بعد أكثر من 7 أعوام، أعترف النواب الألمان بأن الممارسات التي ارتكبها عناصر “داعش” ضد الأيزيديين في شمال غرب العراق عام 2014 كانت “إبادة جماعية” كما وصفها من قبل محققون تابعون للأمم المتحدة.

ونقلت وسائل إعلام دولية من بينها إذاعة “مونت كارلو”، و “فرانس برس”، وتابعها موقع “الحل نت”، عن النائب عن حزب “الخضر” ماكس لوكس، قوله إن “الاعتراف بالإبادة الجماعية هو خطوة أساسية للتغلب على الصدمات التي تعرض لها المجتمع الإيزيدي”. 

لوكس أكد على أهمية أن “تكون الطموحات بتوفير السلام وحياة أمنة للإيزيديين”، مذكرا بـ”الوضع الهش للناجين الذين ما زالوا يعيشون في العراق”.

وفي أيار/مايو 2021، أعلن فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة أنه جمع “أدلة واضحة ومقنعة” على ارتكاب عناصر التنظيمات الجهادية إبادة جماعية ضد الإيزيديين.

اقرأ/ي أيضا: سياسات الإيزيديين في العراق: هل زيادة المقاعد الإيزيدية في البرلمان لمصلحة ضحايا الإبادة؟

إدانة دولية

كما أن في تشرين الثاني الماضي، أدانت محكمة ألمانية أمرأة  عراقيا بتهمة ارتكاب إبادة جماعية ضد الأقلية الأيزيدية، في سابقة في العالم أشادت بها نادية مراد حائزة جائزة نوبل للسلام، معتبرة أنها “انتصار” في الكفاح من أجل الاعتراف بانتهاكات تنظيم “داعش”. 

وتعد ألمانيا التي تعيش فيها جالية إيزيدية كبيرة، واحدة من الدول القليلة التي اتخذت إجراءات قضائية ضد تنظيم “داعش”.  

بدوره، قال حسو هورمي، رئيس المؤسسة الايزيدية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية التي تعمل منذ سنوات على ملف أحداث 3 آب/أعسطس 2014، إن “تشكيل محكمة دولية خاصة سيؤدي إلى التسريع في الاعتراف بالجرائم التي أُرتكبت كجرائم إبادة جماعية، وفي نفس الوقت سيضمن تعويض ذوي الضحايا والمتضررين من الإيزيديين في المستقبل”.

وتعرضت الإيزيديين خصوصا للاضطهاد من قبل تنظيم “داعش” مع سبي نساء وقتل، حيث تحدثت إحصائيات بأن التنظيم أعدم 3000 إزيدي ونحو 7 ألاف إيزيدية. 

ونفذ تنظيم “داعش”، عقب دخوله محافظة نينوى شمالي العراق الغنية بالتعدد الديني والقومي، سلسلة جرائم مروعة تضمنت عمليات قتل جماعية وخطف للنساء والأطفال طاولت الآلاف من مكونات دينية مختلفة في نينوى. 

اقرأ/ي أيضا: بَعد تَحريرِهن من «داعش».. مأساةٌ أخرى تُلاحِق النّساء الإيزيديات  

مآسي مستمرة

انتهاكات التنظيم بحق الأقليات خلفت مآسي كبيرة ما زالت لغاية الآن آثارها في ما يتعلق بالآلاف من النساء اللاتي لا يعرف مصيرهن، بينما تم تحرير كثير منهن عقب هزيمته، وتحرير المدن العراقية، لكنهن يعانين من مشاكل كبيرة بسبب آثار فترة تعرضهن للخطف والاعتداء الممنهج.

لكن في خطوة من شأنها تصحيح أوضاع الضحايا النساء اللاتي تعرضن للخطف الاعتداء على يد تنظيم، أقر البرلمان العراقي، في آذار/مارس 2021، قانونا هو الأول من نوعه، يتعلّق بشريحة النساء من المكون الإيزيدي اللاتي تعرضن للخطف أو الاعتداء وتم تحريرهن أو تمكن من تخليص أنفسهن من سطوة التنظيم. 

كما شمل القانون النساء من المكونين المسيحي والتركماني اللاتي تعرضن لجرائم مماثلة في مناطق عدة من محافظة نينوى شمالي البلاد.

وينص القانون على عدد من البنود والمواد القانونية الملزمة للدولة، من أبرزها تأسيس مديرية عامة لرعاية شؤون الناجيات ترتبط بالأمانة العامة لمجلس الوزراء، تتولى مهام تعويض الناجيات ماديا ومعنويا وتأمين حياة كريمة لهم وإعادة تأهيل البنى التحتية لمناطق الناجيات 

اقرأ/ي أيضا: إعادة إعمار سنجار: هل يواجه الإيزيديون إهمالاً متعمّداً من جانب السلطات العراقية؟

يوما وطنيا

إضافة إلى  توفير كل الاحتياجات التي تتطلبها عملية اندماجهن بالحياة والمجتمع، كما أقر القانون صرف مرتب شهري لا يقل عن ضعف الحد الأدنى للراتب التقاعدي للموظف العراقي، ومنح الناجيات منهن قطعة أرض سكنية أو وحدة سكنية مجانا بلا مقابل.

وأيضا نص القانون على أن الناجية تحق لها العودة للدراسة استثناء من شرط العمر والمعدل، وتعطى الأولوية في التعيين بالوظائف العامة للناجية، كما عد الجرائم التي تعرضت لها الناجيات جرائم إبادة جماعية للتعريف بها لدى المحافل والمنظمات الدولية المختصة وإقامة الدعوى الجنائية ضد مرتكبي تلك الجرائم. 

في حين يكون تاريخ الثالث من آب/أغسطس من كل عام يوما وطنيا للتعريف بالجرائم اللاتي تعرضت لها النساء الإيزيدات وباقي المكونات الأخرى في نينوى.

وأثناء ذلك، قال الرئيس العراقي برهم صالح، إن “تصويت مجلس النواب على قانون الناجيات الإيزيديات، ومن المكونات الأخرى، والمُرسل من رئاسة الجمهورية، انتصار للضحايا من بناتنا اللاتي تعرضن لأبشع الانتهاكات وجرائم الإبادة الداعشية”. 

وأضاف “يجب مواصلة الجهد لمعرفة مصير باقي المفقودين والمختطفين، وإنصاف الضحايا ومحاسبة المجرمين”.

من هم الإيزيديون؟

نشأت العقيدة الأيزيدية في إيران منذ أكثر من أربعة آلاف عام، وتعتبر دينا غير تبشيري ومغلقا، إذ لا يمكن لأحد من خارجها أن يعتنقها.

يؤمن الأيزيديون بإله واحد يصلون له متخذين الشمس قبلتهم، إضافة إلى إيمانهم بسبعة ملائكة، أولهم وأهمهم الملك طاووس.

تعتمد هذه الجماعة الناطقة باللغة الكردية في الغالب، على الزراعة، وتقيم غالبيتها في سنجار.

ويعد أقدس الأماكن الدينية للأيزيديين معبد لالش الذي تعلوه قبة مخروطية حجرية إلى جانب مزارات عدة في وسط منطقة جبلية تضم ينابيع طبيعية في شمال غربي العراق، ويقصده المؤمنون الزوار حفاة.

ويتبع هؤلاء المجلس الروحاني الأعلى المؤلف من خمسة أعضاء ومقره قرب منطقة شيخان، وبينهم “أمير” الأيزيديين في العالم، إضافة إلى مرجعهم الديني بابا شيخ.

ويقسم الأيزيديون إلى ثلاث طبقات: الشيوخ و”البير” أي الدعاة و”المريدون”، ولا يمكن التزاوج بين طبقة وأخرى أو من خارج الطائفة.

​​ويعتبر أيزيديا فقط من ولد لأبوين أيزيديين، وبمرور الوقت، دمج الأيزيديون في معتقدهم عناصر من ديانات أخرى.

على سبيل المثال، يتم تعميد الأطفال في الماء المقدس للاحتفال بدخولهم إلى العقيدة على غرار المسيحيين، كما يمكن للرجال اتخاذ أربع زوجات كالمسلمين.

اقرأ/ي أيضا: الإيزيديون تحت السيطرة التركية: حرب إبادة ممنهجة أم مبالغات لاستغلال الورقة الإيزيدية؟

أعدادهم

من بين ما يقارب 1.5 مليون أيزيدي في العالم، يعيش العدد الأكبر، وهو 550 ألفا، في العراق، مع وجود أعداد أقل في المناطق الناطقة بالكردية في تركيا وسوريا.

وأسفرت عقود من الهجرة عن توجه أعداد كبيرة من الأيزيديين إلى أوروبا، وخصوصا ألمانيا التي تأوي نحو 150 ألفا من أبناء هذه الطائفة، إضافة إلى السويد وفرنسا وبلجيكا وروسيا.

ولكن منذ اجتياح تنظيم داعش لسنجار في العام 2014، هاجر ما يقارب 100 ألف أيزيدي من العراق إلى أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا.

ولا يزال نحو 360 ألفا يعيشون في مخيمات النازحين بشمال غرب العراق، ولم يتمكن سوى بضعة آلاف فقط من العودة إلى سنجار حيث لا تزال معظم المنازل أنقاضا، والكهرباء والمياه النظيفة والمستشفيات شحيحة.

كونها غير عربية وغير مسلمة، صنفت الديانة الأيزيدية على أنها أكثر الأقليات ضعفا في الشرق الأوسط، ويصف بعض المسلمين المتشددين المنتمين اليها بـ “عبدة الشيطان”.

ويقول الأيزيدون إنهم تعرضوا لـ 74 “إبادة جماعية”، من ضمنها هجوم تنظيم داعش في 2014، وأسوأ تلك الإبادات، وفقا للمجلس الروحاني الأعلى، شهدت مقتل 250 ألف أيزيدي قبل مئات السنين.

وتعرضت هذه الأقلية أيضا للاضطهاد من الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين، وعلى يد الرئيس العراقي صدام حسين الذي دفع، في ظل حكمه للبلاد بيد من حديد بين عامي 1979 و2003، آلاف العائلات الأيزيدية الى الفرار من البلاد.

سيطر تنظيم داعش على سنجار في أغسطس 2014، وشن هجوما وحشيا على الأيزيديين، وصل إلى “إبادة جماعية محتملة”، وفقا للأمم المتحدة.

وبحسب إحصاءات المديرية العامة لشؤون الأيزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان، قتل نحو 1280 أيزيديا، ويتم أكثر من 2300 طفل، وتعرض ما يقارب 70 مزارا للتدمير.

وخطف التنظيم أيضا أكثر من 6400 أيزيدي، معظمهم من النساء والفتيات، نجا منهم نحو 3400 شخص.

اقرأ/ي أيضا: الإيزيديون يختارون مرشدهم الروحي الجديد.. تعرف عليه

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.