منذ عام 2011، تشهد الحدود السورية مع لبنان والأردن توترا واشتباكات متكررة بين عدة جهات بسبب عمليات التهريب وأبرزها المخدرات، ومن بين هذه القوات، تبرز “الفرقة الرابعة”، وهي وحدة عسكرية خاصة تتبع لماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، وتُعتبر من أقوى وأنفذ القوات في الجيش السوري. 

لكن هذه الفرقة ليست فقط مشاركة في القتال ضد الخصوم السياسيين والعسكريين لحكومة دمشق، بل هي أيضا متورطة في أنشطة غير قانونية مثل تهريب المخدرات والبشر عبر الحدود السورية، وهذه الأنشطة أثارت ردود فعل عنيفة من قبل القوات اللبنانية والأردنية، التي قررت استهداف حواجز “الفرقة الرابعة” قرب الحدود السورية، بسبب تأثيرها السلبي على الأمن والاستقرار في المنطقة.

خطة جديدة للتعامل مع التهريب

في بداية عام 2022، أصدر الجيش الأردني بيانا، ذكر فيه أن تغيير قواعد الاشتباك يجعله يضرب بيد من حديد كل من يقترب من حدود الأردن، إلا أن هذه التهديدات لم تثنِ جماعات التهريب الذين يتعاونون مع الجيش السوري من الاستمرار، حتى رغم دخول سوريا ضمن لجنة عربية لمكافحة آفة المخدرات التي تأتي عبر حدودها، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي قبل أيام.

كذلك على الحدود اللبنانية، رغم إعلان الحكومة رسميا عن خطة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، إلا أن هذه الخطة قوبلت بحملة نزوح جديدة ممنهجة، تتخذ من الطرق التي تتمركز عليها حواجز “الفرقة الرابعة” ممرا لها، حيث أعلن وزير المهجّرين اللبناني من أن عدد السوريين الذين دخلوا إلى لبنان فقط في آب/أغسطس الفائت نحو 8 آلاف سوري، ومنذ بداية العام تجاوز العدد 20 ألف نازح.

على إثر ذلك، وصل لـ”الحل نت”، معلومات حصرية حول وضع عناصر وحواجز “الفرقة الرابعة” في مرمى النيران، وهذا القرار هو ليس مجرد رد فعل عفوي بل هو جزء من استراتيجية أوسع، خصوصا أن حواجز الفرقة تقع في منطقة تعتبر نقطة عبور حيوية لعمليات تهريب المخدرات والبشر.

فعلى الرغم من التحذيرات المتكررة للحكومة السورية، إلا أن تهريب المخدرات والبشر استمر بشكل لافت، فأمس الثلاثاء، أعلن الجيش الأردني، إسقاط طائرتين مسيرتين محملتين بمادة “الكريستال” المخدرة قدمتا من الأراضي السورية، وذلك بالتنسيق بين قوات حرس الحدود وإدارة مكافحة المخدرات والأجهزة الأمنية العسكرية.

مشايخ السويداء يتبرأون من إنتاج “الكبتاغون”

بيانات القوات المسلحة الأردنية، أظهرت تسجيل 88 حالة طيران مسيّر على واجهات المناطق العسكرية المختلفة منذ بداية 2023 وحتى 24 أغسطس/آب، موزعة بين حالات الإسقاط أو الرصد والتشويش، إضافة إلى التصدي لما مجموعه 194 عملية موزعة بين 81 محاولة تهريب أو تسلل، و98 عملية تسلل مضبوطة، و15 عملية تهريب مضبوطة.

في عام 2022، كانت محاولات وعمليات التسلل والتهريب بمجموع 383 محاولة، موزعة بين 218 محاولة تهريب أو تسلل، و120 عملية تسلل مضبوطة، و45 عملية تهريب مضبوطة، كما سجلت عمليات التسلل المضبوطة في 2022 حتى نهاية شهر أغسطس/آب  75 عملية، بينما بلغت 98 عملية تسلل مضبوطة في 2023 حتى نهاية أغسطس 2023.

ومع تواصل الاحتجاجات في محافظة السويداء لليوم الثامن والثلاثين على التوالي، ازدادت تحذيرات مشيخة العقل من خطر تصنيع وتجارة المخدرات على المجتمع السوري ودول الجوار، وقال الشيخ حكمت الهجري في تصريحات إعلامية وبعد اتصال هاتفي تلقاه من نائبة في البرلمان الأوروبي، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية كاترين لانغزيبن، “هناك خطر كبير يتربص بالمجتمع السوري، وهو انتشار المخدرات التي تصنّعها في مناطقنا ميليشيات أجنبية إرهابية”.

الهجري وصف هذا الخطر بأنه حقيقي وعابر للحدود، وشدد على أن أهالي الجنوب السوري “أبرياء مما تفعله العصابات التي تقوم بتصنيع وتهريب المخدرات، وتستهدف الأمن والسلم الإقليمي والدولي”.

كما أعلن الشيخ حمود الحناوي الذي يدعم مع الشيخ الهجري الحراك الشعبي في السويداء، أن “المخدرات لا تبني وطناً.. لا بارك الله فيها، ولا من يصنعها أو يتاجر بها أو يتعاطاها”.

السيناريو الجديد في المنطقة

دمشق متهمة دوليا وإقليميا بالضلوع بتسهيل عمليات تصنيع وتهريب المخدرات إلى الدول المجاورة، وفرضت الإدارة الأميركية هذا العام تطبيق قانون عقوبات جديد على دمشق، يهدف إلى تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات المرتبطة بالرئيس السوري الذي حوّل سوريا إلى مكان مجهز بالكامل لصناعة المخدرات، وترتيبها وتجهيزها للتصدير، ثم إيصالها إلى شبكات التهريب وبيعها خارج البلاد، وفق نص القانون.

بناء على تلك المعطيات، يرجح الباحث والمختص بالشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، في حديث سابق لـ”الحل نت”، أن الأسباب التي دفعت الأردن إلى النظر بالتدخل العسكري في جنوب سوريا هي تزايد عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى المملكة، في حين أن الأردن وشعوره بالقلق من تواجد الميليشيات المدعومة من إيران على الحدود الأردنية السورية يأتي بالدرجة الثانية، وهذا السيناريو ينطبق على لبنان أيضا.

التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي تشير إلى تصاعد نشاط تهريب المخدرات عبر الحدود بين الأردن وسوريا يمكن تفسيرها بأنها رسالة إلى الرئيس الأسد والحكومة السورية بالمقام الأول، ويليهما المجتمع الدولي بضرورة التعاون مع الأردن لوقف هذه الظاهرة الخطيرة وفق معلوف، والتي تُستخدم لتمويل المليشيات التي تنشط على الحدود الأردنية، والتي تعبّر عن استعداد الأردن لاتخاذ الإجراءات اللازمة من ضمنها التدخل العسكري في الجنوب السوري، إذا لزم الأمر.

الفرقة الرابعة المخدرات

وفقا لنتائج التقارير والأبحاث الدولية، فإن “الفرقة الرابعة” تسهّل عبور شحنات من مخدر “الكبتاغون”، وهي مادة محظورة تُستخدم كمنشط، عبر معابر خاصة تشرف عليها، كما تشير بعض الأدلة إلى أن “الفرقة الرابعة” تتعاون مع “حزب الله” اللبناني، في تجارة المخدرات، ونقل وتهريب البضائع والبشر.

أما بالنسبة للأموال التي تدرّها عملية تهريب المخدرات والبشر في سوريا، فلا يوجد رقم دقيق يمكن الاعتماد عليه، لكن بعض التقديرات تشير إلى أنها تتجاوز الصادرات القانونية للبلاد

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فإن سوريا أصبحت أحدث مصدر للحبوب المخدرة في العالم، وأن عمليات المخدرات تدرّ ملايين الدولارات، وقد فرضت بريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على قائمة من الأشخاص، بينهم اثنان من أبناء عموم الرئيس الأسد، يشتبه بتورطهم في تجارة “الكبتاغون”.

هذا الموضوع يكشف عن سيناريو دولي جديد بسبب وجود فساد وانفلات وتناقض في الجيش السوري، وعن وجود تحديات ومخاطر كبيرة على الأمن القومي والإقليمي، وعن وجود تداخل وتصادم بين المصالح السياسية والمصالح الاقتصادية والمصالح الأمنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات