لا تبشر إجازة موازنة 2023 في السودان بالانتقال لمرحلة جديدة للاقتصاد البلاد، حيث أعلنت الحكومة السودانية عن مصادقة القطاعات الوزارية على مشروع موازنة البلاد للعام الجاري 2023، بإجمالي عجز كلي يبلغ 12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

القطاعات الوزارية والتي تشمل أقسام الوزارات ودوائرها، وافقت على مشروع الموازنة مبدئيا، وفق بيان لوزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، صدر الاثنين الماضي، إذ إن إجمالي الإيرادات المتوقعة 7.363 تريليونات جنيه سوداني نحو 12.7 مليار دولار، بينما بلغ إجمالي الإنفاق 8.196 تريليونات جنيه نحو 14.1 مليار دولار.

الموازنة ستركز على خفض الفقر بزيادة عدد الأسر المدعومة بشكل مباشر إلى 100 ألف أسرة وتوفير 90 ألف وظيفة خلال العام وتوجيه نحو 35 بالمئة من الإنفاق إلى الصحة والتعليم، بحسب بيان للناطق باسم الحكومة السودانية، نشر على موقع قناة “سكاي نيوز عربية”.

تحديات كثيرة

موازنة 2023 تواجه الكثير من التحديات، باعتبار أن موازنة 2022 واجهت تحديات كبيرة أيضا، وكالعادة تمتد هذه التحديات للعام 2023 في ظل عدم وجود منح وقروض خارجية لدعم الموازنة واعتماد الموازنة على الموارد الذاتية فقط، وفق حديث المحلل الاقتصادي السوداني محمد الناير، لـ”الحل نت”.

هناك فهم خاطئ من قبل الدولة لقضية الموارد الذاتية، بحسب الناير، باعتبار أن الدولة في العام الماضي أثقلت كاهل المواطن السوداني، من خلال فرض المزيد من الرسوم والضرائب بصورة كبيرة، أدت لإرهاقه تنفيذا لموجهات “صندوق النقد الدولي”، وفق تعبيره.

قديهمك: الوصول لـ”الاتفاق النهائي”.. لا عودة لأزمة الحكم في السودان؟

لم يتم الإعلان عن تفاصيل الموازنة حتى يتم معرفة البنود المرصودة لكافة الخدمات المختلفة، بما في ذلك قطاع الأمن والقطاع العسكري، يقول الناير، إنه “وبحسب تصريح وزارة المالية، هنالك زيادة في نسبة التعليم والصحة بحوالي 14 بالمئة من الموازنة للصحة، و10 إلى 24 بالمئة للتعليم وتعلن الدولة بأنها تريد رفع النسبة الأخيرة إلى 40 بالمئة في المرحلة القادمة”، ويعتبر الناير بأن “هذا أمر جيد إذا تم تنفيذه على أرض الواقع، إلى جانب الاهتمام بالمشاريع التنموية والقطاعات الخدمية بشكل أساسي”، على حد وصفه.

أهداف معلنة

موازنة 2023 حددت عددا من الأهداف الاستراتيجية التي لخصتها في الإصلاح الاقتصادي والهيكلي، وذلك بتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي والاعتماد على الموارد الحقيقية، وتحسين معاشات الأفراد وخفض معدلات الفقر وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

الموازنة الحالية، تأتي في ظل عدم وجود حكومة تنفيذية لأكثر من عام، وسط صعوبات اقتصادية بالغة تبرز أهم ملامحها في تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي بنسب قدرت بأكثر من 30 بالمئة، وسط تقارير تحدثت عن خروج 80 بالمئة من المصانع عن العملية الإنتاجية، بسبب ارتفاع الرسوم والضرائب والجمارك وزيادة فاتورة الطاقة بنحو 500 بالمئة، بحسب موقع “سكاي نيوز عربية”.

الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد السوداني، تفاقمت بشكل كبير، عقب تعليق “المجتمع الدولي” مساعدات وتمويلات تنموية قدرت بنحو 8 مليارات دولار، ويرى محمد الناير، بأن “الخروج من هذه الصعوبات والركود الاقتصادي، يتوجب الخروج بموازنة واقعية وشفافة” وفق تعبيره.

غير واقعية

موازنة 2023 غير واقعية، بناء على حديث الوزير نفسه، الذي كشف عن حجم الموازنة البالغ 5 تريليون جنيه سوداني، بحسب ما تحدث به الخبير الاقتصادي أحمد سالم، لموقع “التغير” السوداني.

الموازنة وفق هذا الرقم تعتبر كبيرة جدا وستكون غير واقعية، بحسب سالم، إذ لا يمكن تحقيق الإيرادات الذاتية المذكورة، لعدة أسباب أهمها الخلل في تحصيل الضرائب ورفع قيمة الجمارك التي أثبتت عدم جدواها بعد أن تراجع الاستيراد.

من خلال قراءة أرقام الأداء للميزانيات في السنوات الماضية، يتضح حجم الخلل والتدهور الذي أصاب الاقتصاد السوداني، وبحسب دراسة أجراها سالم حول عجز الميزانية خلال الفترة من 2017 إلى 2022، يقول، “إذا نظرنا للموازنات السابقة مثلا في 2017 كان الأداء الفعلي للميزانية 93 مليار جنيه وكان المخطط له 84 مليار بعجز يعادل 9 مليارات جنيه”.

اقرأ أيضا: التوتر المتطور في السودان ودور القاهرة.. تحويل الانتباه عن التحديات؟

في 2018 كان الأداء الفعلي للميزانية 163 مليار جنيه وكان المخطط له 127 مليار جنيه بعجز يقدر بمبلغ 36 مليار جنيه، بحسب سالم، وأيضا في العام 2019 كان الأداء الفعلي للميزانية 217 مليار جنيه وكان المخطط له 195 مليار جنيه بعجز يقدر بمبلغ 22 مليار جنيه.

العجز في الميزانية خلال هذه السنين ناتج عن زيادة في الصرف عمّا هو مخطط له، وفق الدراسة، وأما في 2020 كان الأداء الفعلي للميزانية 448 مليار جنيه وكان المخطط له 641 مليار جنيه بنقص يقدر بمبلغ 193 مليار جنيه.

في 2021 كان الأداء الفعلى للميزانية 1412 مليار جنيه وكان المخطط له 2475 مليار جنيه بنقص في الميزانية يقدر بمبلغ 1063 مليار جنيه، ويصف سالم العجز في هذه السنوات بالسالب، مما انعكس سلبا على الصرف في الخدمات ومشروعات التنمية والبنى التحتية.

أما في العام 2022 فقد كان الربط المخطط له مبلغ 3206 مليار جنيه ولكن حتى الآن لم يصدر تقرير الأداء الفعلي لمعرفة العجز في تنفيذ الميزانية السابقة، تعطى هذه القراءة مؤشرات سالبة في إدارة الملف الاقتصادي تتضح في تدني الإيرادات الذاتية وتوقف شبه كامل للقروض والدعم الدولي، كما أن الاستمرار في سياسة رفع الدعم يزيد من التضخم والركود وبالتالي يؤثر على الإيرادات والمواطنين، بحسب سالم.

زيادة غير منطقية

الموازنة جاءت متضخمة باعتبارها تبلغ حوالي 7.4 تريليون جنيه سودانيا قياسا بالموازنة السابقة التي كانت مواردها بحدود 3.3 تريليون ولكن ما تحقق أقل من 3 تريليون جنيه، وفق الناير. وبالنسبة للإنفاق العام أكثر من 8 تريليون للعام 2023 قياسا بـ3.6 تريليون في العام السابق 2022، وبالتالي هناك زيادة كبيرة غير منطقية وغير معقولة بصورة أساسية، لذلك لا يتوقع الناير، أن تصمد هذه الموازنة للمرحلة القادمة وأن تستطيع مواجهة التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني في ظل حالة الركود التي يعيشها.

لم تقدم الحكومة السودانية رؤية واقعية بشأن الإنفاق، من وجهة نظر الناير، لأن الموازنة جاءت متضخمة، وتزيد عن موازنة العام الماضي بنسبة أكثر من مئة بالمئة، وبالتالي معدل زيادة الموازنات على مستوى العالم تكون بحوالي 5 إلى 10 أو 15 بالمئة سنويا، وليس مئة بالمئة دفعة واحدة خلال عام واحد، وهذا يجعلها غير واقعية مع عدم وجود ضمان لتنفيذها بصورة كبيرة.

 التنمية ضعيفة في الموازنة ومرصود لها حوالي 700 مليار جنيه وهذه نسبة تعادل 10 بالمئة من الموازنة وتعتبر قليلة، بحسب الناير.

الناير يأمل بألا يحمل العام 2023 مزيدا من الأعباء على المواطن السوداني بصورة أساسية، وأيضا أن تستثمر موارد وإمكانات السودان الطبيعية لمصلحة الاقتصاد السوداني ولمصلحة المواطن، وهذا هو التحدي الأكبر في العام 2023 لأن الدولة لا تستطيع أن تفرض مزيدا من الضرائب، ولا تستطيع أن تزيد الضرائب زيادة رأسية، وكذلك أن تزيد الإيرادات على حساب المواطن السوداني بصورة كبيرة، لذلك لابد من البحث عن موارد حقيقية لدعم الموازنة في العام 2023.

موازنة 2023 في السودان، وصفها محللون اقتصاديون بـ”الغامضة”، فلم تتضمن خدمات مستقبلية جديدة، أو قوانيين محفزة للاستثمار، كما تجاهلت القطاع الخاص ومعدلات التضخم، ويرى مراقبون بأن الهدف من إعلانها هو إبراز دور الدولة في تسيير الأمور فقط، في ظل غياب المؤسسات المعنية بمناقشة وإجازة الموازنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.