في اجتماعات الدورة 160 لمجلس “جامعة الدول العربية” على المستوى الوزاري، في القاهرة أمس الأربعاء، صدرت عدة تصريحات مباشرة، كانت دمشق تحفظت عليها أو نفاها وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد. حيث أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن التعامل مع سوريا يتم وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، مشددا على ضرورة الحفاظ على سيادة البلاد ووحدة أراضيها.

كما أعرب نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، عن موقف المملكة بشأن عودة سوريا إلى محيطها العربي، مؤكدا أن ذلك سيسهم إيجابا في جهود حل الأزمة فيها، وأعرب في ذات الوقت عن مطالبة المملكة بخروج القوات الأجنبية والمليشيات المسلحة من سوريا، لما تمثله من خطر على مستقبل البلاد والمنطقة بأسرها. وبالمقابل صرح وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين أن عدم ضبط “النزوح غير الشرعي” سيؤدي إلى تسلل أكثر من مليون سوري إلى لبنان، في الأسابيع المقبلة.

هذه التصريحات تأتي في وقت حساس، بعد مرور حوالي أربعة أشهر على اجتماعي جدّة وعمّان الذين توجا بعودة سوريا إلى “الجامعة العربية” ولكن مقابل شروط نفتها دمشق عبر عدة تصريحات، وتمثل هذه التصريحات، من جانبها، رسائل مباشرة إلى دمشق تشير إلى حالتين؛ الأولى أنها رسالة غير مباشرة للحكومة السورية، أو بوادر تغير في الموقف العربي خصوصا بعد اللفتات الإعلامية التي صدرت من السعودية والأردن مؤخرا، عبر وسائلهما الإعلامية.

 خيارات جديدة في سوريا؟

بين ما كشفه الإعلام من أول حضور لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في اجتماعات الدورة 160 لمجلس “جامعة الدول العربية” على المستوى الوزاري، وذلك بعدما قرر وزراء الخارجية في اجتماع طارئ أيار/مايو الماضي، عودة دمشق إلى مقعدها، وما بين ما لم يكشف؛ يرى البعض أن هذه التصريحات مجرد حديث عرضي، ولن يكون لها تأثير كبير على الوضع الراهن.

لكن في المقابل، تشير الدلائل التي طفت على السطح مؤخرا، أن هذه التصريحات رسائل مباشرة لدمشق، وبمثابة جرس إنذار نحو تغييرات جوهرية في العلاقات بين دمشق والدول العربية، لا سيما بعد أن شهدت المنطقة العربية تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة، ولم تتراجع التأثيرات الإيرانية في المنطقة، وأصبح هناك رغبة في تحقيق الاستقرار في سوريا.

تصريحات وزراء الخارجية العرب تأتي في وقت حساس، وتمثل رسائل مباشرة إلى دمشق، بحسب مصادر دبلوماسية لـ”الحل نت”، وبداية تغيير في الموقف العربي من الأزمة السورية بعد تصاعد الاحتجاجات في السويداء، وخلاصة الموقف الرسمي الأردني، الذي عبرت عنه صحيفة أردنية بشفافية وواقعية، والواضح أن وزير الخارجية أيمن الصفدي أوصل هذه الخلاصة بصيغ وقوالب غير دبلوماسية إلى دمشق بأنه “قد طفح الكيل في الأردن”، ولم يعد ممكنا تزويق أفعال الحكومة السورية، بعد عدم تجاوبها مع المتطلبات العربية.

في عالم يعيش السياسيون والدبلوماسيون فيه على لغة الكلمات، يمكن لتصريح وزراء الخارجية أن يكون أقوى من ألف عمل على الأرض، لأنها اللحظة التي تشكل فيها الكلمات جسرا بين الدول والمصالح الدولية، وتحمل في طياتها رسائل مهمة تشكل توجيهات لسياسات الدول ومواقفها. وفي هذا السياق، تمثل أحاديث وزراء الخارجية العرب في اجتماعات مجلس “جامعة الدول العربية” دورا بارزا في صياغة مسار التعامل مع سوريا.

يبدو أن الصحافة الأردنية، وبالأخص الصحافة المستقلة، قامت بدور فعّال في توجيه رسائل وتنبيهات إلى دمشق بشأن تصاعد التوترات بين البلدين والتطورات في المنطقة، حيث الرسائل غير المشفّرة التي أُرسلت إلى الحكومة السورية تعكس انزعاج الحكومة الأردنية من تصاعد التوترات مع جنوب البلاد. ويبدو أن الأردن حاول من خلال هذه الرسائل إيصال رسالة واضحة بأن الأردن لن يكون لديه القدرة على التحمل اللامحدود لحرب طويلة تريدها دمشق.

طلب الصحف الأردنية علنا الدعوة إلى عسكرة الملف السوري وإخراجه من يد السياسيين، يشير إلى تصاعد التوترات والصعوبات في التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية، كما يلفت إلى أن الأردن يرى أن سياسة الدبلوماسية لن تكون كافية لحل هذه الأزمة، وبالتالي يشجع على اتخاذ إجراءات أكثر قوة للتعامل مع الأمور.

دمشق تلجأ للعقاب؟

رئيس حركة “التغيير” اللبنانية، إيلي محفوض، اعتبر أن موجة النزوح السوري الجديدة مستمرة بوتيرة متصاعدة وبخطورة كبيرة، وذكر أنه “من الواضح أن هناك قرارا استخباراتيا سوريا من أجل إغراق لبنان بعشرات وآلاف اللاجئين السوريين”، وفق ما نقلته “الوكالة اللبنانية الوطنية للإعلام”، حيث جاءت تصريحات محفوض بعد إلقاء القبض على نحو 1100 سوري، عند الحدود السورية- اللبنانية خلال أسبوع.

كلمة سامح شكري عن تعامل العرب مع سوريا وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، بحضور المقداد التي نفاها مرارا وتكرارا، تأتي في ظل شكوى الأردن من بأن دمشق تخطّط لحرب طويلة في إطار سياسة عقاب الأردن والدول العربية خلفه التي تتهمها بالوقوف ضدها في الأعوام السابقة.

كلمة سامح شكري وغيره من وزراء الخارجية العرب، بحسب توقعات المحلل السياسي، محمد عبيد، جاءت للفت انتباه وزير الخارجية السوري، الذي بدأ كلمته بطلب إصلاح مؤسسة “الجامعة العربية”، وأن سوريا تتعاون مع لجنة الاتصال العربية على قاعدة عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإنهاء أي وجود عسكري أجنبي غير شرعي مثل الجيشين الأميركي والتركي على أراضيها، حيث تعتبر دمشق وجود إيران وروسيا داخل البلاد شرعيا.

خلال حديثه لـ”الحل نت”، أشار عبيد إلى أن وزراء الخارجية يتعاملون مع قضايا معقدة ومتشعبة تشمل العديد من الأزمات الإقليمية والدولية، وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولات كبرى وتحديات متعددة، صدرت هذه التصريحات الملفتة للنظر من وزراء الخارجية العرب، وهي تحمل في طياتها رسائل مشفرة تحمل الكثير من الأهمية والتأثير. 

عبيد قال في حديثه، “فبينما كانت دمشق تتحفظ على بعض هذه التصريحات، لاحظنا تأكيد مصر على مبدأ خطوة مقابل خطوة في التعامل مع سوريا، وهذا التصريح يلقي الضوء على تفضيل مصر للحوار والتفاوض كأدوات أساسية لحل النزاعات الإقليمية”.

 تصريحات وزراء الخارجية العرب لها أهداف وتأثيرات مختلفة، منها إظهار أن التضامن والتعاطف هو مع الشعب السوري في مواجهة الأزمة الإنسانية والسياسية التي يعاني منها، وإيصال رسائل إلى دمشق بشأن ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل وعادل يحقق مطالب الشعب السوري ويحفظ وحدة وسيادة سوريا.

أيضا ضمن سياق تقديم الدعم فقط للمبادرات والجهود الدولية التي تهدف إلى إنهاء الصراع في سوريا وإحلال السلام والأمن في المنطقة، وأن استعادة العلاقات مع دمشق على أساس جديد يستند إلى احترام المصالح المشتركة والتعاون في مجالات مختلفة، مقابل تنفيذ الحكومة السورية للشروط التي اتفق عليها.

تحديات الاستقرار في سوريا والمنطقة

تصريحات وزير الخارجية المصري تشير بحسب عبيد، إلى إمكانية تغيير في موقف مصر تجاه سوريا، أو على الأقل إلى تغيّر في درجة التواصل والتنسيق مع دمشق، وهو مبدأ قد يعمم على الدول العربية التي كانت قطعت علاقاتها مع سوريا عام 2012، وأيدت المعارضة السورية، وطالبت بإزاحة بشار الأسد من السلطة؛ ثم أبدت مرونة أكبر في موقفها من سوريا، وأكدت على ضرورة حل سياسي يضمن استمرارية الدولة السورية.

التحديات التي تواجه الدول العربية في تحقيق الاستقرار في سوريا والمنطقة بأكملها كثيرة ومتشابكة، ومن أبرزها طبقا لحديث عبيد، التوافق على حل سياسي شامل وعادل للأزمة السورية، يحفظ وحدة وسيادة سوريا، ويرضي مطالب الشعب السوري في التغيير والديمقراطية والحرية.

أيضا دعم عملية التحقيق والمحاسبة في جرائم حقوق الإنسان والحرب التي ارتُكبت في سوريا، والضغط على جميع الأطراف المتورطة لوقف انتهاكاتها والإفراج عن المعتقلين والمختفين، فضلا عن توفير المساعدات الإنسانية للشعب السوري داخل سوريا وخارجها، وتخفيف معاناته من نقص المواد الغذائية والصحية والتعليمية.

كذلك تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم بشكل آمن وطوعي وكريم، مع احترام حقوقهم وضماناتهم، ومواجهة التدخلات الخارجية في شؤون سوريا، سواء من قبل إيران أو تركيا أو إسرائيل أو غيرها، والحد من نفوذ الميليشيات المسلحة التابعة لهذه الدول.

أما التحدي الأبرز، هو دعم جهود إعادة إعمار سوريا، مع ربط ذلك بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في سوريا، وضمان شفافية وإدارة جيدة للموارد، وتعزيز التضامن والتعاون بين الدول العربية في مواجهة التحديات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب والتطرف، والتصدي لآثار التغير المناخي، والترويج للتكامل الإقليمي.

يبدو أن تلك التصريحات ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي رسائل مباشرة تحمل الكثير من الأهمية والتأثير، وتشكل مفاتيح لفهم التوجهات السياسية للدول العربية تجاه سوريا وتأثيرها على مستقبل المنطقة بأكملها، حيث سيكون لهذه التصريحات دور كبير في تحديد مسار الأحداث السياسية في الفترة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات