أصبحت ظاهرة التسوّل (الشحادة) على منصات التواصل الاجتماعي، مثل “تيك توك“، “البيغو لايف“، و”البوبو لايف”، جزءاً لا يتجزأ من حياة الفنانينَ السوريين في الوقت الحالي. ومع أن هذه الظاهرة كانت موجودة بشكل معزول، إلا أنها أصبحت تلفت الانتباه بشكل كبير عندما بدأ عددٌ كبير من الفنانينَ السوريينَ بممارسة التسوّل عبر هذه المنصات. 

حيث دعا الفنانون السوريون المشاهدينَ المشاركينَ من خلال البثّ المباشر على هذه البرامج بعبارات مثل “دعمونا مشان الله مندعيلكم”، وهذا الأمر يفتح الباب أمام التساؤلات حول النظرة التي تسيطر على جزءٍ من النخبة الفنية في سوريا في قطاع مهني محدد. ويبدو أن هذه النخبة تختلف عن الصورة التي كانت تتبناها في زمن “البحبوحة” أو زمن صعود الدراما السورية. بدلاً من ذلك، يعيش الفنانون زمناً يتعرضون فيه لتحدّيات اقتصادية تؤثّر على قيمهم ومبادئهم.

مع التضخم وارتفاع الأسعار في مناطق “الحكومة السورية”، يصبح الفقر والانعدام الاقتصادي جزءاً لا يتجزأ من الحياة في تلك المناطق، مما يضطر السوريون إلى اتخاذ خيارات حياتية قد لا تكون مقبولة بالنسبة للكثيرين من أبناء البلد المحبّين للحياة السورية وإنسانيتها. هذا الواقع دفع العديد منهم إلى استكشاف محطّات وطرق كسب لم تكن موجودة سابقاً في حياتهم.

فنانون سوريون: “تيك توك” هي وسيلة للتواصل

من بين الفنانين السوريين، يبرز جرجس جبارة، الذي أعلن في مقابلة تلفزيونية مع “قناة الجديد”، أن وضعه المالي مستقر وأنه لا يحتاج إلى استخدام منصة “تيك توك” كمصدر دخل، بل يرى فيها فرصة للتواصل مع الجمهور وتجاوز الحواجز بينهم، مناقشاً مواضيع متنوعة بعيداً عن الدين والسياسة. ويذكر جبارة أنه يفضّل الانسحاب من المنصة إذا وجد الحوارات أو النقاشات دون المستوى المطلوب. كما لفت إلى أنه تعرّض للنقد بسبب مشاركته في “تيك توك”، حيث واجه تعليقات تستنكر ظهوره على المنصة بالقول، “ما بتستحي على شيبتك طالع على ‘تيك توك’؟”، وأجاب جبارة على هذا النقد بإيجابية مؤكداً على صداقته مع التكنولوجيا ومشاركته في منصات أخرى مثل “فيس بوك” و”إنستغرام” تحت أسماء مستعارة، نظراً لتجاربه السابقة مع التنمّر من قبل الجمهور.

منصة “تيك توك” تمثّل وسيلة مشروعة لكسب العيش، وأن كل فنان له الحق في استخدامها كما يراه مناسبًا.

الفنان علاء قاسم

بدوره، ردّ الممثل علاء قاسم على تصريحات الفنان عابد فهد، الذي وصف ما يقوم به الفنانون السوريون على منصة “تيك توك” بأنه عمل معيب في مقابلة تلفزيونية عُرضت على شاشة “SBC”. قاسم، أوضح أن “تيك توك” تمثّل وسيلة مشروعة لكسب العيش، وأن كل فنان له الحق في استخدامها كما يراه مناسبًا. كما أضاف أن الفنانين السوريين يواجهون ضائقة مالية ونقصاً في فرص العمل ضمن قطاع الإنتاج التلفزيوني والدرامي، ما يدفعهم إلى البحث عن مصادر دخل بديلة بعيداً عن التمثيل. من جهتها، وافقت الفنانة السورية عزة البحرة، على هذا الرأي، حيث صرّحت في تصريح خاص لموقع “الحل نت”، أنه بالنظر إلى قلّة الأعمال التلفزيونية وسيطرة منتجي المسلسلات على حياة الفنانين وإقصاء بعضهم، فإنه من حقّ الفنان السوري البحث عن مصادر دخل أخرى. واختتمت الفنانة البحرة تصريحها بالقول: “الله يكون بعون الناس على تدبير معيشتهم”.

بدوره، أوضح الممثل خالد حيدر، وعن زملائه الفنانين السوريين، أن الحالة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها السوريون، بما في ذلك الفنانين الذين لا يعملون، هي التحدي الرئيسي الذي يواجههم. وأكد حيدر أن السبب الرئيسي وراء مشاركة الفنانين في “تيك توك” هو حاجتهم إلى العمل. وطالب بوضع أسئلة حول دوافع الفنانين وخلفياتهم، وإعطاء الفنانين الفرصة للتعبير عن أنفسهم قبل الحكم عليهم. وأشار حيدر إلى أن النقد، سواءً جاء من إعلامي أو صحفي أو من زملاء فنانين، أو حتى من الناس العاديين، يجب أن يكون بطريقة وجدانية. وسأل إذا كان كل هؤلاء يخافون على مصلحة الفنان السوري؟ ثم أضاف: “ما هي المشكلة في المنصة وتوجّهها؟ ماذا يرغب هؤلاء من الفنانين؟ ما هي خلفياتهم؟ بالأساس، يجب سؤال الفنانين، ويجب سؤال شركات الإنتاج الدرامي التي لا تشغّل هؤلاء الفنانين؟ قبل أن يطلق هؤلاء الأحكام بأن الفنانينَ نزلوا من عين الاعتبار؟”. وأكّد في النهاية أنه يتوجّه باسمه الشخصي، قائلاً: “منصة ‘تيك توك’ عزتني وحمتني أكثر مما حمتني وعزتني مهنتي”.

أما الفنانات السوريات جيما دريوسي، آلاء محمد، جيهان عبد العظيم، وأماني الحكيم، فكنّ في بث مباشر، حيث تحدّثن عن منصة “تيك توك”. صرحت آلاء بأنها تعتبر منصة “تيك توك” أسرع وسيلة للحصول على الأموال. فيما قالت جيما دريوسي، إن الفنان المشارك في “تيك توك” يسعى للتواصل مع الناس والحديث معهم، وليس من أجل “الفلوس”. بينما رأت الفنانة جيهان عبد العظيم، أن “الحديث عن مستقبل السوريين أهم من الحديث عن حضور الفنانين السوريين على ‘تيك توك'”. بينما تساءلت أماني الحكيم: “هل الهجوم على الفنانين لأنهم سوريين أم لأنهم على منصة ‘تيك توك’؟”.

منصة “تيك توك” هي أسرع وسيلة للحصول على الأموال من الجمهور

الفنانة آلاء محمد

الـ”تيك توك” فتحلي باب مع الله

الفنان نزار أبو حجر في لقاء منفصل في برنامج “مع رابعة” على “قناة الجديد”،  قال:” رحت إلى (تيك توك) لأنه بدنا نتسبب، نعيش من (تيك توك)، وقليلاً من شغل التمثيل، هناك شركة صاحبها فراس الجاجة عراب الدراما السورية عنده منصة عرض علي العمل معهم، في منصة التيك توك نعمل حوارات، مشاكل، ضحك، أفكار، مشاكل من أجل الضحك”.

تسأله المذيعة رابعة: عم تطالع مصاري كتير من “تيك توك”؟ يرد عليها أبو حجر:”ساترها الله، أحسن ما احتاج اي شركة انتاج، وأحسن ما احتاج مخرج ما” تسأله مجدداً رابعة: ألم تفقد هيبتك، هل تحسنت شروطك للعمل؟ يجيبها أبو حجر: “لم تفقدني واحد بالألف من هيبتي، ليش شو هو “تك توك”؟ منصة تشبه الحياة فيها كل شيء (الكبارية، الجامعي، الدكتور، المحامي، والأستاذ)، كل تلك الشخصيات موجودة على “تيك توك”، وكل إنسان يتحدث بالاتجاه الذي يناسبه، في المنصة بعمل جولات من الحوارات، لا أنفذ أحكام في حال خسارتي للجولة، ولا أعمل شروط، وتأتيني هدايا”. وأكد الفنان أبو حجر في حديثه أنه ” إذ بدك تعرفي الرزق على الله افتحي (تيك توك)، الله هو الرزاق، وليس حسب التكبيسات”. وأضاف أبو حجر أن “التيك توك حبيبي، وأموت على التيك توك، وهو فتح لي دكان مع الله، مباشر أقول فيه المضامين التي أرغب بها”. 

لكن رغم الإنسانية والسلمية والابتسامة البريئة التي يبديها الممثل نزار أبو حجر، وجد موقع “الحل نت” في إحدى “جولات التيك توك”،  يفتح نقاشاً مع الفنان وائل شرف، حول الداعمين لكل منهما، ولماذا يتّخذ كل منهما موقفاً شخصياً من داعمي الآخر، حيث يصف وائل داعمي نزار، بأنهم “عواينية بناء عما تحدث به نزار في اتصال خاص”. ويتحول النقاش بينهما إلى مشادة لفظية، وخناقة. في حين يؤكد وائل أنه يحترم كل الداعمين.

من جانبه، خاطب الإعلامي شادي حلوة رابعة خلال لقائهما على “قناة الجديد” قائلاً: “إذا كنتِ جاهزة، تعالي نطلع معاً في تحدي على ‘تيك توك’، أنا مستعد”. لتردّ رابعة الزيات عليه بأنها غير مستعدة ولا ترغب في الظهور على المنصة، ليرد حلوة بتعبيره: “ستين جهنم المصاري”. وثمة تكملة، حيث أشار حلوة إلى عدم رؤيته للإعلاميين والصحفيين في منصة “تيك توك”، بينما شاهد العديد من الفنانين. ثم سألت رابعة حلوة: “هل فقد الفنانون هيبتهم؟”، ليرد بأنهم فقدوا ليس فقط الهيبة بل أيضاً الاحترام. رابعة عادت لتؤكد أن هناك فنانين يظهرون على”تيك توك” بشكل ملحوظ، لكن حلوة ردّ بأن هناك فنانين سقطوا من رادار المتابعين بسبب تلك المنصة. 

نقابة الفنانين للـ”الحل نت”: “مالنا دخل”

كل ذلك يحدث في أوساط الفنانين السوريين وبين الشرائح الأدنى في الوسط الفني السوري، نتيجة للأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها السوريون بسبب الحرب والحصار والتضخم، الذي تعاني منه الأسواق السورية. ويعزى ذلك أيضاً إلى تدني القدرة الشرائية لليرة السورية وبالتالي تراجع دخل المواطن السوري. وعندما سأل موقع “الحل نت”  مسؤول من “نقابة الفنانين”، أجاب أن منصة “تيك توك” ممنوعة في مناطق سيطرة “الحكومة السورية”. وأضاف المسؤول الذي فضّل عدم ذكر اسمه بشكلٍ مقتضب أنه لا يوجد موقف رسمي من “نقابة الفنانين” حول البرامج الموجودة في فضاءات الإعلام، والتي يظهر فيها الفنانون السوريون. وبالتالي، يُعتبر هذا الموضوع شخصياً لكل فنان وممثل سوري. 

العديد من السوريين يعتبرون أن ما يقوم به الفنانون السوريون ينتمي إلى فئة “الشحادة” و”التسوّل”، لكن الفارق يكمن في المكان، حيث يقوم المتسوّل التقليدي بذلك في الأماكن العامة وأمام الجوامع والمتاجر المنتشرة في أماكن عديدة من الأراضي السورية. ومع ذلك، على منصات مثل “تيك توك” ووسائل التواصل الاجتماعي، يمثّل نوعاً جديداً من التسول غير المألوف في سوريا.

الفنانون الذين يعملون على هذه البرامج يعتبرون أنها وظيفة رسمية لا تعتمد على أوقات دوام رسمية في مؤسسات رسمية، بل هي وظيفة جزئية تعتمد على الحضور المباشر في البث والتفاعل مع الجمهور والداعمين. ويتطلب العمل على هذه المنصات استخدام الكاريزما والشخصية الجذابة للفنان، مما يجذب المشاهدينَ والداعمينَ لهم.

ما هو المطلوب من الفنان السوري؟

تبرز ظاهرة “التسوّل الإلكتروني” بين الفنانين السوريين على منصات مثل “تيك توك” كمؤشر على التحديات الجديدة التي يواجهها الفن و الفنانون في عصر التغيرات الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية العميقة. تطرح هذه الظاهرة تساؤلات مهمة عن دور الفن والفنان في المجتمع، وكيف يمكن للفنانين التأقلم مع الظروف المعيشية الصعبة دون التضحية بمبادئهم الفنية أو كرامتهم المهنية.

إن الفنانين، كغيرهم من أفراد المجتمع، يسعون لإيجاد سُبل للبقاء والاستمرار وسط ظروف اقتصادية متردية. هذا يثير تساؤلات بالغة الأهمية حول كيفية موازنة الحاجة إلى البقاء مع الحفاظ على القيم الفنية والأخلاقية. إن الدعم الجماهيري عبر الوسائط الرقمية يمثّل طريقة مشروعة للفنانين للتواصل مع جمهورهم وكسب الدعم المالي. ومع ذلك، فإن طريقة هذا الدعم واستقبال المجتمع له يستدعيان نقاشاً أوسع حول معايير ما هو مقبول، وما ليس كذلك للفنان السوري في ممارساته.

في هذا السياق، يُثار السؤال: هل ينبغي تحميل الفنان السوري مسؤولية الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتقلّبة؟ وهل من الضروري أن يظهر الفنانون على الشاشات معلنينَ عن حاجاتهم المعيشية والاساسية كما فعل الفنان هاني شاهين سابقاً في احدى المقابلات التلفزيونية حينما قال، ” مامعي أكل” حتى يرضى الجمهور عنهم؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات