حالةٌ من الارتباك تشهدها الأجواء السياسية بالعراق، في ظل فشل المكوّن السّني في اختيار خليفة لــ”محمد الحلبوسي” على رئاسة مجلس النواب العراقي، وهو أعلى منصب تشغله الأقلّية السّنية في البلاد. ففي سابقة هي الأولى، ألغت المحكمة العراقية، في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، عضوية محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب العراقي، ما أحدث حالة من الفوضى؛ طالت العملية السياسية الهشّة، والتي تقوم على حسابات طائفية شديدة الحساسية.

إقالة الحلبوسي أنعشت من جديد خطاب المظلومية الطائفية، والذي كثيراً ما ساعد على عودة الساسة المعزولين إلى مناصبهم، مثلما حدث مع عمار يوسف حمود، نائب رئيس الحزب الإسلامي العراقي (الذراع السياسية للإخوان المسلمين)، وعضو مجلس النواب عن محافظة صلاح الدين، والذي أُقيل من مجلس المحافظة، الذي كان يرأسه في العام 2013، إثر اتهامه بالإرهاب، مع إحالة ملف اتهامه إلى “مجلس شورى الدولة”، قبل أن تفلح إدعاءات تهميش السّنة في إعادته للحياة السياسية بحكم من المحكمة.

الحلبوسي يتوعد خصومه

الحلبوسي استخدم الخطاب نفسه، في ردّة فعله على الحكم الصادر ضدّه، حيث أشار إلى الدور الخفي، لأولئك الذين يعملون على زعزعة استقرار العراق، وخلق بيئة ملائمة للإرهاب. ومن المتوقع أن ينجح الحلبوسي؛ بفعل الضغط وتعاظم نفوذه وارتباطاته، في العودة، على الأقل إلى ممارسة العمل السياسي.

نائب الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي عمار يوسف حمّود يزور مضيف عشيرة السادة البو رحمن- “موقع الحزب الإسلامي العراقي”

الحلبوسي، قال إن “هناك مَن يسعى إلى زعزعة استقرار البلاد، وتفتيت مكوناتها السياسية والاجتماعية”. ووصف حكم المحكمة بأنه “غريب”. وشدّد الحلبوسي، على أنه وحزبه “جاؤوا من مجتمعٍ عارض العملية السياسية حتى العام 2014”. وقد ساهمت هذه المعارضة المتعددة الأوجه، بحسب قوله، في سقوط ثُلث الأراضي العراقية في قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي.

وفي مؤتمر صحفي عقده رئيس البرلمان المُقال، في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، رفض الحلبوسي قرار المحكمة العليا، بحجة أن الدستور العراقي يمنح المحكمة سلطة الفصل في الاتهامات الموجّهة ضد رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ولكن ليس لها سلطة النظر في الجرائم، أو توجيه اتهامات لرئيس مجلس النواب وأعضائه، وليس لها صلاحية عزلهم من مناصبهم. بحسب تصريحاته.

يُذكر أن الحلبوسي، تمّ انتخابه نائباً عن محافظة الأنبار الغربية في العام 2014، ثمّ استقال من منصبه؛ ليشغل منصب محافظ الأنبار في العام 2017. ثمّ فاز بمقعد في الانتخابات البرلمانية في العام 2018، وانتُخب رئيساً رابعاً لمجلس النواب العراقي، وفي العام 2022، أصبح أول نائب يتم انتخابه مرتين لرئاسة مجلس النواب.

خارطة معقّدة للمكوّن السّني

خارطة المكوّن السّني في البرلمان العراقي شديدة التعقيد، حيث يتزعم محمد الحلبوسي كتلة “تقدّم” (37 نائباً)، داخل تحالف السيادة السّني الذي يقوده خميس الخنجر، والذي يضم كتلة “عزم” برئاسة مثنى السامرائي (34 نائباً)، وهو التحالف الذي عصفت به الخلافات، مع استقالة عدد من النواب وإبعاد آخرين.

الفصيل السّني الثالث داخل مجلس النواب، هو “تحالف الحسم الوطني”، والذي يضم جميع القوى السّنية في العاصمة، ويتزعّمه وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي.

ومن وراء الكواليس، يلعب “الحزب الإسلامي العراقي” عدة أدوار؛ بعدما انتقل إلى منطقة الهامش السياسي، في ظل تراجعه على الساحة السياسية العراقية، حيث قرّر “الإخوان المسلمين” الدخول في لعبة التحالفات، ربما من أجل العودة إلى المشهد، حيث وقف الحزب بالمرصاد للحلبوسي، الذي أظهر عدم ميله لتيار الإسلام السياسي، فغذّى “الحزب الإسلامي” موجة العِداء لسياسات رئيس البرلمان السابق، فيما يشبه الحرب الدعائية، على كافة المنابر المتاحة.

من جهة أخرى، أكد مصدر سياسي عراقي مطلع لـ “الحل نت”، أن فارس يونس، نائب رئيس “الحزب الإسلامي”، حاول بناء موقف إخواني موحّد في العراق، من خلال إجراء عدّة ترتيبات مع “حركة العدل والإحسان” الإخوانية، والتي تضم مجموعة من القيادات البارزة، التي انشقت قبل سنوات عن “الحزب الإسلامي”، وعلى رأسها صهيب الراوي، محافظ الأنبار السابق.

يونس التقى صهيب الراوي، في حضور حسين الزبيدي، عضو المكتب السياسي، ومسؤول مكتب العلاقات في “الحزب الإسلامي العراقي”، لوضع اللمسات الأخيرة على خطة إزاحة الحلبوسي، حيث دشّن الراوي حملة عدائية اتهم فيها صديق الأمس بالفساد، وامتلاك القصور والسيارات، والتّربح من منصبه.

ترتيبات معقّدة جرت على الساحة السياسية العراقية، في أعقاب استقرار الإخوان على دعم عيسى الساير، حيث خرج فارس يونس في حديث متلفز، ليعلن أن عيسى الساير هو الأنسب لخلافة الحلبوسي، بداعي أنه من نفس الدائرة.

وبحسب المصدر، فإنه في أعقاب الإطاحة بالحلبوسي، سافر حسين الزبيدي إلى تركيا، حيث التقى قيادة إخوانية بارزة في مكتب إسطنبول، في حضور مسؤول رفيع في “حزب العدالة والتنمية” الحاكم بأنقرة، وفي هذه الجلسة تمّت تسمية مرشح الإخوان لخلافة الحلبوسي، بالاتفاق على اختيار عيسى الساير، قائد ميليشيا “حماس العراق”، وكان أحد قيادات “الحزب الإسلامي”، والذي أُقيل من منصب قائمقام الفلوجة، في أعقاب اتهامه بممارسة عمليات تصفية بين أبناء المكوّن السّني المعارضين له.

ترتيبات معقّدة جرت على الساحة السياسية العراقية، في أعقاب استقرار الإخوان على دعم عيسى الساير، حيث خرج فارس يونس في حديث متلفز، ليعلن أن عيسى الساير هو الأنسب لخلافة الحلبوسي، بداعي أنه من نفس الدائرة. بالتزامن مع ذلك، حسم رشيد العزاوي، الأمين العام “للحزب الإسلامي”، مع خميس الخنجر؛ رئيس “تحالف السيادة”، مسألة دعم الساير، بحيث أصبح الأخير أبرز مرشّحي “كتلة عزم”؛ لخلافة الحلبوسي.

وفي تحوّل مفاجئ، يشي بطبيعة التحولات على الساحة العراقية، قررت محافظة الأنبار إعادة عيسى السائر إلى منصب قائمقام الفلوجة، وانهاء تكليف جمعة أحمد عبد حمادي من مهام المنصب ذاته؛ ما يعني أن مخطط الإخوان الرامي إلى الدفع بأكثر عناصر الجماعة راديكالية وعنفا، أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقق.

عقبات أمام طموحات الإخوان

في المقابل، فإنه ثمة عقبات تقف أمام طموحات “الحزب الإسلامي العراقي”، لعل أبرزها هي الممانعة التي يبديها إسماعيل النجم، زعيم الذراع الإخوانية الأخرى، المتمثلة في “حركة العدل والإحسان”، حيث رفض النجم دعم عيسى الساير، وقررت الحركة دعم مرشح “تحالف الحسم الوطني”، طلال الزوبعي، أو أيّ مرشح آخر للتحالف، الأمر الذي أزعج حسين الزبيدي، والذي التقى صهيب الراوي، بحسب المصدر المطلع، وطالبه بتوحيد المواقف، لكن الراوي أكد أن “حركة العدل والإحسان” تعمل ضمن تحالف الحسم، ولا يمكن لها، وفقا للاعتبارات السياسية، الخروج على قرارات التحالف ومواقفه الاستراتيجية، وإن اتفق الطرفان على رفض أي مرشح تتقدم به كتلة تقدم.

بالتالي، يلعب الإخوان في العراق على وتر الانقسام السني، على غرار ما حدث داخل الإطار التنسيقي الشيعي، إبان انسحاب التيار الصدري، حيث يسعى “الحزب الإسلامي” بالتحديد، إلى شغل المقاعد التي أخلتها “كتلة تقدم”، ودفع حكومة محمد شياع السوداني، إلى إجراء انتخابات مبكرة، بالتزامن مع اتباع سياسات مرنة، بخصوص التعاطي مع الحكومة، عبر الإشادة بمواقف السوداني فيما يتعلق بالحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة “حماس” في غزة، ورفض مهاجمة المصالح الأميركية في العراق؛ بداعي مساندة الدولة وعدم إحراج الحكومة.

تحركات الإخوان في الهامش، تشي بجملة من التحالفات الخفية، خاصّة مع “كتلة عزم”، وتجمع تنمية في محافظة صلاح الدين- “الصورة من الإنترنت”

التطوّر المهم الذي يجب مراقبته هو موقف حكومة السوداني، الذي امتنع عن التعليق على إقالة الحلبوسي حتى الآن، وطالب بعدم التسرع في اختيار خليفة له، حيث يضغط من أجل الوصول إلى توافق سني حول المنصب، وفي نفس الوقت يراقب موقف كتلة تقدم، بعد أن أعلنت عزمها الاستقالة، والامتناع عن حضور جلسات البرلمان. 

وربما يلجأ السوداني إلى إجراء انتخابات وطنية مبكّرة؛ للتخفيف من تداعيات الصراع حول منصب رئيس البرلمان؛ في أكبر أزمة تواجه حكومته، بعد أزمة انسحاب “التيار الصدري”، خاصّة بعد استقالة ثلاثة وزراء موالين للحلبوسي وهم: وزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد فكاك البدراني؛ ووزير التخطيط ونائب رئيس الوزراء محمد تميم؛ ووزير الصناعة خالد بتال. 

لكنّ قرار إجراء انتخابات مبكّرة، ربما يكون أكثر تعقيداً من اختيار رئيس البرلمان، حيث تلزمه مشاورات معقّدة داخل “الإطار التنسيقي”، وأخرى أكثر تعقيداً مع طهران ووكلائها على الساحة العراقية.

وعليه، لم تتضح بعد أفق الحل السياسي، لكن تحركات الإخوان في الهامش، تشي بجملة من التحالفات الخفية، خاصّة مع “كتلة عزم”، وتجمع تنمية في محافظة صلاح الدين، لكن اختيار الساير قد يقف أمامه “فيتو” أميركي؛ في ظل الاتهامات الموجّهة للأخير، وخطابه المناوئ للتواجد الأميركي في العراق، وتبقى كل السيناريوهات مفتوحة، في ظل حالة الانقسام التي يغذّيها المخطط الإخواني الرامي إلى اقتناص أعلى منصب سياسي للسّنة في العراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات