ملفات عديدة بانتظار الحكومة الإسرائيلية القادمة برئاسة بنيامين نتنياهو. يرى البعض أن الملف الإيراني سيتصدرها، فيما يرى آخرون، أن “حروب الظل” هي الحاكمة لعلاقة الجانبين، مع إمكانية تزايد قوة نيرانها، نظرا لأن السياسة الأمنية الإسرائيلية يقررها قادة الجيش والأمن، ويصدّق عليها رئيس الوزراء.

 في كتابه “بي بي، قصتي” تطرق نتنياهو، للملف النووي الإيراني، ووفق روايته، رفض باراك أوباما توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، لاعتبار أن ضربة متسرعة قد تضر أكثر مما تنفع، مخلفة آثار سلبية على رأسها نزع الشرعية الدولية عن هذه المواجهة، ولرفع العقوبات الدولية المشددة على إيران، لفقدان منطقها.

موقف أوباما الرافض للخيار العسكري، أرسل رسائل مشجعة للطرف الإيراني، بحسب نتنياهو. في ظل غياب الخطوط الحمر والقيد الزمني، مما منح إيران حرية تطوير سلاحها النووي، حسب صحيفة “القدس” العربي.

القيادي في حزب “الليكود”، تسحيا هانغبي، وهو أحد المقربين من نتنياهو، يرى أن “نيران نتنياهو الداخلية هي سعيه لإحباط الخطر الهائل الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني على وجود إسرائيل، لقد ركز على هذه المهمة لأكثر من 20 عاما، والآن تقترب لحظة الحقيقة”، بحسب ما أورده موقع “العين” الإخبارية.

 نتنياهو سيتخذ إجراءات ضد المنشآت النووية خلال فترة ولايته المقبلة أوضح ذلك لاحقا، في مقابلة مع القناة “12”الإسرائيلية، بالقول “في غياب تحرك من قبل زعيم العالم الحر، سيكون على زعيم الشعب اليهودي أن يختار بين الاستسلام والردع، والردع هو استخدام أي وسيلة في حوزتنا لإزالة هذا الشر”.

في المقابل، كشف عاموس هارئيل النقاب أن “الكثير من الخطابات في إسرائيل في السنوات الأخيرة بشأن هجوم أحادي الجانب على إيران كانت فارغة، وانطوت على قدرات خيالية، وأنه قد يكون إيقاف البرنامج قابلا للتحقيق من خلال وسائل أخرى، مثل الهجمات عن بُعد أو الهجمات الإلكترونية أو التخريب مثل النوع الذي نُسب إلى إسرائيل في الماضي”.

على الضفة الأخرى، صحيفة “جمهوري إسلامي” الإيرانية، نوهت إلى عودة نتنياهو بالقول، “نتنياهو أكثر وزراء إسرائيل عداء مع إيران، ويرغب في إشعال حرب في المنطقة، محاولا بشتى السبل زيادة الشرخ بين إيران والدول الغربية والعربية”، واعتبر حسين طائب، مستشار القائد العام لـ”الحرس الثوري” الإيراني، أن “عودة نتنياهو إلى السلطة ستخلق تحديا جديدا لأميركا وإسرائيل” على حد تعبيره.

النووي الإيراني يفتقر للضمانات السلمية

في السنوات الماضية، كانت التحذيرات الإسرائيلية تذروها الرياح، ولكن حاليا يتزايد عدد المؤمنين بجدية التهديد النووي الإيراني. إذ أكدت الوكالة “الدولية للطاقة الذرية” في تقرير لها نُشر في أيلول/سبتمبر الماضي، أنه “لا يمكن ضمان سلمية البرنامج الإيراني، أو القول بثقة إن طهران ليست في طريقها لصنع قنبلة نووية وفق مدى قصير”.

“نتنياهو يميل بصورة أكبر لشن عمل عسكري استباقي ضد البرنامج النووي الإيراني”، وفق صحيفة “جيروزالم بوست” ويشير الموقع العبري بحسب “إرم نيوز”، إلى أن ذلك من القواسم المشتركة لحكومته السابقة مع حكومة التغيير المنتهية ولايتها في التعامل مع إيران، وأن الحكومتَين نفّذتا عمليات محفوفة بالمخاطر للموساد لإعاقة البرنامج النووي الإيراني، وألقَيتا بثقلهما للإبقاء على العقوبات الاقتصادية العالمية ضد إيران، ويجب على نتنياهو أن يقدم نفسه على أنه أكثر قادة إسرائيل صرامة في الملف الإيراني.

“حرب الظل”

“حرب الظل” هي سياسة الدولة الإسرائيلية العميقة وليست سياسة نتنياهو، ولا تغيير في هذه السياسة بقدوم نتنياهو، من خلال عمليات واغتيالات وهجمات على مواقع ايرانية في سوريا، مع اصطياد قيادات “الحرس الثوري” الإيراني، بحسب حديث الباحثة والمحللة في الشؤون الإسرائيلية، ومؤلفة كتاب “المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل”، سارة شريف، لـ”الحل نت”.

لدى نتنياهو ملفات أهم من الملف النووي الإيراني، وفق شريف، فالجبهة الداخلية كالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ومنطقة الحرم، جميعها قنابل موقوتة ولها الأولوية في أجندة نتنياهو، وعليه، فإن المواجهة المباشرة ليست مرجّحة لدي خلال هذه الفترة، مع بقاء “حروب الظل” وإمكانية تعالي قوة نيرانها، وهو سيتوضح بعد تركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بحسب تعبيرها.

تقرير” جيروزاليم بوست” لفت إلى أن حكومة التغيير”بينت-لابيد” منحت الجيش الإسرائيلي ميزانيات أكبر من التي منحها له نتنياهو، ويوضح التقرير أيضا بأن سجل نتنياهو الفعلي في استخدام القوة، يستبعد إعطائه الأمر لتنفيذ ضربة استباقية ضد طهران.

الباحث المشارك في “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية”، مصطفى النعيمي، يُشير إلى اجتماعات عدة بين ممثلي الجيش الإسرائيلي ونظرائهم في الجيش الأميركي، بعد فوز إعلان فوز نتنياهو بالتحالف مع أحزاب أقصى اليمين في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.

 في هذه الاجتماعات تم البحث حول استعداد إسرائيل لتبني الخيار العسكري ضد إيران، ضمن مسعى إيصال رسائل الردع بالأدوات العسكرية، مع التلويح المستمر بالخيار العسكري كحل وحيد ومناسب لمواجهة التهديد الإيراني، ويعتقد “أن تدمير المفاعلات النووية الإيرانية بات هدفا واضحا للجانب الإسرائيلي، وقد أعلن المسؤولون الإسرائيليون بأنهم سيعملون منفردينَ في حال حصول متغيرات تهدد الجانب الإسرائيلي”.

اقرأ أيضا: بين إسرائيل وإيران والاتفاق النووي.. ما فرص تجنيب المنطقة الحرب؟

الموقف الإسرائيلي أتى من ترك الباب الأميركي مفتوحا أمام تل أبيب للتعامل مع المخاطر وفق أولوياتها، بحسب النعيمي، وفي الآونة الأخيرة، لجأت إسرائيل إلى استراتيجية جديدة تقوم على الاستهداف المسبق لمصادر التهديدات، والتي يمكن قراءتها من خلال استهداف شحنات الأسلحة القادمة عبر الحدود العراقية والقادمة عبر مطارات دمشق وحلب والشعيرات، بالإضافة لاستهدفها مستودعات أسلحة لميليشيا “الحرس الثوري” الإيراني في ميناء بانياس. وفي المحصلة، الاستراتيجية الجديدة رفعت مستوى المواجهة الإسرائيلية للمشروع النووي والإقليمي الإيراني، وبقدوم نتنياهو لم يعد مستبعدا تنفيذ ضربة إسرائيلية، منفردة أو مشتركة، تطال المنشآت النووية الإيرانية.

هليفي وليس نتنياهو

ضابط المخابرات الإسرائيلي، والمرشح المحتمل لرئاسة الأمن القومي الإسرائيلي، مائير بن شبات، كتب في صحيفة “إسرائيل اليوم” أن “التهديد الإيراني هو التحدي السياسي الأمني الأهم للحكومة المقبلة. هذا تهديد وجودي يستدعي تثبيتا أو تحديثا للأهداف السياسية الإسرائيلية”، وفقا لما نقله موقع “الأسبوع” الإخباري.

الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أوقفت مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، الذي اتخذه نتنياهو عام 2011، بحسب سارة شريف، حيث إن الخيار العسكري مع إيران لا يحتل المرتبة الأولى لدى نتنياهو، فبالإضافة للأولويات المذكورة أعلاه، نتنياهو اليوم معروف بخوفه من المواجهات وتردده في اتخاذ أي قرار عسكري.

 الملف الإيراني مسألة دعائية أكتر من كونها فعلية لدى نتنياهو. ففي لحظة معينة قد تقرر “حماس” و”الجهاد الإسلامي” الدخول على خط المواجهة، وهو ما يدركه نتنياهو جيدا، ويدرك معها الأوضاع الداخلية المتأزمة، نتيجة عمليات فردية غير تنظيمية ينفذها شباب فلسطين، إضافة إلى التوتر والعنف والجريمة في البلدات العربية، وهي مؤهلة للارتفاع نتيجة الاحباط الذي أصاب الجمهور العربي من نتائج الانتخابات الأخيرة.

في مقابلة مع موقع “أي 24 نيوز”، يصف نتنياهو لابيد بأنه “لا يعرف أن يقول لا لواشنطن، وتعهد بأن يقول لا للرئيس الأميركي إذا كان ذلك في مصلحة إسرائيل”. ويشير مستشار منتدى “السياسة” الإسرائيلية، نيري زيلبر، إلى أن ” الأمر النادر الوحيد الذي سيستمر من أيدي لابيد إلى نتنياهو، سيكون سياسة إسرائيل تجاه إيران، وفي الصورة الكبيرة من ناحية الاستراتيجية العسكرية، ستكون هناك علاقة جيدة بين نتنياهو وبايدن”.

لم تعد هنالك هوة بين الجانبين الأميركي الإسرائيلي، بحسب النعيمي، رغم حالة الفتور التي أصابت العلاقة بينهما، بالنظر لأولويات الولايات المتحدة في إعطاء الأولوية الكبرى للصين وروسيا، ومخاطرهما على زعزعة الأمن الدولي وفق المسؤولين الأميركيين.

 فيما تصريحات رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي كانت تشير لإيران باعتبارها التحدي الأمني الذي يواجه إسرائيل، معتبرا إياها تهديد متعدد الأبعاد، من الملف النووي إلى القرصنة البحرية، وما تشكله من تهديد لخطوط التجارة الدولية عموما، ولخطوط إمدادات الطاقة بشكل خاص.

 في الوقت الراهن نشهد تنسيقا أمنيا متعاليا بين سلاحي الجو الأميركي والإسرائيلي، حيث باتت إسرائيل تستهدف شحنات الأسلحة الإيرانية في شمال شرق سوريا والمنطقة الوسطى والساحلية، والتي كانت منطقة عمليات للولايات المتحدة.

الباحثة في الشؤون الإسرائيلية، وبعد استبعادها للملف الإيراني من أولويات نتنياهو، تُلفت النظر إلى الجنرال القادم لإنهاء الملف النووي الإيراني، فبحسب شريف، هرتسي هليفي الذي سيتسلم رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي في الشهر أو العام القادم، يقال بأنه الرجل الذي سيأتي لإنهاء المشروع النووي الايراني.

اتفاق على التهديد وخلاف على سبل مواجهته

زيلبر، مستشار “منتدى السياسة” الإسرائيلية يعتبر أن حملة نتنياهو العنيفة ضد إيران ستظهر مرة أخرى، هو يريد أن يُظهر للجمهور الإسرائيلي أن الأمور، في ظل سلطته على نحو أفضل بكثير فيما يتعلق بالقضية الإيرانية.

شريف تعيد زيادة الحراك السياسي والعسكري الأميركي الإسرائيلي إلى تعثر المفاوضات النووية، إضافة لكونها رسائل تطمين أميركية لإسرائيل. دون وجود رابط بين هذه التحركات وعزوم الأخيرة على عملية منفرد ضد إيران. إذ لاتزال تل أبيب متحفظة على القيام بعملية منفردة، نظرا لتداعياتها على العلاقة مع واشنطن وبروكسل والعواصم الخليجية.

معضلة أمنية داخل الحكومة الإسرائيلية القادمة، وفق شريف، فبالرغم من اتفاق القيادات الإسرائيلية على أن إيران مصدر تهديد لإسرائيل، لكنهم مختلفون في تحديد مستوى هذا التهديد وسبل مواجهته. بالإضافة إلى ذلك، التشكيلة الوزارية القادمة، بحسب ما توحي بها المفاوضات الجارية لتشكيلها، ستنتج “مجلس وزاري وأمني مصغر” حوالي نصف أعضائه لم يؤدوا الخدمة العسكرية، مما سيزيد من حدة التوتر بين حكومة نتنياهو الجديدة وبين الأجهزة الامنية والعسكرية في ملفات كثيرة، منها الملف النووي الإيراني.

قد يهمك: الترابط العسكري بين روسيا وإيران وكوريا الشمالية.. العودة إلى “محور الشر”؟

القيادات العسكرية والأمنية لديها حسابات تختلف عن حسابات الحكومة ذات التركيبة اليمينية والمتطرفة، وصحيح أن نتنياهو قادر على استيعاب الأمر وإدارة الأمور بشكل جيد، بما يعني أن نتنياهو سيكون له دور كبير في كل الوزارات حتى التي سيمنحها لشركائه من اليمين، لكنه سيبقى محكوما للخلافات الموجودة حول سبل مواجهة النووي الإيراني، فهناك من هو مع الاتفاق، كوسيلة لكبح المشروع النووي الإيراني، وهناك من هو ضد الاتفاق. هناك من يؤيد عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية وهناك من هو يعارضها، وهو خلاف قد تراه بين وزير الدفاع ورئيس الأركان.

الأثر المباشر على المشروع النووي الإيراني، لم ولن يكون مرهون بعودة نتنياهو إلى واجهة السلطة في إسرائيل، فالمشروع الإيراني أثقل من أن يحمله شخص أو حكومة بمفردهما، وإن كانت عودة نتنياهو ستساهم في تسريع استهداف المشروع الإيراني، لبراعته في استغلال الظروف وتجييرها لحسابه. وعليه، سيستغل النفور الدولي تجاه طهران، لتأطير عملية عسكرية مشتركة أو مدعومة أميركيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.