وعود وأوهام، ثم ندم على أرض الواقع، هي ملخص لأغلب ما يكنه المرتزقة السوريون الذين نقلتهم تركيا من شمال البلاد، للقتال معها في ليبيا، ودعم “حكومة الوفاق الوطني”، مستغلة بذلك حاجتهم المادية، وهيمنتها على القرار في مناطق دخلها الجيش التركي، ونصب فيها قواعدا عسكرية.
خلال مقابلة فريدة، ووجها لوجه، بثت قناة “العربية الحدث”، مقابلة لمرتزقة سوريين، اعتقلوا في ليبيا خلال مشاركتهم في القتال الداخلي بين خليفة حفتر وحكومة الوفاق التي تدعمها أنقرة.
ذهاب دون عودة
في تسجيل مصور، ظهر عدد من المرتزقة السوريين الذي قاتلوا في ليبيا، وتم أسرهم من قبل الجيش الليبي، في محور بوسليم في منطقة الوشكة شرق مدينة مصراتة، يروون كيف تم تجنيدهم من قبل محمد جاسم “أبو عمشة” قائد “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) للقتال في تركيا.
وذكر المرتزقة الذين ظهروا في برنامج “وجها لوجه” الذي بث أمس الاثنين، على قناة “العربية الحدث”، أن تركيا نقلتهم من سوريا عبر نقطة حور كلس، ومن ثم نقلوا إلى ولاية غازي عينتاب، ومن ثم تم نقلهم عبر طائرة عسكرية من نوع “أليوشن” إلى إسطنبول، وعقبها نقلوا عبر طيران الأفريقية – الليبية إلى مصراته.
وروى كلا من محمود جسمي المرغني، محمد عيدان أسعد، مصطفى فيصل رشيد، أن الجيش التركي عرض عليهم ألفي دولار للقتال في ليبيا عبر عقود مدتها ثلاثة أشهر لحراسة القواعد التركية في ليبيا، ولكن بعد وصولهم بـ 27 يوما اعتقلوا ولم يحصلوا على الراتب.
وحول أعداد المصابين والقتلى السوريين في ليبيا، ذكر المرتزقة، أنه بعد تجنيدهم من جيش “النخبة” والذي كان سابقا يعرف بجيش “التحرير”، تولى أبو محمود الحزواني قيادتهم في ليبيا، ثم نقلهم إلى محاور القتال فورا، ليتركوا وحدهم للقتال أمام الجيش الليبي، حيث قتل ما يقارب 150 سوري نقلوا عبر برادات إلى مدينة طرابلس، ثم تقوم تركيا بنقلهم إلى سوريا، أما المصابين فوصل عددهم إلى ألفي مصاب.
بلا جوازات أو موافقة الأهل
المرتزقة وخلال حديثهم، ذكروا أن ذهابهم للقتال في ليبيا كان بسبب العطالة عن العمل وحاجتهم للأموال، لا سيما بعد أن استعملهم تركيا في قتالها ضد الأكراد بعفرين، حيث أشار أحدهم أنه ذهب دون علم أهله.
وبيّن المرغني، أن خمسة من عناصر المخابرات التابعة لحكومة “الوفاق”، استقبلوهم لدى وصولهم إلى مصراته، وذكروا لهم “أنهم أصبحوا عبيدا لديهم، لأنهم ستروهم من تركيا بمبلغ 2000 دولار، وسيموتون في ليبيا ولن يخرجوا منها أحياء”، ثم نقلوهم إلى محور البوسليم، وبعدها بعدة أيام تم اعتقالهم من الكتيبة 128 سرية 77 في الجيش الليبي التابع لخليفة حفتر.
وأوضح المرتزقة، الذين كانوا يتقاضون في سوريا 450 ليرة تركية كراتب، أن تركيا نقلتهم دون جوازات سفر، في حين كانت الأوامر العسكرية تأتي مباشرة من “أبو عمشة” لمساعدة المدعو النقيب سعيد في ليبيا، مضفين أن غرفة العمليات السورية في ليبيا ضمت (جيش النخبة، وفيلق المجد، وفيلق الشام، وفصيل العمشات، وفرقة السلطان مراد، وصقور الشام، وفرقة الحمزة).
شعبية “الجيش الوطني” على المحك؟
بين من يبرر مشاركة بعض فصائل “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة في القتال خارج سوريا، سواء في ليبيا أو لاحقا في معارك ناغورني كاراباخ. ومؤخرا في كازاخستان، من باب تقديم المساعدة لحليفه التركي، أو حتى أن يكون التبرير ضمن خانة الوضع الاقتصادي السيئ ضمن مناطق سيطرة “الجيش الوطني” أو “الحكومة المؤقتة” المعارضة المدعومة من أنقرة، أو حتى أن يكون التبرير بأن سيطرة حالة الفصائيلة وكذلك تشرذم صفوف “الجيش الوطني” وتأثير رؤية أنقرة على تحركاته في أحيان أخرى.
وبين من يعتقد أن ضياع البوصلة الوطنية لفصائل في المعارضة العسكرية السورية. وحتى عدم قدرتها على فتح أي معارك داخل سوريا بسبب تأثر هذه التحركات العسكرية بأوامر القوى الإقليمية الفاعلة في الملف السوري. ما قد يكون أحد أسباب تراجع شعبية “الجيش الوطني” في المناطق التي يسيطر عليها. كل ذلك أدى إلى الحال المتعلق بصورة “الجيش الوطني” وعمله الميداني.
فخلال السنوات القليلة الماضية، وفي كل مرة اندلعت فيها حرب خارجية كان أحد أطرافها السياسية أو العسكرية تركيا، تكثر التسريبات والتقارير الصحفية وفي أحيان الأممية بخصوص تجنيد مقاتلين سوريين في تلك الحروب/الصراعات، واستخدامهم كوقود لتلك المعارك، ما أدى إلى موجة من الآراء المتباينة حول صحة هذه الأنباء من عدمها وذهب البعض لتبرير مشاركة عناصر من “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، فيما ذهب البعض الآخر للقول إن “الجيش الوطني” بات مسلوب الإرادة والشعبية داخل المناطق التي يسيطر عليها في شمال سوريا.
وبحسب تقارير سابقة، يتواجد في ليبيا أكثر من 6630 مقاتل سوري، كما أن أغلبهم لا يرغبون في العودة إلى سوريا بل يريدون الذهاب إلى أوروبا عبر إيطاليا، ووفق تقرير لموقع قناة “بي بي سي عربي”، فقد شارك نحو ألفي مقاتل في معارك النزاع على الإقليم بين أذربيجان وأرمينيا، حيث وصلوا إلى أذربيجان قادمين من تركيا.
فيما نقل موقع “دوتشيه فيله” الألماني، عن تقرير خاص أعدته منظمتي “المركز السوري للعدالة والمساءلة” و”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قامتا بعمل دراسة حول مسار “الاستغلال الاقتصادي لتجنيد المرتزقة” السوريين عبر شبكات من السماسرة والمجموعات المسلحة.
ومنذ نهاية عام 2019، وصولا إلى صيف عام 2020، أرسلت كل من تركيا وروسيا آلاف المقاتلين السوريين للقتال كمرتزقة لصالح أطراف تدعمها في ليبيا وناغورني كاراباخ، وسافر هؤلاء مقابل وعود برواتب بالدولار أو تعويضات لعائلاتهم.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.