فتح قرار المحكمة الاتحادية برد دعوى حل البرلمان العراقي التي تقدم بها “التيار الصدري”، باب السؤال على الخيارات المتبقية التي يمكن اللجوء لها لتحقيق ذلك، لاسميا بعد احتدام الصراع السياسي ما بين طرفيه المتمثلة بالـ “التيار”، وغريمه الشيعي تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى الشيعية المقربة من إيران، ووصوله إلى حد الصدام المسلح.

قرار المحكمة الذي جاء بعد جولة من المواجهات المسلحة بين أنصار الصدر، والقوات الأمنية التي من ضمنها فصائل موالية لـ “لإطار” منخرطة في “الحشد الشعبي”، المكلفة بحماية المنطقة الخضراء – شديدة التحصين والتي تضم مباني حكومية ودبلوماسية، وبعد أن توقع كثيرون بأن المحكمة التي كثيرا ما لمح لها الصدر وأنصاره بانحيازها إلى غرماؤه، ستذهب لخيار حل البرلمان الذي يطالب به الصدر، بمحاولة لإبعاد البلاد من الانزلاق في صراع مسلح.

المحكمة قالت يوم الأربعاء الماضي، حلّ المجلس ليس من اختصاصاتها المحددة في الدستور وقانون المحكمة، وإن قرار الحل يُفرض في حال عدم قيام المجلس بواجباته، وأضافت أن دستور عام 2005 رسم الآلية الدستورية لحل مجلس النواب، وأوضحت أن الدستور لم يغفل عن تنظيم أحكام حل مجلس النواب ولا مجال لتطبيق نظرية الإغفال الدستوري.

وشددت المحكمة أنه لا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لافتة إلى أن استقرار العملية السياسية يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور.

قرار المحكمة، الذي جاء بعد استنفاد كل الخيارات لحل البرلمان العراقي، الذي يطالب به “التيار الصدري” الفائز بالانتخابات التشريعية المبكرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حاليا على خلفية صراع سياسي امتد لنحو 11 شهرا، حال دون مضي مشروع التيار بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، وذلك بسبب وقوف “الإطار” الذي استمر بالدعوة إلى حكومة “توافقية” بوجهه، ترك باب التكهن مفتوحا حول الخيارات المتبقية؟

اقرأ/ي أيضا: تخبطات حول البرلمان العراقي.. بين الصدريين والمالكي؟

البرلمان العراقي وما تبقى من خيارات لحله

في هذا الشأن، يعتقد أحمد التميمي وهو سياسي مستقل، أن “الخيارات المتبقية لحل البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة جديدة، هو ما ألمح له الصدر عبر صالح محمد العراقي المقرب منه، بذهاب حلفائه من السنة والأكراد نحو حل البرلمان”.

غير أن ذلك “يمكن أن يتم وفق توافقات سيعمل عليها الكرد والسنة في اقناع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بها، من خلال التوافق حول باقي الملحقات المتعلقة بقانون الانتخابات وآلية إجراءها، ومن يشرف على إجراءها”.

التميمي بين أن “أن تحالف الإطار واضح في الوقت الحالي، فهو مع خيارات الصدر بحل البرلمان وانتخابات جديدة، لكنهم يشددون على ضرورة أن تكون تلك القرارات عبر القنوات الدستورية، التي لا تسمح لحكومة تصريف الأعمال الحالية المضي بها، ما يستدعي عودة البرلمان الحالي لعمله وتشكيل حكومة جديدة تقوم بتلك الخيارات، وهذا ما لم يقتنع الصدر به حاليا”.

واستدرك أن “الصدر يعتقد أن الحكومة الحالية هي من تمتلك إمكانية اجراء انتخابات جديدة نزيهة، لاسيما بعد نجاحها في الانتخابات الماضي، والتي اسفرت عن فوزه أولا، بالمقابل يرى الإطار الذي حل أخيرا في نتائج الانتخابات أن الحكومة الحالية هي إحدى الأسباب الرئيسية لتعقد المشهد وتعمل ضمن أجندات الصدر، بالتالي من الضروري المجيء بغيرها”.

السياسي المستقل، اختتم أن “المشكلة وجودية، جميع الأطراف تعتقد أن المرحلة الحالية هي فاصلة بأعمارها السياسية بالتالي لابد من الحفاظ على ما تبقى من مكتسباتها كقاعدة لإعادة البناء، ولا مجال لخسارة كل شيء، وهذا الهاجس الذي يشغل الإطار ويدفعه للتعطيل كل شيء على اعتبار هو الأكثر من تراجعت شعبيته، فلا يريد خوض تحديات مصيرية في مثل هذا الوقت”.

اقرأ/ي أيضا: حل البرلمان العراقي: هل يكون المخرج الوحيد لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد؟

آخر مقترحات الصدر لحل البرلمان العراقي

يذكر أن ما يعرف بـ “وزير الصدر” وهي شخصية افتراضية تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسمى “صالح محمد العراقي” تعمل على توجيه أنصار التيار وأحيانا تنقل رسائل عن الصدر، كان قد قال أمس الخميس، إن عودة نواب الكتلة الصدرية إلى البرلمان العراقي ممنوع منعا باتا.

العراقي جدد رفض التيار الصدري الدخول في أي حكومة توافقية رفضا قاطعا، ودعا “الحلفاء والمستقلين” داخل البرلمان العراقي لاتخاذ “موقف شجاع ينهي الأزمة عبر الانسحاب منه ليفقد شرعيته ويحل مباشرة.

ونقل صالح العراقي عن مقتدى الصدر قوله إن “حل البرلمان ممكن بلا عودة الكتلة الصدرية ولا سيما مع وجود حلفائها في مجلس النواب وبعض المستقلين”، مشيرا إلى إمكانية بقاء رئيس الجمهورية، برهم صالح، في منصبه بعد حل البرلمان، بينما يقود رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي حكومة لتصريف الأعمال والإشراف على الانتخابات المبكرة.

يشار إلى أنه منذ 30 تموز/ يوليو الماضي، اشتدّت الأزمة السياسية العراقية، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

وعاد المشهد ليتطور في 29 آب/ أغسطس الماضي، بعد أن شهدت بغداد تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره للمنطقة الخضراء، والقصر الجمهوري – الحكومي، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

اقرأ/ي أيضا: القضاء العراقي يرد دعوى حل البرلمان

صراع البرلمان العراقي المسلح

الصراع جاء بعد أن هاجمت القوات الحكومة مع فصائل تابعة لـ “لحشد الشعبي” وموالية لـ “الإطار” أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

سبب فشل الصدر

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: بعد الاستقالة.. هل يحق للنواب الصدريين العودة إلى البرلمان العراقي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.