57″، وصواريخ “سارمات”، وغواصات “ياسن”.

كما أظهرت بعض التجارب العسكرية الروسية فشلا أو خللا في أنظمة الأسلحة الروسية، مثل انفجار صاروخ “نوفاتور 9M729″، وانفجار مفاعل نووي في “نينوكسا”، وانفجار صاروخ “بوريفستنيك، ومؤخرا تحطم مركبة الفضاء الروسية “لونا 25” على سطح القمر. لذلك، تبحث روسيا عن أسلحة كورية شمالية كبديل أو إضافة لأسلحتها الخاصة، لزيادة قدراتها العسكرية والمرونة في التعامل مع المواقف المختلفة.

لا يُمكن إنكار الآن استراتيجية روسيا في تعزيز ترسانتها العسكرية وتعزيز إمكانياتها العسكرية؛ وهذا التحرك مع كوريا الشمالية يعكس بوضوح استراتيجية موسكو مقارعة التحديات المحلية التي تعصف بها، ومن الواضح أن هناك نقصا في الثقة فيما يتعلق بالترسانة العسكرية الحالية لروسيا، مما يدفع الحكومة الروسية إلى البحث عن مصادر جديدة لتعزيزها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات