يشكل الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، منعطفا هاما في تاريخ العلاقات الروسية التركية، لا سيما مع وجود العديد من العوامل والمصالح السياسية المشتركة بين الجانبين، إلا أن العديد من التغيرات، لا سيما استخدام معدات عسكرية تركية من قبل أوكرانيا، قد يسجل خصومة مرتقبة بين الجانبين.

ما هو موقع أنقرة من الحرب؟

الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت بمثابة امتحان حقيقي للسياسة الخارجية التركية، ذلك أن أنقرة عضو في حلف شمال الأطلسي، وتملك علاقات عسكرية ودفاعية مع أوكرانيا، لكنها في المقابل في حالة تعاون وانخراط مع موسكو في عدة ملفات إقليمية، مما يجعل موقفها محمّلا بكثير من الحسابات المعقدة.

وأعلنت تركيا، منذ اليوم الأول لبدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 شباط/الماضي، أنها ستظل في حالة تنسيق مع الغرب وحلف شمال الأطلسي، لكنها في ذات الوقت لن تتجه إلى المخاطرة في علاقاتها مع روسيا، من خلال إبداء أي نوع من الاصطفاف الكلي مع أوكرانيا.

قد يهمك: روسيا تنشر الإرهاب في أوروبا؟

ومن أبرز الملفات التي قد تُحدث توترا بين أنقرة وموسكو خلال الفترة القادمة، هو ملف الطائرات المسيرة التي تستخدمها أوكرانيا، في إطار مواجهتها للغزو الروسي، وهي طائرات اشترتها أوكرانيا من تركيا بموجب اتفاقيات سابقة، وكان لها دورا بارزا في مواجهة الهجوم الروسي.

طائرات عسكرية تركية تشارك في المعارك

أوكرانيا كانت قد حصلت على طائرات درون بيرقدار من تركيا العام الماضي بحسب تقارير نشرتها شبكة CNN الأميركية.

ويرى الباحث في العلاقات الدولية طارق وهبي، أن روسيا وتركيا لا تزال كل منهما يسعى للحفاظ على علاقته بالآخر، نتيجة المصالح المشتركة بين الجانبين.

ويقول وهبي في حديثه لـ“الحل نت“: “الفارق الآن هو كيفية تأقلم الدولتين في إطار مشاريعهما الإقليمية، تواجهت تركيا وروسيا في سوريا خاصة عندما أسقطت السلطات التركية طائرة روسية في سماء سوريا. وبعد ذلك تم الاتفاق على تقاسم مناطق النفوذ وكان هناك توزيع للأدوار الروسية والتركية وهذا ما رأيناه في ترك يد تركيا في إدلب وروسيا في مناطق النظام السوري خصوصاً في منطقة اللاذقية“.

ويعتقد وهبي أن استخدام أوكرانيا للطائرات التركية في مواجهة الغزو الروسي، لا يشكل عائقا بين الجانيبن، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن: ” روسيا استحصلت على العدد ومواقع التسليم من تركيا وهي تستطيع تعطيل مفاعيل هذه الطائرات لاحقاً عبر الدخول الى نظام التحكم عن البعد الذي تستطيع أن تعطيه تركيا ببادرة حسن نية“.

ويشير وهبي إلى أن تركيا تسعى إلى تغيير من استراتيجياتها في علاقاتها مع دول المنطقة، لا سيما بعد عودة علاقاتها مع دول الخليج وإسرائيل وهو التطور اللافت الذي جاء بمثابة إقرار أن المواقف السابقة لم تكن تعطي لتركيا مساحة مهمة تستفيد منها أولاً اقتصاديا واستثماريا.

وحول عودة العلاقات التركية الإسرائيلية، يوضح وهبي قائلا: “الهدف هو اقتصادي بحت، لأن تركيا أقصيت من منتدى النفط والغاز في شرق المتوسط الذي ترأسه مصر ومقره القاهرة والذي يضم إسرائيل. إن عودة إسرائيل إلى السياسة التركية هو لإنشاء حلف لإنتاج وجر وتوزيع وبيع الغاز والنفط في شرق المتوسط عبر الخبرة التركية بهذا الموضوع“.

وبالعودة إلى تأثر العلاقات الروسية التركية بهذه الملفات، لا سيما الملف السوري في الوقت الراهن يختم وهبي حديث بالقول: “الملف السوري هو القاسم المشترك بين الروس والأتراك ولكن المصالح ليست نفسها، لكن لا يمكن أن يصلا إلى المواجهة العسكرية، ولكن المواجهة السياسية موجودة، لأن كل طرف يسعى لوضع اليد على المصالح المستقبلية، أما النظام السوري وحتى المعارضة هم غير قادرون على إنتاج خارطة طريق لدولة جديدة“.

هذه المعادلة التي يراها مراقبون “صعبة” تطرح تساؤلات عن حدود سياسة التوازن التي تتبعها أنقرة بخصوص الحرب الروسية على أوكرانيا، وعما إذا كانت ستتغير بتغير الظروف السياسية والعسكرية أم ستبقى على حالها، بناء على اعتبارات معينة.

وحتى الآن استطاعت تركيا إدارة موقفها إزاء الصراع بشكل “متوازن“، لكن قدرتها على مواصلة ذلك تتقلص كلّما تصاعدت حدته، بحسب مختصين في الشأن السياسي التركي.

وبعد مرور أسابيع على بدء الغزو الروسي، لا تلوح في الأفق أي بوادر تهدئة، وتشير المعطيات على الأرض إلى أن موسكو تصر على تحقيق الأهداف التي رسمتها وتطالب بها، في موقف يتضارب مع تصدي ومطالب كييف، والدعم الذي تبديه الدول الغربية لها.

للقراءة أو الاستماع: ليس للقتال.. سوريون يصلون إلى أوكرانيا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.