قبل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة إلى المنطقة للمشاركة في القمة الإقليمية بالسعودية، كانت هناك عدة تحركات إقليمية بين بعض الدول سواء تركيا تجاه إسرائيل ودول السعودية والإمارات. والحديث عن جلسات حوار بين الرياض وطهران، فضلا عن تغير في تموضع الاصطفافات بين الدول التي كانت على خلافات خلال الفترة الماضية.

من هنا يطرح عدة تساؤلات حول إمكانية أن تشهد المنطقة ولادة أقطاب جديدة من حيث التأثير على صراع النفوذ والسيطرة في المنطقة، وفيما إذا كانت لهذه الأقطاب في حال تشكيلها تأثير على سوريا، أم أن هذه التغييرات ستصب في خانة تحييد إيران من منطلق أن مختلف هذه الدول تجتمع على عداء إيران إن كانت إسرائيل أو الدول الخليجية.

تفاهمات بين الخصوم أساسها “اقتصادي”

قناة “سي إن بي سي” الاقتصادية الأميركية، بثت يوم الجمعة الفائت، مقابلة مع الملك الأردني، عبدالله الثاني، إذ تطرق الأخير بدوره إلى عددا من القضايا الإقليمية والعالمية، وأشار في إجابته عن سؤال حول الحاجة لحلف مثل “الناتو للشرق الأوسط”، إلى أن الأحلاف مسألة معقدة إذا لم يتم تحديد ماهيتها ومهامها الأساسية، مؤكدا ضرورة مراعاة الارتباطات الأخرى مع دول العالم والوصول إلى الصيغة المناسبة لتكون مهمة التحالف واضحة جدا، وإلا ستربك الجميع.

وتحدث أيضا عن الحوار الذي تجريه دول المنطقة حول إمكانية بناء رؤية جديدة للإقليم، وكيفية وضع السياسة جانبا والنظر إلى الفرص الاقتصادية كسبيل لكسر الحواجز، قائلا “أعتقد أن المشاريع الإقليمية هي الكلمة المفتاحية للمستقبل” بهدف توفير فرص العمل وحياة أفضل للجميع.

أما بالنسبة حول دور إيران، قال عبدالله الثاني، إن طهران “قد تتساءل عن مكانها في هذه المشاريع الإقليمية”، مما قد يطرح السؤال عن إمكانية وضع الخلافات السياسية جانبا لخدمة شعوب المنطقة.

وأردف حول زيارة بايدن إلى المنطقة خلال الشهر الجاري، أن الزيارة قد تساهم بشكل إيجابي في النظر في كيفية تسريع المشاريع الإقليمية، وأن إحدى الرسائل التي من المتوقع أن يوجهها الرئيس للمنطقة هي “اعتمدوا على أوروبا والولايات المتحدة” وأن الغرب سينخرط بشكل فاعل في الإقليم.

ضمن هذا السياق، يرى الأكاديمي والباحث في الفكر السياسي سامح مهدي أن “الزيارة التي سيقوم بها بايدن هي بالأساس تعكس الاهتمام الطاقوي، حيث يضغط الاحتياج المتزايد للطاقة لواشنطن والغرب بإلحاح شديد، الأمر الذي يحتاج ترتيبات سياسية مختلفة، ولذلك نجد أن التحركات التي تسبق زيارة بايدن للمنطقة شملت مرافقين مع القادة من الوفود الاقتصادية وعلى المستوى الأمني (الإشارة المتكررة لأمن الموانئ والملاحة الدولية في الخليج والبحر الأحمر). والأخير يؤدي دورا استراتيجيا في مجال الطاقة، ونقل وتوريد الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا.

وأردف الأكاديمي السياسي، أثناء حديثه لـ”الحل نت”، أن “الجولات المكثفة التي قام بها قادة المنطقة قبل زيارة بايدن، خلال الشهر الفائت حزيران/يونيو، تؤشر على وجود تفاهمات تجري بين الخصوم السياسيين أساسها اقتصادي-أمني، وثمة حاجة ملحة لتخفيض حدة الصراعات والاستقطابات المحتدمة بين دول الإقليم، بخلاف ما حصل خلال العشرية الأخيرة لا سيما أن قمة العام تشهد تغييرات جيوسياسية مؤثرة”.

ووفق تقدير المراقبين، فإن الانعطافة الأميركية تجاه السعودية تعكس اضطرارا على خلفية الحاجة إلى النفط بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وتحقيق سياسة الاحتواء، أيّ احتواء طهران. إذ يثير نفوذ الإيراني المستجد في أميركا الجنوبية وأفريقيا والهند مخاوف واشنطن. وقد انتقل بايدن من سياسة “الضغط القصوى” الترامبية إلى الديبلوماسية القصوى.

كما أن إدارة بايدن خلصت إلى أن احتواء إيران أمر محتوم، كما يتطلب ذلك إعادة ترتيب العلاقات في الشرق الأوسط، ومراجعة السياسة الخارجية. وتقديرات الإدارة الأميركية الحالية تؤكد الحاجة الكبيرة إلى النفط، حتى عام 2050، بحيث لا يتراجع عن مستوياته الحالية التي يتطلبها العالم (100 ملايين برميل يوميا). علما أن الرياض لوحدها تنتج نحو 10 ملايين برميل يوميا.

أما الاستيراد الأميركي للنفط من منطقة الشرق الأوسط يصل إلى حدود 65 مليار دولار سنويا، وقرابة 30 مليارا منه مواد طاقة ونفط. كما يبلغ التصدير الأميركي إلى الشرق الأوسط والسعودية نحو 77 مليار دولار سنويا، وفق إحصاءات عام 2019، والمؤشرات كلها تتجه إلى الارتفاع لا التراجع.

هذا ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، مقالا للرأي كتبه بايدن، وكشف فيه أسباب رحلته للشرق الأوسط وخاصة السعودية.

وأوضح بايدن أن جولته للشرق الأوسط، الأسبوع المقبل، تأتي لـ”بدء فصل جديد”، في “وقت حيوي بالنسبة للمنطقة، وستعمل على تعزيز المصالح الأميركية المهمة”.

كذلك، أشار الرئيس الأميركي إلى قضية النفط المهمة والتي ستكون حاضرة خلال زيارته، وقد أكد أن الرياض “تعمل مع خبرائي للمساعدة في استقرار سوق النفط”.

قد يهمك: قواعد اللعبة تغيرت في سوريا.. هل بدأ الاستعداد للحرب؟

أحلاف للضغط على إيران؟

رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الذي زار السعودية ثم إيران في الفترة الأخيرة عرج على مجموعة من الملفات الحيوية، منها إحياء الحوار بين الخصمين الإقليميين، وكذا مشاركة الكاظمي المحتملة في قمة جدة، وفض أي التباسات حول هذه المشاركة، وتحديدا في ما يتصل بانخراط بغداد في أحلاف عسكرية “ناتو الشرق الأوسطي” ضد إيران.

وبالعودة إلى الأكاديمي السياسي، فإن مسألة ولادة أقطاب جديدة في المنطقة – إذا حدث – هي في الأساس محاولة استراتيجية من قبل إدارة بايدن، التي تعيد ترتيب وجودها في المنطقة وترسيخ مكانتها بهدف بناء تحالف تشمل إسرائيل وعدد من دول المنطقة لمواجهة التمدد الإيراني، الذي يشكل تهديدات عديدة على أمن واستقرار الإقليم لا سيما في ظل مراوغة إيران بملفها النووي وخاصة أن طهران أعلنت مؤخرا، أنها بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 بالمئة، فضلا عن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، يوم أمس، بأن المحادثات مع بايدن في إسرائيل ستركز على موضوع وقضية إيران، من حيث تمددها بالمنطقة، الأمر الذي يرجح بتشكيل قوة ردع أمام احتمالات التصعيد المحتملة، وكله ستركز على الوجود الإيراني.

وعليه، وبحسب الأكاديمي السياسي، فإن تشكيل أقطاب جديدة في المنطقة سيعتمد بشكل أساسي على تعزيز الاتفاقات الاقتصادية ثم العسكرية على مستوى مواجهة التمدد الإيراني وخطر توسعها، وبما أن الوجود الإيراني كبير في المنطقة، وخاصة سوريا، فإن سوريا ستتأثر حتما، لاسيما تشكيل أقطاب واصطفافات جديدة سواء على المستوى السياسي أم العسكري، ما يعني أن سوريا ستواجه تداعيات جمة نتيجة تمركز وتحركات الميليشيات الإيرانية هناك.

على طرف آخر، تناول الملك الأردني، خلال مقابلته المتلفزة، الانعكاسات الإقليمية للأزمة الأوكرانية، خاصة أثرها على انخفاض الوجود الروسي في سوريا، والذي كان يعد عامل تهدئة بالنسبة للمنطقة الحدودية مع الأردن، بينما الآن تواجه المملكة تهديدات من الميليشيات الإيرانية على الحدود مثل تهريب المخدرات والأسلحة، وفق ما نقلته موقع “رؤيا” الأردني. تاليا، ونتيجة لهذه التغييرات، فإن الأردن ستكون بصف القطب التي تتشارك مخاوفها في مواجهة خطر التمدد الإيراني.

كما أن بايدن، ذكر في مقاله المنشور في “واشنطن بوست”، أنه يريد “تحقيق تقدم” في منطقة ما زالت “مليئة بالتحديات”، بينها البرنامج النووي الإيراني والوضع غير المستقر في سوريا وليبيا والعراق ولبنان.

قد يهمك: دمشق تذهب إلى أحضان تونس والجزائر.. ما الذي تريده وماذا ستحقق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.