على الرغم من استبعاد سيناريو الحرب المباشرة بين الكوريتين، إلا أن المناورات العسكرية وحرب إطلاق الصواريخ المتبادلة، اشتعل خلال الأشهر الماضية، في وقت تتهم فيه كوريا الجنوبية جارتها الشمالية بالسعي وراء عمليات “غزو إقليمية“.

طلعات جوية ومناورات متبادلة باستخدام الصواريخ، طرحت مجددا المخاوف من اندلاع حرب مباشرة بين الكوريتَين، فهل تكون هذه الاستفزازات سببا لعملية عسكرية هجومية، خاصة من جانب كوريا الشمالية، وماهي أبرز أسباب اشتعال المناورات العسكرية مؤخرا بين الجانبَين.

استفزاز بالطائرات

مسؤولون عسكريون في كوريا الجنوبية، أعلنوا أن كوريا الشمالية أطلقت خمس طائرات بدون طيار، عبر الحدود المشتركة، مؤكدين أن الطائرات “انتهكت المجال الجوي الكوري الجنوبي في المناطق الحدودية حول مقاطعة جيونج جي“.

بحسب ما نقل موقع “بي بي سي” وترجم “الحل نت“، فإن الطائرات بدون طيار والطائرات المروحية انتشرت على الحدود عند شبه الجزيرة الكورية، في حين ردت كوريا الجنوبية بإطلاق رشقات من الرصاص ضد الهجوم الكوري الشمالي.

مسؤول عسكري كوري جنوبي، وصف في تصريحات نقلها الموقع، “التوغل الأخير بأنه عمل استفزازي واضح من قبل كوريا الشمالية“.

مؤخرا تصاعد التوتر في منطقة شبه الجزيرة الكورية، وقد نفذت كوريا الشمالية عددا قياسيا من التجارب الصاروخية هذا العام، ما رفع من مستوى المخاوف حول نية بيونغ يانغ، تنفيذ عملية عسكرية مباشرة ضد جارتها الجنوبية.

الصحفي والباحث في العلاقات الدولية عبد الرحمن صلاح الدين، استبعد أن تؤدي التحركات الكورية الشمالية إلى اندلاع حرب مباشرة مع جارتها الجنوبية، وذلك لأن أيّا من الأطراف ليس لديه مصلحة في الحرب.

تحركات لا تصل للحرب

صلاح الدين قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “التحركات الكورية الشمالية وما قابلها من تحركات لدى الطرف الآخر، تأتي في سياق إظهار القوة لكن من دون نية لاستعمالها، فالاتجاه نحو الحرب في هذه الظروف لا مصلحة لأحد فيه، لا من الدولة التي قد تتورط بها مباشرة أو الدول التي ستمسها آثار الحرب“.

صلاح الدين أوضح أن سياسة الولايات المتحدة الأميركية بالتعامل مع كوريا الشمالية شهدت تحولات عدة خلال السنوات القليلة الماضية، “فعندما قدِم ترمب إلى السلطة ركّز بشكل كبير على إيجاد حل نهائي للأزمة الكورية وقد كسر بذلك السياسات التقليدية الأميركية في الملف“.

حول ذلك أضاف، “ترمب استعمل مع الكوريتَين سياسة العصا والجزرة عبر حديثه عن تخفيف التواجد الأميركي في كوريا الجنوبية واليابان في حال لم تتكفلا بدفع تكاليف قوات بلاده هناك، فيما قدّم لبيونغ يانغ عرضا يضمن خيارَين متباينَين بشدة، من التهديد بالحرب إلى الذهاب لرفع العقوبات عن كوريا الشمالية وإعادة دمجها بالمنظومة الدولية“.

مع خروج ترمب من السلطة وقدوم بايدن، عادت السياسة الأميركية إلى نسقها التقليدي. حول ذلك أضاف صلاح الدين، “أبواب المحادثات لم تغلق نهائيا، زعيم كوريا الشمالية بدوره عاد إلى سياساته السابقة في المناورات العسكرية، وحاليا المواجهة بين واشنطن وحلفائها من كوريا الجنوبية واليابان، وكوريا الشمالية إلى جانب الصين التي تواجه ضغوطات عدة من واشنطن“.

قد يهمك تصعيد جديد في كوسوفو.. الحرب تطرق الأبواب؟

الطلعات الجوية التي نفذتها كوريا الشمالية، هي الأولى من نوعها منذ عام 2017، وذلك عندما تم العثور على طائرة بدون طيار يُعتقد أنها تنتمي إلى كوريا الشمالية تحطمت في كوريا الجنوبية.

مسؤولون عسكريون كوريون جنوبيون، قالوا في ذلك الوقت إن الطائرة بدون طيار صورت نظام دفاع صاروخي أميركي في كوريا الجنوبية.

في وقت سابق من الشهر الجاري، زعمت كوريا الشمالية أنها أجرت اختبارات كبيرة ضرورية لمساعدتها على تطوير أول قمر تجسس لها، والذي يمكن استخدامه لمراقبة كوريا الجنوبية. ونشرت صورة جوية لسيول قالت إنها التقطت أثناء الاختبار.

مطلع شهر تشرين الأول/نوفمبر الماضي، تبادلت كوريا الشمالية والجنوبية إطلاق صواريخ عبرت الحدود البحرية بين البلدَين، وأعلنت كوريا الجنوبية وقتها، أن كوريا الشمالية أطلقت صاروخا باليستيا غير محدد باتجاه بحر الشرق، وقالت سيول إنها “المرة الأولى على الإطلاق التي يسقط فيها صاروخ كوري شمالي قرب مياهنا“، داعية إلى رد حازم على “استفزازات” جارتها.

مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة للجيش الكوري الجنوبي، كانغ شين شول، قال للصحفيين، إن “إطلاق الصاروخ الكوري الشمالي أمر غريب جدا وغير مقبول حيث سقط بالقرب من المياه الإقليمية لكوريا الجنوبية، جنوب خط الحد الشمالي لأول مرة“.

ليست فقط سياسات واشنطن هي التي تبدلت بالتعامل مع الملف، فقد شهدت الفترة التي تلت وصول الرئيس المحافظ الجديد لكوريا الجنوبية، يون سوك يول، وبعد فوزه بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، استئناف العمليات المشتركة بين أميركا وكوريا الجنوبية، الصيف الماضي لأول مرة منذ خمس سنوات، حيث قالت القوات الجوية الأميركية، إن العملية التي يطلق عليها اسم “عاصفة اليقظة” شارك فيها نحو 240 طائرة حربية تقوم بنحو 1600 طلعة جوية.

حرب الصواريخ هذه، جاءت بعد تحذير بيونغ يانغ، للولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، بوقف المناورات العسكرية، التي تجريانها في محيط شبه الجزيرة الكورية.

سخونة غير مسبوقة

مع اشتداد وتيرة المنافسة السياسية والعسكرية المتزايدة بين الغرب والصين، خاصة منذ بدء روسيا عملية غزوها لأوكرانيا، شهدت الحرب والمواجهة بين الكوريتَين سخونة غير مسبوقة، وذلك بعد أن كانت المواجهة بينهما تميل أكثر إلى “الحرب الباردة” خلال السنوات الماضية.

بالطبع فإن كلا الطرفين يمتلك حلفاء في هذه المواجهة، فكوريا الشمالية تقترب أكثر من الصين وروسيا، وجارتها الجنوبية من الولايات المتحدة واليابان.

الرئيس الحالي لكوريا الجنوبي سوك يول، أطلق قبل أشهر سلسلة من التهديدات ضد الجارة الشمالية، وقال إن كوريا ستطلق سلسلة من العقوبات الثنائية، في حالة إجراء تجربة نووية، أيضا قرر تكثيف التدريبات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة.

بحسب محللين مختصين بمتابعة الصراع بين الكوريتَين، فإن تصور سيول للتهديد من بيونغ يانغ، توسع بشكل كبير بسبب الحقائق التي تفيد بأن كوريا الشمالية هي التي أثارت الحرب بالفعل بالسابق، وأن كوريا الشمالية قد دفعت الجنوب إلى الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة. كما ازداد العداء الكوري الجنوبي ضد الصين وروسيا بعد التقارير التي أكدت مساعدتهم العسكرية لكوريا الشمالية، ومثل هذا التصور لانعدام الأمن جعل الرئيس سوك يول يعارض استمرار وقف إطلاق النار، والذهاب نحو محاسبة كوريا الشمالية.

والمناورات العسكرية المشتركة بين سيول وواشنطن، تأتي بالدرجة الأولى كرد على استئناف وشيك لتجارب القنابل النووية من قبل بيونغ يانغ، لذلك تتبنى كل من أميركا وكوريا الجنوبية استراتيجية “ردع” بيونغ يانغ من خلال مناورات عسكرية كبيرة.

المناورات المشتركة بدأت في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وهي أكبر تدريبات عسكرية مشتركة بينهما منذ أربع سنوات، إذ تسعى واشنطن إلى تنشيط شراكتها الاستراتيجية مع أحد حلفائها الآسيويين المقربين، وقد شملت تدريبات “أولتشي فريدوم شيلد” الأميركية والكورية الجنوبية، عشرات الآلاف من الجنود في تدريبات بالذخيرة الحية تجمع بين القوات البرية والبحرية والجوية.

المناورات البحرية شاركت فيها حاملة طائرات “رونالد ريغان“، وسط تصاعد التوتر مع كوريا الشمالية التي أطلقت 6 صواريخ في الأيام الأخيرة. حيث قالت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية، إن التدريبات البحرية تجري في المياه قبالة الساحل الشرقي للبلاد.

مع استمرار المناورات المتبادلة، يبدو أننا سنشهد مزيد من التعاون العسكري بين كوريا الجنوبية وحلفائها، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وذلك في إطار التلويح بأدوات القوة لكلا الجانبين، من دون الجرأة على اتخاذ خطوات من شأنها إشعال فتيل الحرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.