يبدو أن قطاع السياحة في سوريا هذا العام كان أفضل من الأعوام العشرة السابقة، حيث كشف وزير السياحة السوري، محمد رامي مارتيني، اليوم الخميس، عن أعداد الأجانب والعرب والسوريين الذين زاروا سوريا خلال عام 2023.

وصرح مارتيني لصحيفة “الوطن” المحلية، أن أكثر من 2 مليون شخص زاروا سوريا خلال 2023، منهم 1.75 مليون عربي و250 ألفاً من الأجانب معظمهم يحملون الجنسية الروسية، الباكستانية، الإيرانية والهندية، منهم 213 ألف زائر “للمواقع المقدسة”.

السياحة في سوريا

نحو ذلك، بيّن مارتيني أن عدد النزلاء العرب والأجانب في الفنادق وصل إلى حوالي 360 ألف نزيل منهم 300 ألف عربي، في حين بلغ عدد النزلاء السوريين نحو 985 ألف نزيل، قضوا 3.4 مليون ليلة فندقية.

وزاد مارتيني بالقول: “إن رقم الأعمال المقدر تحقيقه في الفنادق العائدة بملكيتها للوزارة (داما روز– شيراتون دمشق– فندق ومنتجع لاميرا – فندق شهبا حلب) بلغ خلال هذا العام 125 مليار ليرة سورية، مقارنة مع 56 مليار ليرة العام الماضي، بنسبة ارتفاع تجاوزت 120 بالمئة.

من جهة أخرى، كشف مارتيني أن هذا العام تم ترخيص 62 منشأة سياحية وفق القانون 23، مبيناً أنه تم إنجاز التوازن المالي لموقع فندق جولدن بيتش في اللاذقية وإرسال ملحق العقد إلى مجلس المدينة.

عائدات السياحة

في المقابل، نوّه وزير السياحة إلى أن إجمالي الرّبح المقدر للفنادق هو 28 مليار ليرة مقارنة مع 11 مليار ليرة خلال العام الماضي 2022 بنسبة ارتفاع 145 بالمئة، طبقاً لـ”الوطن” المحلية.

على الرغم من وصف وزارة السياحة موسم السياحة بسوريا بأنه ”جيد جداً”، والأعداد الكبيرة من السّياح والمغتربين الذين زاروا البلاد خلال فصل الصيف لوحده وصلت إلى ما يقارب 1.5 مليون سائح. وهو ما يعني صرف 1.5 مليار دولار وسطياً، إلا أن هذا الأمر لم ينعكس على سوق الصرف الأجنبي على الإطلاق، بل على العكس تتدهور الليرة السورية يوما بعد الآخر مقابل النقد الأجنبي، حيث وصل سعر الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية لنحو 14360 ليرة.

بالتالي تثار تساؤلات حول “لمن تذهب هذه الإيرادات ولماذا لم تنعكس على سعر الصرف”، وهو ما يراه مراقبون أنه إما أن أرقام وزارة السياحة غير صحيحة، أو أن هذه الإيرادات تذهب إلى جيوب السلطات وأصحاب النفوذ الذين هم بطبيعة الحال تابعين ومرتبطين بشكل غير مباشر برجال الدولة بدمشق.

فندق داما روز بالعاصمة دمشق- صفحة الفندق على الفيسبوك

ففي تقرير سابق لصحيفة “البعث” المحلية، أشار إلى أن الأثر المالي والاقتصادي لأرقام السياح الذي أصدرته وزارة السياحة مؤخراً، فعلياً لم يأتِ بثماره وآثاره الإيجابية بما يفرضه المنطق، حيث سجل سعر الصرف في ذروة الموسم أرقاما قياسية خلافا للمتوقع بعد ضخ كتلة نقدية من القطع في السوق، سواء الرسمية منها أو الموازية.

وإن كانت وزارة السياحة السورية قد كشفت عن زيارة مليون و450 ألف زائر حتى نهاية شهر آب/أغسطس الفائت إلى البلاد، إضافة إلى أكثر من مليون و300 ألف سوري بينهم مئات آلاف المغتربين، وتجاوز الإشغالات في الساحل 90 بالمئة، وفي دمشق وحلب 75 بالمئة، فهذا يعني أن مئات آلاف الدولارات تم تصريفها بما يحقق على الأقل استقراراً بسعر الصرف إن لم يكن تخفيضاً، غير أن السعر استمر بالارتفاع، وهو اليوم ورغم نهاية الموسم السياحي وتوقعات ارتفاعه أكثر، إلا أنه أقل مما كان عليه في ذروة الموسم.

خلال تموز/ يوليو الماضي، كشفت وزارة السياحة أن مليون سائح زاروا سوريا في النصف الأول من العام، وأرباحهم بلغت أكثر من 7 مليارات ليرة من الفنادق العائدة على الوزارة. وقالت إنه نهاية الشهر السادس من عام 2023، ازداد عدد السياح بنسبة 37 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2022، حيث بلغ عدد السّياح حوالي مليون قادم منهم 880 ألف قادم عربي، و120 ألف أجنبي، منهم 96 ألف زائر للمواقع المقدسة.

أرقام وزارة السياحة أثارت موجة انتقادات وسخرية واسعة بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبروا أنه رغم أن الحكومة تجني أرباحا كبيرة من العديد من قطاعاتها ومنها قطاع السياحة، إلا أن الواقع في تدهور متصاعد، بينما علّقت متابعة أخرى بشكل ساخر، “شو رأيكن تجيبولنا فيهن الكهربا”، في إشارة واضحة إلى مدى تخبط الحكومة وتملّصها من تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.

فيما علّق آخر بسخرية، “السياحة في ارتفاع والكهرباء معدومة، وسياحة في بلد يعجز المواطن فيه عن دفع أجرة المواصلات إلى مكان عمله”. بينما دعا آخرون الحكومة إلى توظيف هذه الأرباح لخدمة المواطنين، قائلين “يشيلولون كم مليار للكهربا حاج بهدلة، نحنا ما تغير علينا شي لا كهربا متل الخلق ولا الأسعار”.

كما وينتقد نسبة كبيرة من السوريين بشكل لاذع تصريحات وزارة السياحة، إذ يقولون متسائلين “أنا كمواطن ما فيه يسافر من بيته بريف دمشق لدمشق تيروح على مطعم فروج.. شو وضعه”، فيما أشار البعض إلى مدى تدهور الوضع المعيشي في البلاد “الدولار بـ 14 ألف ليرة وأكتر وكهربا مافي وخلصت سوريا بخير”.

سياسات اقتصادية “خاطئة”

في السياق، كشف الخبير الاقتصادي السوري، جورج خزام، في وقتٍ سابق أن “مصرف سوريا المركزي” اتخذ جملة من السياسات المالية الخاطئة التي كانت مدمرة للاقتصاد الوطني وسعر صرف الليرة السورية. 

كما نوّه خزام إلى أن “المركزي السوري” يفتقد للخبرة العلمية في اقتصاد السوق، وأن ضعف الأدوات المالية لديه في التأثير على سعر صرف هو السبب في استمرار انهيار الليرة السورية.

خزام قال في منشور على صفحته الشخصية على منصة “الفيسبوك” قبل يومين، إن “المركزي السوري” هو الجيش الوحيد والأقوى للدفاع عن الليرة السورية وهو الكيان المالي الأكثر أهمية وموثوقية الذي يعطي الأمان للتجار والصناعيين ولأموال السوريين الموجودة لديه، لكنه لفت إلى جملة من تلك القرارات التي أصدرها “المركزي السوري” والتي كانت سبب انهيار الليرة، ولعل أبرز تلك الإجراءات، تقييد حرية سحب ونقل الأموال، حيث كانت السبب بتوقف الإيداعات بالبنوك والتحول للسوق السوداء لشراء الدولار لسهولة نقله وتخزينه.

طبقا لتحليل خزام، فإن منصة تمويل المستوردات سيئة السمعة كانت السبب بتراجع كمية البضائع والمواد الأولية المعروضة للبيع وزيادة التكاليف، ومعه تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار وزيادة البطالة والكساد بالإضافة لتشجيع الاحتكار لبعض المستوردين.

كما أن قرار منع استيراد قائمة طويلة من المستوردات الضرورية بحجة تخفيض الطلب على الدولار، كانت نتيجتها تراجع الإنتاج وتصفية الكثير من المصالح التجارية والصناعية وزيادة البطالة وهروب رؤوس الأموال للخارج بالدولار بالإضافة لتنشيط التهريب. وهو من أهم الأسباب في تدهور اقتصاد سوريا ككل وليس فقط تراجع الليرة.

من القرارات الحكومية الخاطئة أيضاً، تعهّد التصدير وذلك بتسليم المصدّرين نصف قيمة صادراتهم بالدولار بسعر المركزي ومعه تكبيدهم خسائر من فرق التصريف ومعه تراجعُ الصادرات والدولار بالسوق وزيادة الكساد، كذلك إلزام الكشف عن مصدر تمويل المستوردات والإيداعات وبالتالي هروب رؤوس الأموال للخارج بالدولار خوفا من مصادرتها بحجة عدم شرعيتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات