في حين أن أعداد المهاجرين بشكل عام، وخاصة في بعض دول الشرق الأوسط والمغرب العربي ذات الاقتصادات الضعيفة، آخذ في الارتفاع نحو دول “الاتحاد الأوروبي”، تتعهد وتسعى بعض الدول الأوروبية بين الحين والآخر، وأبرزها المجر وصربيا والنمسا، باتخاذ إجراءات جديدة لاحتواء وردع تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى دول الاتحاد عبر عدة قنوات، حيث ترزح قوات مراقبة الحدود لضغوط متزايدة.

بالابتعاد عن دول الشرق الأوسط والتّعمق في بلدان المغرب العربي، يُلاحظ في قضية الهجرة أن عدد طلبات اللجوء المُقدّمة من قبل المغاربة في دول “الاتحاد الأوروبي” ارتفع إلى مستوى قياسي خلال العام الماضي، حيث بلغ عدد الطلبات 21 ألف طلب بحسب أرقام “وكالة اللجوء الأوروبية”.

من هنا، وجِب طرح بعض التساؤلات حول أسباب هذا الارتفاع القياسي في طلبات اللجوء المقدَّمة من لاجئين ينتمون إلى بلدان المغرب العربي صوب أوروبا، وما إذا ثمة وجود أسباب سياسية حقيقية وراء طلبات اللجوء هذه، و إمكانية قبولها من قِبل “الاتحاد الأوروبي”، وتساؤل حول مدى تأثير طلبات لجوء المغاربة على طلبات اللجوء للأشخاص الهاربين من الحرب والأوضاع الأمنية ​​المضطربة حقا، والحلول الممكنة في هذا الصدد.

دوافع هجرة المغاربة

“وكالة اللجوء الأوروبية” قالت أيضا إن عدد طلبات اللجوء التي تَقدّم بها اللاجئون المغاربة عرفت ارتفاعا ملحوظا، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق منذ حوالي عشر سنوات، موضحة أن من إجمالي الطلبات البالغ عددها 21 ألفا و166، مُنح 500 مغربي صفة لاجئ و 52 آخر صفة “حماية فرعية” وهي شكل من أشكال الحماية الدولية تمنح للأشخاص الذي لا يمكنهم العودة إلى بلدهم الأصلي، فيما تم رفض قبول طلبات أكثر من 10 آلاف شخص، ولم تصدر قرارات بعد بشأن ملفات باقي المتقدمين.

هذا وظل 17044 طلبا للمغاربة معلقا، منها 1001 طلب معلق لمدة غير محددة، و6653 طلبا معلقا لأقل من ستة أشهر، و9390 طلبا معلقا لأكثر من ستة أشهر. وبصفة عامة، في عام 2022، تلقت دول “الاتحاد الأوروبي” حوالي 966 ألف طلب للحماية الدولية، بزيادة أكثر من 50 بالمئة مقارنة مع العام 2021. وكانت أكبر مجموعات المتقدمين من السوريين والأفغان والأتراك، لكن الطلبات كانت مرتفعة أيضا من مواطني مجموعة واسعة من دول أخرى.

كما وادّعى حوالي 43 ألف متقدم أنهم قاصرون غير مصحوبين بذويهم، وهو أكبر عدد منذ عام 2015. في حين أصدرت سلطات اللجوء في “الاتحاد الأوروبي” حوالي 632 ألف قرار ابتدائي في عام 2022. وكانت الفجوة بين القرارات الصادرة والطلبات المقدمة هي الأوسع منذ عام 2015.

تعقيبا على هذا الارتفاع، يقول أستاذ العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعة “سوق أهراس” الجزائرية، والمهتم بالدراسات السوسيولوجية، الدكتور فوزي بن دريدي، إن فترة الأزمات الاقتصادية تلعب دورا أساسيا مهمّا في زيادة الهجرة نحو دول أخرى تتمتع بمستويات معيشية أفضل. كما أن غياب فشل السياسات الاقتصادية وأُفق وجود حل اقتصادي قابل للتطبيق كلها عوامل تشجع على البحث عن المزيد من الفرص في الدول الأخرى.

قد يهمك: أزمة الإيواء والخوف من الزلزال.. تركيا أمام أكبر موجة هجرة في التاريخ؟

من وجهة نظر بن دريدي الذي تحدث لموقع “الحل نت”، تعتبر الدول الأوروبية الفضاء المقابل لدول المغرب العربي، والذي يفتح فرصا أفضل نسبيا للمهاجرين، لا سيما الفئة الشابة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقات التاريخية والتقارب بين المغرب العربي والدول الأوروبية، تُفسّر بطريقة أو بأخرى، محاولات المهاجرين المتزايدة تجاه أوروبا.

العالم اليوم لا يزال تحت تأثير تداعيات جائحة “كوفيد-19″، إلى جانب تبعات الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة حتى الآن، وانحسار الاقتصادات الهشّة، كل ذلك كان سببا في الضغط على دول المغرب العربي، وانحدار الطبقات الوسطى إلى مستويات أقل، أي إلى طبقات فقيرة، وفق تقدير بن دريدي.

“وكالة اللجوء الأوروبية” أوضحت أيضا أن الارتفاع  المسجّل يرتبط جزئيا برفع القيود المرتبطة بجائحة “كورونا”، فضلا عن النزاعات وانعدام الأمن الغذائي في العالم. الأمر الذي دفع بطلبات اللجوء المقدمة من قبل المنتمين للمغرب العربي نحو منحاه التصاعدي، منتقلا من 4904 طلب عام 2014 إلى 21 ألف و895 خلال السنة الماضية، وفق بيانات الوكالة.

أسباب سياسية؟

الباحث الاجتماعي الجزائري، بن دريدي، يرى أنه لا توجد أسباب سياسية مباشرة لارتفاع مستويات الهجرة رغم أنه لا ينفي تأثيرها النسبي عليها. أما أوروبا فهي ليست بمنأى عن الضغط على اقتصاداتها إبّان الحرب الروسية الأوكرانية والأعباء المتزايدة عليها. بمعنى أوضح، فإن طالبي اللجوء المغاربي في أوروبا يبدو أن أغلبهم هاجروا بغية تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ولا ترتبط طلبات الأغلبية بأسباب سياسية.

أواخر شهر كانون الثاني/يناير الماضي، أعلنت سويسرا أن أرقام المهاجرين الوافدين إلى أراضيها بشكل غير نظامي خلال 2022 تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بالعام السابق. كذلك، الهيئات المعنية تحدثت عن ارتفاع كبير بأعداد المغاربة والأفغان ضمن هؤلاء المهاجرين، القادمين بمعظمهم من النمسا وإيطاليا.

“المكتب الاتحادي للجمارك وأمن الحدود السويسرية”، قال إن القفزة في الأرقام بين كانون الأول/ديسمبر 2021 وكانون الأول/ديسمبر 2022 تعود بشكل أساسي إلى الدخول غير القانوني للمهاجرين إلى سويسرا عبر الحدود الشرقية والجنوبية، حسب بيانات المعابر الحدودية مع النمسا وإيطاليا، وفق تقارير صحفية.

أما عن مدى قبول طلبات اللجوء المغاربة في دول “الاتحاد الأوروبي”، يرى بن دريدي، أنه من الصعب تصور قبول أوروبا لموجات الهجرة من الجنوب، وأضاف أن “الارتفاع الأخير في الخطابات تجاه المهاجرين في أوروبا يدل على النزوح وليس الهجرة إليه، مما يؤشر على عدم قبولها بهذه الظاهرة”.

بعض الخبراء يرون أن أسباب اللجوء الحقيقية والمتعلقة أساسا بعنصر الاضطهاد، بالإضافة إلى الشروط الأخرى كانتهاك الحق في الحياة بسبب الحرب أو انعدام الأمن أو العنف تحت مبررات العِرق أو الدين أو الفكر، بحسب اتفاقيتي “دبلن 1 و2″، لم يتم تضمينه في ملفات المتقدمين باللجوء القادمين من المغاربي، وفق موقع “الحرة” الأميركي.

بن دريدي، وبحسب تقديره يرى بأن أوروبا، في ضوء هذا الارتفاع في طلبات اللجوء، تتعرض أيضا لضغوط من جماعات حقوق الإنسان التي تطالب بمعاملة لائقة للمهاجرين. خاصة وأن آلاف المهاجرين يواجهون خطر الغرق في عرض البحر في موجات النزوح الجماعي والمحفوف بالمخاطر، وجُلّهم فارون من الفقر، ولا شك أن هذا ما يجعلهم لقمة سائغة بأيدي مهربي البشر الذين يمارسون تجارة مميتة في البحر الأبيض المتوسط.

كما لا يمكن التغاضي عن ثغرة أن بعض المهاجرين بأوروبا يحاولون استغلال بعض الأحداث السياسية التي عرفها المغرب العربي خلال السنوات الأخيرة في طلباتهم، كما هو الشأن بالنسبة لحراك الريف، غير أن هذا الارتفاع الكبير، ينبغي شرحه وتفكيكه في إطار النتيجة النهائية والمتمثلة في مدى قبول “الاتحاد الأوروبي” لهذه الطلبات.

التأثير على الفارين من الحرب

في السياق، وخلال العام 2021 تقدم 14.929 مغربيا بطلبات لجوء تم رفض 90 بالمئة منها، أودع معظمها في بلدان إسبانيا والنمسا وإيطاليا وهولندا وفرنسا تواليا، والتي وافقت على 532 طلب فقط. وبخصوص تأثير المهاجرين المغاربة على الفارين من الحروب والنزاعات، يقول بن دريدي، إن هناك دولا أوروبية فضّلت، بحسب ما تشير إليه التقارير، استقبال الهاربين من أوكرانيا، جرّاء الغزو الروسي لأوكرانيا على غيرها من الهجرات، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تنامي خطاب الكراهية والإقصاء ضد المهاجرين المغاربة.

قد يهمك: من إفريقيا إلى الخليج.. مهاجرون يغذون الإرهاب ويثقلون الاقتصاد

الخبراء يقولون إن الذين يتم رفض طلبات لجوئهم، يحق لهم تقديم طلب استئناف في مكتب اللجوء الإقليمي المختص أو في وحدة اللجوء المختصة التي أصدرت قرار الرفض، وفي حالة رفض الاستئناف أيضا يتم احتجاز المهاجر في مراكز الاحتجاز قبل ترحيله.

إذا ما تم الحديث في إطار الحلول الممكنة، فإن المقاربات التشاركية والحوارية بين دول “الاتحاد الأوروبي” والدول المصدّرة للهجرة، أي البلدان المغربية في هذا السياق، لابد من إيجاد آليات للاندماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين في بلدانهم الأصلية. أي تحسين الظروف المعيشية من جهة، وتشديد الإجراءات على المهاجرين من قِبل الدول الأوروبية من جهة أخرى.

كذلك، كشفت “وكالة الحدود الأوروبية”، “فرونتكس“، مؤخرا، عن زيادة هائلة في معدلات الهجرة غير الشرعية إلى دول “الاتحاد الأوروبي” خلال العام الماضي. وقالت إن الأعداد بلغت أعلى مستوى منذ عام 2016، وبزيادة بلغت نحو 64 بالمئة عما كانت عليه عام 2021.

بحسب أرقام الوكالة، تم تسجيل “330 ألف دخول غير نظامي إلى أوروبا، ونحو 45 بالمئة منهم دخلوا عن طريق البلقان، وجاء العبور من البحر المتوسط في المرتبة الثانية”. كذلك شكلت النساء نسبة 10 بالمئة من المتسللين وطالبي اللجوء، فيما سجل الأطفال القُصّر نحو 9 بالمئة. أما بالنسبة لجنسيات طالبي اللجوء، تصدر السوريون القائمة، حيث بلغ عددهم نحو 100 ألف. شكل المهاجرون من سوريا وأفغانستان وتونس، الغالبية العظمى بنسبة 47 بالمئة.

من طرف آخر، فقد تراوح نسب قبول ملفات الهجرة عالية، بالنسبة للسوريين، إلى نحو 94 بالمئة، والبيلاروسيين بـ 88 بالمئة والأوكرانيين بـ 86 بالمئة والإريتريين واليمنيين بـ 84 بالمئة، وكانت نسب الموافقة على اللجوء منخفضة لمواطني الهند ومولدافيا ومقدونيا الشمالية وفيتنام بـ1 بالمئة وتونس والبوسنة والهرسك بـ2 بالمئة.

التقارير تؤكّد أن معظم المواطنين المغاربة الذين يهاجرون بشكل غير نظامي إلى “الاتحاد الأوروبي”، يقدمون على ذلك عن طريق القوارب على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا، وتنطلق معظم القوارب التي تقلّ هؤلاء الأشخاص إلى إيطاليا من ليبيا.

في العموم، يتزايد عدد الهجرة غير الشرعية من الدول المغربية إلى الدول الأوروبية إلى جانب دول الخليج لأسباب اقتصادية، وإن ثمة أسباب سياسية أو تعليمية بشكل محدود، لكن الفقر والبطالة تَعُدّان من أبرز أسباب زيادة الهجرة المغربية وبشكل عام دول الشرق الأوسط وقارة إفريقيا، وبالتالي إذا لم تقم حكومات هذه الدول بتحسين الظروف المعيشية في بلدانهم، بجانب تشديد الدول الأوروبية لحدودها وقوانينها تجاه المهاجرين، فمن المتوقع أن تستمر إيطاليا والدول الحدودية الأخرى في مواجهة مستويات كبيرة من الهجرة غير الشرعية من بلاد المغرب العربي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.