شائكة وكثيرة التشعب، لا تكاد تهدأ لفترة، حتى تسودها القطيعة والتأزم، هكذا توصف العلاقات الروسية – الإسرائيلية. فقد مرت العلاقة بينهما بعدة مراحل من القطيعة والتقارب في آن واحد منذ بدايتها في عام 1948، فرغم أن الإتحاد السوفيتي هو أول من أعترف قطعيا بالوجود الإسرائيلي في فلسطين، فهو من أكثر الدول خلافا دبلوماسيا معها.

العلاقة على هذا الحال بقيت حتى عام 2011، واتساع رقعة النفوذ الإيراني في سوريا بدعم روسي، دفع تل أبيب للنظر بعين القلق إلى هذا الدعم، لاسيما وأن زيادة نفوذ طهران بالقرب من حدودها الشمالية، يعني تسهيل إيصال معونات إلى الفصائل والقوات المعارضة لها داخل الأراضي الفلسطينية.

طبيعة العلاقات الروسية الإسرائيلية

ليس هناك أي ثوابت في العلاقة الروسية الإسرائيلية، فسياسة البلدين اتجاه أحدهما الآخر متقلبة، وبدأت ملامح التقلب بشكل واضح بعد أن تبنت جماعة “شتيرين” اليهودية عملية تفجير مبنى البعثة الدبلوماسية السوفيتية في تل أبيب عام 1953، وقطع على إثرها رئيس الإتحاد السوفيتي وقتها، جوزيف ستالين علاقته الدبلوماسية مع تل أبيب، ولكن مياه العلاقة بينهما سرعان ما عادت إلى طبيعتها بعد وفاة ستالين في العام ذاته.

منذ ذلك التاريخ مرت علاقة البلدين بعدة مراحل من القطيعة والتقارب، واستمرت على هذا الحال حتى عام 1967، واندلاع حرب حزيران العربية-الإسرائيلية، موسكو بادرت وقتها إلى قطع علاقاتها على مدى العشرين عاما اللاحقة، ودعم المعسكر العربي كمناكفة لدعم الغرب للكيان الإسرائيلي.

قد يهمك: مشاكل جديدة تواجه العلاقات الروسية الإسرائيلية.. ما النتائج؟

هذا الدعم وصِف وقتها بأحد جوانب الحرب الباردة، بعد أن صنّف الإتحاد السوفيتي إسرائيل ضمن محركات المعسكر الغربي في المنطقة، وتاليا فقد احتاجت إلى دعم المعسكر المناهض لها، لتحقيق التوازن في المشرق العربي.

بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، شهدت علاقة الطرفين نقلة نوعية، ووقّع الطرفان عدة معاهدات تعاونية في مختلف المجالات، ولكن لطالما كانت آثار الحرب الباردة مستمرة في العلاقة بينهما، بعد أن استُبدل العداء السوفيتي الغربي، بالعداء الروسي الأميركي، ولعل الأزمة السورية في عام 2011، من أبرز دلائل هذا العداء التاريخي.

الموقف الروسي من صراع تل أبيب وطهران في سوريا

الأحداث التي تشهدها سوريا منذ عام 2011، حددت طبيعة العلاقة بين تل أبيب وموسكو، ودفعت بها الى منحدر جديد، خاصة بعد أن أعلنت الأخيرة تعاونها مع طهران لدعم الحكومة السورية.

تل أبيب وفقا لذلك، وضِعت في موقف صعب، فالتعاون الروسي الإيراني قرب حدودها الشمالية، سيشكل بلا شك تهديدا على أمنها الداخلي، ولكنها وفي ذات الوقت، لم ترغب بإثارة حساسية موسكو، وحافظت على علاقاتها التجارية والدبلوماسية معها.

بحسب معهد “القدس للاستراتيجية والأمن”، فإن هذا الموقف الإسرائيلي من روسيا، يرجع إلى رغبتها بكسب ود موسكو واستمالتها في سبيل نيل معلومات أمنية حساسة تخص مناطق النفوذ الإيراني في سوريا وطبيعته، وبحسب كاتب التقرير عومر دوستري، وهو خبير مختص بشؤون الأمن الاستراتيجي، فقد استغلت تل أبيب لهذا الغرض معلومات مؤكدة، بوجود خلافات بين الحليفين على مناطق النفوذ بينهما، خاصة في محافظتي اللاذقية وطرطوس المطلّتين على البحر المتوسط، واللتان ترغب موسكو بالاستحواذ عليها، وإبعاد طهران عنها.

لم توافق روسيا على طلبات إسرائيل في البداية، ولكن المشاكل التي بدأت تثيرها طهران بقوة داخل المنطقة، دفعتها الى إعادة حساباتها، ووافقت أواخر العام الماضي، على طلبات إسرائيل المتكررة بفسح المجال أمام طائراتها لاستهداف مناطق النفوذ الإيراني شرقي سوريا وبالقرب من الحدود العراقية تحديدا، كما يقول الصحفي المختص في الشؤون الأوروبية، علي محمد علي لـ”الحل نت”.

إن موافقتها شملت إطفاء أنظمة مضادات الطائرات والتشويش في أوقات معينة، لفسح المجال أمام مرور الطائرات المسيّرة الإسرائيلية، وفق علي، وهي بذلك عبّرت عن رغبتها بإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع إسرائيل، كوسيلة احتياطية يمكن العودة لها في ظل الضغوط الاقتصادية المفروضة عليها حاليا إثر حربها ضد أوكرانيا.

التأثير الأميركي على العلاقة بين الطرفين

الحرب الروسية – الأوكرانية، غيرت الكثير من ملامح العالم السياسية والاقتصادية، وبشكل طبيعي فقد أخذت الولايات المتحدة جانب أوكرانيا من الأزمة، وحثت حلفائها بالحذو على خطاها، ولكن موقف إسرائيل واستجابته لواشنطن، كان مترددا على غير العادة، ووصِف بالتقلب.

“المركز الروسي الإستراتيجي”، يضع اللوم في تقلب المواقف الإسرائيلية على الضغوط الأميركية المفروضة على إسرائيل، التي تحاول الابتعاد عن سياسة واشنطن والعودة إلى موقفها المتوازن، ويشير في تقريره المنشور في 12 كانون الثاني/يناير الحالي، إلى أن إسرائيل لطالما كانت محايدة فيما يخص الحرب الروسية على أوكرانيا، نظرا إلى موقفها بالضد من العقوبات الأممية ضد موسكو، كما وسبق أن رفضت دعوات كييف باتخاذ مواقف أكثر تشددا ضد موسكو.

اقرأ أيضا: توتر جديد في العلاقات الإسرائيلية الروسية.. ما الاحتمالات؟

كانت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت قد أكدت على أهمية وحدة الأراضي الأوكرانية، وردت البعثة الروسية في الأمم المتحدة على بيانه، في 24 شباط/فبراير عام 2022، بمنشور على صفحتها في “تويتر”، أقرت فيه عدم اعترافها بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري الذي تحتله إسرائيل منذ عام 1967.

سرعان ما تراجع بينت عن موقفها، ورفضت فرض العقوبات على روسيا، فيما تبنت حكومة خلفه يائير لبيد سياسة معادية لموسكو، دفعت الأخيرة إلى إغلاق مكاتب المنظمة اليهودية لديها.

في الوقت الحالي، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو الابتعاد عن الاعتقاد النمطي السائد، بخصوص التأييد الإسرائيلي لأوكرانيا، وبالفعل فقد أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد إيلي كوهين، اتصالا هاتفيا مطلع العام الحالي، هو أول من نوعه منذ شباط/فبراير عام 2022، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ألمح فيه إلى أنه وعلى عكس سلفه فلن يُدين روسيا فيما يخص حربها ضد أوكرانيا.

بشكل واضح فقد أثار هذا الاتصال حساسية الإدارة الأميركية، وقال عضو “الكونغرس” عن “الحزب الجمهوري”، ليندسي غراهام، في تغريدة على صفحته في “تويتر”، “أمل أن يدرك السيد كوهين أنه تحدث إلى متحدث باسم نظام متهم باقتراف جرائم حرب”.

واشنطن على الإثر، عمدت إلى إرسال دعم عسكري من مخازن ذخيرتها في إسرائيل إلى أوكرانيا، وبحسب تقرير “نيويورك تايمز” المنشور في 17 كانون الثاني/يناير الحالي، فإن إسرائيل أنكرت علاقتها بهذه المخازن، وصرّح عدة مسؤولين فيها إلى أن للولايات المتحدة حرية التحكم بهذه المخازن دون الحاجة الى أخذ موافقتها.

في الحقيقة فإن هناك اعتقاد شائع، أن إسرائيل وافقت على نقل هذه الأسلحة لإرضاء واشنطن، وهي تحاول اللعب على خيط رفيع بين الطرفين، نظرا إلى عدم وضوح الخارطة السياسية العالمية الحالية، فهي تتقرب من موسكو وواشنطن في آن واحد، عبر اتخاذ مواقف ترضيهما سويا.

الثابت والمتغير في علاقة موسكو تل أبيب

حالة الاصطفاف الجيوسياسية الجديدة وعدم وضوح التكتلات الدولية النهائية، هي ما تحدد موقف إسرائيل الحالي والقادم في الخارطة الجديدة، معهد “القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية” يؤكد حاجة إسرائيل إلى الحفاظ على علاقاتها بموسكو، ولكنها بحاجة إلى دعم أوكرانيا في الوقت ذاته، لتجنب غضب الولايات المتحدة.

الباحث في السياسة والعلاقات الدولية، جهاد ملكة، يقول إن “إسرائيل تدرك أهمية روسيا بالنسبة للنظام العالمي، وحضورها المؤثر على الأحداث العالمية، في أوكرانيا وسوريا، وتفهم قدرة روسيا في التأثير على المنطقة، في حين أن قدراتها التأثيرية محدودة فيها، وهو سبب رغبتها بالحفاظ على علاقاتها معها”.

ملكة يستدرك في تصريحه لـ”الحل نت”، بأن ضبابية الموقف الإسرائيلي من روسيا ترجع إلى تباين مواقف النخب السياسية والأمنية الإسرائيلية بخصوص مستقبل علاقاتهم مع روسيا، حيث يفضّل بعضهم القرب من الصف الأميركي والغربي باعتباره حليف إستراتيجي لإسرائيل، فيما يعتقد آخرون أن قطع العلاقة مع روسيا سيضر بمصالح إسرائيل الأمنية، وهو سبب محاولاتها في بعض الأحيان للظهور بموقف حيادي من طرفي الأزمة، ويُعتقد أن العلاقة بين الطرفين ستستمر على هذا الحال.

لا شك إن إسرائيل لن ترغب بإثارة الحساسية حاليا مع روسيا، لاسيما وأن الأخيرة قادرة على استهدافها بسهولة عبر مناطق تواجدها في سوريا، ولكن رغم كل ذلك، فإن الموقف الإسرائيلي لا يزال بعيدا عن الثوابت، وستخضع علاقتها مع روسيا لعدة تأثيرات ومتغيرات تحدد وفقا لاضطرابات المنطقة واستقرارها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.