عدة أحزاب سياسية في لبنان شنّت حملات وصفت بالممنهجة لترحيل قسري للاجئين السوريين، فيما ترفض بعض القوى السياسية والمنظمات الدولية هذا الأمر بسبب الظروف غير الآمنة في سوريا. حيث عادت قضية التحريض ضد اللاجئين السوريين إلى الواجهة مرة أخرى، ما يولّد تحذيرا من “قتال سوري لبناني” محتمل.

من جديد عادت قضية التحريض على اللاجئين السوريين إلى الواجهة في لبنان مع تحركات وحملات مركّزة انخرطت بها أطراف سياسية عدة، وذلك للدفع باتجاه ترحيلهم قسريا، خصوصاً مع دعوات مشبوهة ومجهولة المصدر باسم اللاجئين السوريين للتظاهر أمام مقر مفوضية اللاجئين، مقابل دعوة مماثلة من قبل لبنانيين يطالبون بترحيلهم.

الأجهزة الأمنية اللبنانية كثّفت عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين خلال الأسبوعين الماضيين، وأعادت أكثر من 70 لاجئا إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وطبقا للتقارير فإن جهاز الأمن العام يقوم بتسليم الموقوفين المخالفين إلى فوج الحدود البرية في الجيش الذي يتولّى وضعهم خارج الحدود اللبنانية، لكن ما علاقة هذه الحملة بالشغور الرئاسي والمصالح الاقتصادية؟

شكوك حول توقيت الحملة

مكالمات مجهولة المصدر ومشبوهة تم تداولها مؤخرا تحثّ اللاجئين السوريين على التظاهر خارج مقر المفوضية مقابل دعوة لبنانية لترحيلهم. مع استمرار تصاعد التوترات، كثّفت أجهزة الأمن اللبنانية عمليات الترحيل القسري للاجئين السوريين خلال الأسبوعين الماضيين. وتشير المعلومات إلى أن إعادة اللاجئين كان بصفة “اعتباطية” وليس تحت قوائم معينة.

لاجئون سوريون يستعدون للعودة إلى بلادهم انطلاقا من وادي حميد على مشارف بلدة عرسال. الحدودية اللبنانية-السورية في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2022. © رويترز.
لاجئون سوريون يستعدون للعودة إلى بلادهم انطلاقا من وادي حميد على مشارف بلدة عرسال. الحدودية اللبنانية-السورية في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2022. © رويترز.

حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عقدت أمس الأربعاء، اجتماعين لبحث ملف اللاجئين السوريين في لبنان، في وقت تتصاعد فيه وتيرة المداهمات والترحيل التي تشنها السلطات اللبنانية ضدهم، مع تصاعد في وتيرة العنصرية وخطاب الكراهية.

ضم الاجتماع الأول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، ووزير العدل القاضي هنري خوري، ووزير الشؤون الإجتماعية هكتور حجار، ووزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، ووزير العمل مصطفى بيرم،  وقائد الجيش العماد جوزف عون وغيرهم من المسؤولين.

الاجتماع خلُص على التأكيد في استمرار ترحيل اللاجئين وفقا لقرار رقم 2 تاريخ 14/7/2020 المتعلق بعرض وزارة الشؤون الاجتماعية لورقة السياسة العامة لعودة اللاجئين، والطلب من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وضمن مهلة أقصاها أسبوع من تاريخه، تزويد وزارة الداخلية والبلديات بالمعلومات الخاصة باللاجئين السوريين على أنواعها، على أن تسقط صفة اللاجئ عن كل شخص يغادر الأراضي اللبنانية.

كما أُوكل للأجهزة الأمنية اللبنانية مهمة التشديد في ملاحقة المخالفين ومنع دخول السوريين بالطرق غير الشرعية. وعدم تسجيل ولادات السوريين على الأراضي اللبنانية، والطلب من وزارة العمل بالتشديد في مراقبة العمالة ضمن القطاعات المسموح بها. وبحث إمكانية تسليم الموقوفين والمحكومين للحكومة السورية.

لبنان سبق لها أن قام بعدّة محاولات للعودة الطوعية للمواطنين السوريين إلى بلدهم، غير أن منظمات حقوق الإنسان تعتبر هذه العودة قسرية. ونقلت وكالة “فرانس برس”، عن مصدر إنساني أنه لاحظ زيادة في عدد المداهمات التي تشنّها أجهزة الاستخبارات التابعة للجيش والتي تستهدف مواطنين سوريين في بيروت ومنطقة جبل لبنان منذ بداية نيسان/أبريل. حيث تم توقيف حوالي 450 سوريا، وتأكّد ترحيل 66 سوريا على الأقل.

وما يدل على أن هناك منهجية في توقيت ترحيل اللاجئين والحملة ضدهم، هو إقرار صحيفة “الأنباء” اللبنانية بذلك، ووصفها لما يحدث بـ “إجراءات مافياوية وحملة ممنهجة بكبسة زر”، مبيّنة أن التبريرات التي صدرت لتأييد عمليات الترحيل ليست منطقية ولا إنسانية، مضيفة أن “الحديث عن تحميل هؤلاء النازحين مسؤولية التفلّت الأمني والانهيار الاقتصادي هروب من واقع غياب الدولة وحكومتها وأجهزتها، وحرف الأنظار عن الحقيقة”.

الشغور السياسي والمصالح الاقتصادية

في معرض الحملة التي نشأت حديثا ضد اللاجئين السوريين في لبنان، يرى الخبير في أنثروبولوجيا اللاجئين وسياسة اللجوء، بيتر نايرز، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن العلاقة بين الضغط من أجل الترحيل القسري للاجئين السوريين والشعور السياسي والمصالح الاقتصادية في لبنان موضوع مثير للاهتمام. 

السلطات في لبنان في مخيمات اللاجئين السوريين بلبنان - "أي إف بي"
السلطات في لبنان في مخيمات اللاجئين السوريين بلبنان – “أي إف بي”

نايرز، يشير إلى أن لبنان بلا رئيس ولا حكومة منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وربما تستخدم بعض الأحزاب السياسية قضية اللاجئين السوريين كوسيلة لحشد الدعم لأجنداتها الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأطراف تنظر إلى اللاجئين السوريين على أنهم عبء اقتصادي، حيث أصبحت تكلفة استضافتهم تحديا للاقتصاد اللبناني الهش.

الحملة الممنهجة ضد اللاجئين السوريين في لبنان برأي الخبير بسياسة اللجوء قضية معقدة لها أسباب مختلفة، منها عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية. مؤكدا أن الشغور الرئاسي والمصالح الاقتصادية ساهمت وبقوة في خلق بيئة من عدم الاستقرار وانعدام الأمن غذت المشاعر المعادية للاجئين بين بعض الفصائل اللبنانية.

وعليه يعتقد نايرز أن الوضع فيما يتعلق بالتحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان مقلق، خصوصا مع ظهور تقارير تؤكد خطاب كراهية وتمييز وهجمات عنيفة ضد اللاجئين السوريين. وخلق هذا التحريض مناخا من الخوف والعداء عرّض سلامة اللاجئين ورفاههم للخطر.

عدة أحزاب وفصائل سياسية في لبنان شاركت على مدى السنوات الفائتة في حملة الضغط من أجل الترحيل القسري للاجئين السوريين. هذه المجموعات تدعي بأن اللاجئين يشكلون عبئا على الاقتصاد والمجتمع اللبنانيين وأنهم يشكلون تهديدا أمنيا للبلاد.

بعض القوى السياسية اللبنانية لا سيما “التيار الوطني الحر” التي يتزعمها وزير الخارجية الأسبق، جبران باسيل، على ترحيل اللاجئين السوريين لأنها تعتبرهم تهديدا لأمن البلاد واقتصادها ونسيجها الاجتماعي. وهم يدّعون بحسب نايرز بأن اللاجئين يتنافسون مع العمال اللبنانيين على الوظائف والخدمات وأنهم يشكلون أرضا خصبة للإرهاب.

خلق بيئة خصبة للصراع

التحذيرات من “اقتتال سوري- لبناني” جاءت بسبب التوتر والصراع بين اللبنانيين والسوريين في لبنان. أدى الضغط لترحيل اللاجئين السوريين إلى تفاقم هذه التوترات ويمكن أن تؤدي إلى اشتباكات عنيفة.

لاجئون سوريون يستعدون لمغادرة لبنان باتجاه الأراضي السورية عبر معبر وادي حامد في عرسال في 26 تشرين الأول / أكتوبر 2022. - "فرانس برس"
لاجئون سوريون يستعدون لمغادرة لبنان باتجاه الأراضي السورية عبر معبر وادي حامد في عرسال في 26 تشرين الأول / أكتوبر 2022. – “فرانس برس”

الباحثة في شؤون اللاجئين السوريين، لينا الزعبي، أشارت لـ”الحل نت”، أن الأجهزة الأمنية اللبنانية لم تلعب دورها ولم تتخذ إجراءات لمنع الترحيل القسري للاجئين السوريين وحماية حقوقهم؛ بل إن الشهادات الحية تؤكد إساءة معاملة اللاجئين من قبل بعض قوات الأمن.

طبقا لحديث الزعبي، فإن العواقب المحتملة للترحيل الجماعي للاجئين السوريين في لبنان كبيرة ومعقدة. يمكن أن تؤدي إلى أزمة إنسانية، وتفاقم عدم الاستقرار الإقليمي، وانتهاك القانون الدولي وحقوق الإنسان.

لمعالجة قضية التحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان، برأي الزعبي يمكن اتخاذ تدابير مختلفة، بما في ذلك حملات التثقيف والتوعية لتعزيز التسامح واحترام التنوع، وتعزيز قوانين مكافحة التمييز، وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية للاجئين. كما بات من الضروري وفقا للخبيرة بشؤون اللاجئين العمل من أجل التعايش السلمي بين المجتمعين اللبناني والسوري ومعالجة الأسباب الجذرية للتوتر والصراع.

بدورها طالبت صحيفة “النهار” اللبنانية، السلطات في البلاد بأن تضع خطة وبرنامجا جدّيين لإطلاق عملية إعادة اللاجئين إلى بلدهم ضمن ظروف إنسانية لائقة من دون أن تكون العودة خطرا على سلامة العائدين وحياتهم لأسباب سياسية معروفة.

أما عن الأزمة الاقتصادية في لبنان، صدر أمس الأربعاء، بيان مشترك لسفراء كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا وأميركا والاتحاد الأوروبي، حمّلوا فيه الجهات السياسية الفاعلة في لبنان المسؤولية لعدم إحرازهم تقدم في تنفيذ إنجاز اتفاق 7 نيسان/أبريل 2022، للحصول على أكثر من 3 مليارات دولار بشكل مساعدات لدعم النهوض الاقتصادي في لبنان.

البيان ذكر وبشكل صريح، أن على جميع القادة اللبنانيين الشعور بالمسؤولية، حيث لا يمكن أن تأتي الحلول للأزمة الاقتصادية في لبنان إلا من داخل لبنان، وهي تبدأ بإصلاحات ذات مغزى. مضيفا “لقد حان الوقت لكي تغتنم السلطات اللبنانية الفرصة التي يتيحها اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإلا فإن الاقتصاد سوف يتدهور أكثر، ويأتي بعواقب أكثر خطورة على الشعب اللبناني”.

البلاد تواجه إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في التاريخ المعاصر. الناس في لبنان يعانون حيث بلغ التضخم 186 بالمئة، وتستمر احتياطات “البنك المركزي” الخارجية في الانكماش.

الحملة الممنهجة ضد اللاجئين السوريين في لبنان مثيرة للقلق على مستوى اللاجئين والمواطنين في لبنان. في حين أن بعض الأحزاب السياسية قد تكون لديها دافع خفي وراء هذه الحملة، ويطالب البعض الآخر بتوفير الحماية للاجئين حتى يمكن ضمان عودتهم الآمنة إلى سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات