كما هو الحال، فإن جزءا من تعطل تشكيل الحكومة العراقية منذ أكثر من 8 أشهر على انتهاء الانتخابات المبكرة في البلاد، ينبثق من الانقسام الحاصل بين القوى الكردية حول منصب رئاسة الجمهورية الذي يشغلونه ضمن عرف سياسي يمنحونه، مقابل رئاسة الحكومة للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة منذ العام 2005.

لقد أدى التدافع الكردي إلى عدم تحقق ثلثي جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي فشل تحالف “إنقاذ وطن” بأكثر من 170 نائبا بقيادة زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، في عقدها ثلاث مرات، إلى جانب حلفائه في الديمقراطي وتحالف “السيادة” الجامع لمعظم القوى السنية، نتيجة اصطفاف حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” و17 نائبا سنيا إلى جانب قوى “الإطار التنسيقي” التي نجحت بتشكيل الثلث المعطل- 110 نائبا من أصل 329، وإنهاء مشروع حكومة “الأغلبية الوطنية“، الذي تبناه الصدر وحلفائه.

ووفقا للدستور، تكمن أهمية انتخاب رئيس الجمهورية الذي تتطلب جلسته حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب – 220 نائبا، في تكليفه مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان بتشكيل الحكومة.

اقرأ/ أيضا: كيف سيتجاوز “الإطار” مأزق “البارتي” و”اليكتي” حول رئاسة العراق؟

تدافع كردي

في خضم ذلك، يسعى الحزب “الديمقراطي الكردستاني” أكبر كتلة كردية بـ 31 مقعدا نيابيا، للظفر بمنصب رئيس الجمهورية، في حين يتمسك الاتحاد الوطني بـ 17 مقعدا بأحقيته بالمنصب الذي يشغله منذ ثلاث ولايات رئاسية، ما فاقم من الأزمة.

سيناريو دفع بـ “الكتلة الصدرية” الفائزة الأكبر في الانتخابات المبكرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، بـ 73 مقعدا إلى الاستقالة من البرلمان.

مشهد انتهى بفض زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، لتحالفه الثلاثي “إنقاذ وطن“، ورمي الكرة بملعب الإطار العازم على تشكيل “حكومة توافقية” وباقي الكتل السياسية، ليعود الحديث مجددا عن التقارب ما بين البيوتات السياسية لتجاوز الانقسامات الداخلية للمضي بتشكيل الحكومة القادمة.

حيث أكد “الحزب الديمقراطي”، مساء يوم أمس الأحد، أن المفاوضات الكردية وصلت لمرحلة استبعدت مرشح التسوية، فيما أشار إلى أن الحوارات مع “الاتحاد الوطني الكردستاني” وصلت لأشواط جيدة، وهذا ما فتح باب التكهنات حول مدى تأثير تلك التفاهمات وانعكاساتها على مستوى إخراج البلاد من التعطيل الدستوري والمضي بتشكيل الحكومة القادمة.

اقرأ/ أيضا: الكاظمي من السعودية إلى إيران.. ما هي الأهداف؟

تفاهمات متقدمة

لم تنقطع مباحثات “الديمقراطي” مع باقي الكتل السياسية وخاصة “الإطار التنسيقي”، حيث تجري بشكل شبه يومية، بحسب النائب عن كتلة الديمقراطي شريف سليمان، الذي أشار أيضا إلى، اشتراطات الحزب في تشكيل الحكومة بأنها مبنية على أساس الدستور.

وقال سليمان في تصريح لقناة “العراقية” الرسمية، وتابعه موقع “الحل نت“، إن “هناك توجها حقيقيا لدى الكتل السياسية للتوصل إلى حلول للوضع السياسي“، مؤكدا أن “المفاوضات الكردية وصلت لمرحلة استبعدت مرشح التسوية“.

وتعظيما على ذلك، أوضح أن “الديمقراطي وصل لأشواط جيدة في مباحثاته مع الاتحاد الوطني“، لافتا في الوقت ذاته، إلى أن “الكرد ليسوا سببا في الانسداد السياسي، وأن الديمقراطي ومن يتحالف معه قادرون على إيقاف العملية السياسية، لكنه لن يفعل ذلك“، منوها إلى “أنهم متفاهمون جدا مع التيار الصدري وتحالف السيادة والكتل المنضوية فيه”.

اقرأ/ أيضا: قيس الخزعلي يلوح لانتخابات مبكرة.. هل بات قرار حل البرلمان العراقي جاهزا؟

ضرب من الخيال

بالمقابل، يقول المحلل والباحث السياسي، علاء مصطفى في حديث خاص لموقع “الحل نت“، إن “الحديث عن تجاوز جميع الخلافات بين الديمقراطي-اليكتي، والاتحاد الوطني-البارتي، والوصول إلى نقاط مشتركة فيه شيء من المبالغة، لأن الوقائع تقول إن المفاوضات تسير بطريق ذو منحنيات خطرة جدا“.

مصطفى أكد أن “العقبات لا زالت تحول دون التقارب بين الحزبين، خصوصا وأن البارتي يرفض بشكل قاطع مرشح اليكتي برهم صالح، في حين أن الأخير متمسك بمرشحه بشكل كبير لأسباب كثيرة“.

ويعتقد أن “الموضوع ما يزال أمامه وقت كثير وهذه المفاوضات ليست بأسهل من مفاوضات الإطار مع باقي القوى الأخرى للتوصل إلى رئيسا للحكومة، بالتالي أن الوقت مازال مبكرا والمفاوضات ما تزال جارية ولعلها تصل إلى اتفاق لتجنب أزمات سياسية تؤذي الوضع الداخلي“.

تحديات عامة

من جهته، أكد المهتم في الشأن السياسي العراقي، أحمد المعلم، في حديث لموقع “الحل نت“، أنه “لا شك أن توصل القوى الكردية إلى تفاهمات سيكون له انعكاس مؤثر على عملية تشكيل الحكومة، لكنه في الحقيقة أن ما يجري الحديث عنه من التوصل إلى اتفاق كردي لا يمكن اعتباره سوى مناورات سياسية يحاول فيها الأحزاب تمرير رسائل فيما بينهم، خصوصا وأنه لا توجد أي علامة على هذه التفاهمات التي يتحدث عنها الحزبين“.

وأضاف أن “المشهد السياسي ما يزال قاتما برمته، لاسيما بعد استقالة الكتلة الصدرية وانسحاب الصدر من العملية السياسية، إذ أن القوى الشيعية ذاتها ما تزال في حيرة من أمرها، وهي تعلم جيدا أن مضي العملية السياسية من دون التيار الصدر تحد كبير، ولربما أنه مستحيل إلا إذا ما كان بقناعة صدرية بحت“.

كما أن “التيار الصدري يجيد التحكم بالشارع بشكل كبير، لذلك بإمكانهم إرباك أي مشهد يمكن أن يكون فيما إذا لم ينالوا ما يريدون، بالتالي أن تجاوز الأكراد لمشكلاتهم قد لا يرتبط فقط بهم كبيت سياسي، بل يتعلق بالمشهد العام الذي يحتاج إلى انفراجة“.

اقرأ/ أيضا: صعود “دكتاتورية” الحلبوسي.. آخرُ ضحاياه ضابط عراقي رفيع

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.