منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي رسميا مطلع عام 2020، تسعى بريطانيا إلى البحث عن شركاء جدد حول العالم، وما جعل ذلك ضرورة أزمتي الطاقة والاقتصاد العالميتين، حيث تبحث الدول الغربية عن حلول نتيجة توقف إمداد الغاز الروسي.

الدول الإفريقية كانت من أبرز وجهات الحكومة البريطانية، لبناء وتعزيز الشراكات الاقتصادية، في وقت تشهد فيه قارة إفريقيا زخما واهتماما واسعا من قِبل الدول الغربية، حيث تأمل أوروبا في أن تكون العلاقات مع إفريقيا سببا في تجاوز أزمة الطاقة الحالية.

استراتيجيات طويلة الأمد

وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، أوضح أن المملكة المتحدة “ستتبنى استراتيجيات طويلة الأجل لتطوير العلاقات مع دول إفريقيا وآسيا، في إطار بناء شراكات مستقبلية“.

كليفرلي، قال في بيان السبت الفائت، ونقلته صحيفة “الشرق الأوسط“، إن التصريحات القادمة، ستركز على توضيح استراتيجيات المملكة الخارجية الطويلة الأجل، “إذ يتوجب على المملكة المتحدة أن تطور علاقاتها مع الدول ذات النفوذ المتزايد، والتي ستشكل مستقبل العالم“.

وزير الخارجية كان قد بدأ سلسلة زيارات إلى إفريقيا، بدأت بكينيا، وقد أكدت الوزارة أن بريطانيا “وعدت باستثمارات جديدة في القارة الإفريقية، إضافة إلى تقديم دعم جديد لصندوق التنمية الإفريقي“.

الصحفي والباحث في العلاقات الدولية عبد الرحمن صلاح الدين، رأى أن السعي البريطاني لتعزيز العلاقات الإفريقية يرتبط بشكل رئيسي، في التخفيف من أثر الخروج من الاتحاد الأوروبي، فضلا عن تعزيز مصادر الطاقة.

صلاح الدين قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “السعي البريطاني نحو إفريقيا يرتبط بالتخفيف من أثر الخروج من الاتحاد الأوروبي، فلا شك أن البريطانيين بدأوا يدركون الآثار السلبية العميقة لخروجهم من الاتحاد الذي كان يؤمن لهم غطاءً دبلوماسيا ومجالا لنفوذ اقتصادي واسع، وعليهم الآن أن يعوضوا هذا الفراغ“.

البحث عن مصادر الطاقة

أما توسيع مصادر الطاقة، فالدول الأوروبية بما فيها بريطانيا، وقفت عائقا أمام مشروعات دول إفريقية لاستخراج الغاز والنفط وذلك تحت شعار “حماية البيئة“، لكنهم وبسبب استعمال روسيا للغاز سلاحا ضدهم يجدون أنفسهم مضطرين للبحث عن بدائل طويلة الأمد، خاصة أن البدائل قصيرة الأجل التي يلجأون إليها الآن ذات كلفة اقتصادية مرتفعة، لا تستطيع أوروبا تحمّلها لسنوات طويلة.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتوجه نحو إفريقيا، قد لا يدل على تغيير على مستوى الحلفاء، إذ يؤكد صلاح الدين، أن التغيير سيكون على مستوى الشركاء، بمعنى ستبقى بريطانيا حليفة أساسية في “الناتو“، لكنها ستوسع شراكاتها الاقتصادية مع دول جديدة، دول تكون إما مصدّرة للطاقة وإما ذات قابلية لأن تكون بديلا عن الصين في تأمين اليد العاملة الرخيصة.

هذا التوجه ليس بريطانيا فقط، ولكنه أوروبي عام، وإن حاولت الحكومة البريطانية تصوير الأمر بأنها تتحرك بطريقة فردية. “فالتنسيق في هذا الشأن مع الحلفاء وخاصة الأوروبيين لا بد أن يكون موجودا، ولو من تحت الطاولة“.

وفق رأي صلاح الدين، أن تكون إفريقيا مصدرا أساسيا من مصادر الطاقة لأوروبا فهذا يستلزم سلسلة شراكات تضمن رضا دول المصدر وكذلك دول العبور، لذلك ستجد الدول الأوروبية نفسها منخرطة في مشروع كبير يهدف لضمان مستوى من الاستقرار السياسي والاقتصادي في مجموعة كبيرة من الدول الإفريقية.

كما أنها ستجد نفسها مضطرة للتسليم بنفوذ متزايد لدول العبور وخاصة الجزائر والمغرب، والتي لا تحتاجها فقط في عبور خطوط الغاز، بل وأيضا في المساعدة بضمان أمن دول الساحل الإفريقي، والجميع يعرف أن الفرنسيين يخفقون في هذا المنطقة، وأن التنافس الروسي والصيني معهم يزداد حدة.

أزمة الطاقة كانت السبب البارز في تزايد الإقبال على إقامة علاقات جيد مع الدول الإفريقية، إضافة إلى توسيع هذه الدول لا سيما المغرب والجزائر لمشاريع التنقيب عن النفط والغاز.

الدول الأوروبية تسعى لتنفيذ مشاريع استيراد النفط ومصادر الطاقة من هذه الدول، لتعويض النقص الحاصل من وقف إمداد الغاز الروسي، فكانت هناك زيارات عديدة من قبِل المسؤولين الأوروبيين لدول إفريقيا.

كذلك استثمرت بعض الدول الإفريقية في اتجاه مشاريع الطاقة البديلة، في سبيل مواجهة التغير المناخي وتأمين جزء من الطاقة للدول الأوروبية.

قد يهمك: جهود أميركية لحماية الملاحة في الشرق الأوسط.. ما هي التهديدات؟

نتيجة موقعها على كوكب الأرض، تُقدر عدد ساعات تعرّض المغرب لأشعة الشمس بثلاثة آلاف ساعة سنويا، وهو رقم جيد للاستفادة من الطاقة الشمسية، كما يساهم هذا الاستثمار في مواجهة آثار التغير المناخي والتقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يجعلها كذلك وجهة للدول الأوروبية الباحثة عن المزيد من مصادر الطاقة.

المملكة المغربية أصبحت من أبرز محطات الاستثمارات الأجنبية والمحلية في مجال الطاقات المتجددة خاصة الشمسية والريحية، ومكّنت القوانين والإصلاحات التي باشرتها من تحفيز الاستثمار على مستوى مختلف المناطق، خاصة الجنوبية المتميزة بجاذبيتها للاستثمار الوطني والدولي في مجال تطوير مشاريع الطاقات المتجددة، نظرا للإمكانات الهائلة التي تتوفر فيها في هذا المجال.

مشاريع مشتركة

المغرب تعمل كذلك على إطلاق مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، وهو واحد من المشاريع الضخمة والعملاقة، التي يعوّل عليها لتزويد المملكة المتحدة بطاقة نظيفة عبر كابلات بحرية هي الأطول في العالم، وتمتد من محطات لإنتاج الطاقات الشمسية والريحية بالمغرب من منطقة كلميم واد نون التي تلقب بـ“بوابة الصحراء“، نحو السواحل البريطانية.

من المتوقع أن يتم ربط أطول خط كهرباء في العالم بطول 3800 كيلومتر من السواحل الجنوبية للمملكة المتحدة، وصولا إلى السواحل الجنوبية للمغرب.

المغرب كان قد أنشأ في ورزازات، جنوبي المملكة، واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، بتمويل أوروبي على مساحة 1.5 مليون متر مربع.

الاستراتيجيات البريطانية بشكل خاص والأوروبية بشكل عام، تبدو أنها ستركز على ملف الطاقة كأولوية في مشوارها لإقامة العلاقات مع دول إفريقيا، فالتغيّر الحقيقي سيكون على مستوى الشراكات الاقتصادية، وليس على مستوى الحلفاء الدوليين، لكن مع تزايد تحكم الاقتصاد في السياسة، هل نرى تحالف أوروبي جديد قائم على المصالح الاقتصادية في الفترة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.