مع وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية، يتجدد الحديث حول العلاقات السعودية الأميركية والتعاون الاستراتيجي بين البلدين. ومع تأكيد الدبلوماسي الأميركي الرفيع دانيال بنايم، على التزام واشنطن بتعزيز شراكتها الأمنية مع الرياض، يتبادر إلى الأذهان سؤال حول مدى واقعية هذا التعاون وامتداد السعودية السياسي والعسكري نحو الإدارة الأميركية. 

في عالم السياسة العالمية، حيث تشكل التحالفات والشراكات مصير الأمم. اليوم، بينما ينظر العالم للاجتماعات المحورية بين وزير الخارجية الأميركي بلينكن ومسؤولين سعوديين، يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتقييم مدى امتداد الشؤون الأميركية في المملكة العربية السعودية سياسيا وعسكريا.

بمنتهى الأهمية القصوى، يسعى الاجتماع إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية. ولا يقتصر هذا التعاون على القضايا الإقليمية والعالمية ولكنه يشمل مجموعة واسعة من الاهتمامات الثنائية، بما في ذلك المجالات الحاسمة للتعاون الاقتصادي والأمني، وعليه كيف بعد عامين من المشاحنات عاشتها العلاقات بين البلدين ينطبق مفهوم “الواقعية” على الامتداد السياسي والعسكري للرياض وعلاقتها بواشنطن، وكيف يساهم استمرار التحالف السعودي الأميركي في استقرار المنطقة في الشرق الأوسط.

هل كان هناك جليد أصلا؟

 لقاء بلينكن مع ولي العهد السعودي بدأ بعد منتصف ليل أمس الثلاثاء في جدة، ويأتي الاجتماع في الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على إدارة علاقتها مع السعودية، حيث توترت العلاقات بين البلدين، لا سيما في أعقاب قتل الصحفي جمال خاشقجي، وقرار مجموعة “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط، الذي رأت فيه واشنطن أنه “سيزيد الأرباح الروسية”.

وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية - إنترنت
وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى السعودية – إنترنت

الاجتماع الذي جرى في قصر السلام بجدة، جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبلينكن، علقت عليه “وكالة الأنباء السعودية” (واس)، بأنه “استعرض العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وأوجه التعاون في مختلف المجالات وسبل تعزيزه، إلى جانب بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها”.

الخارجية الأميركية بدورها أوضحت أهداف الزيارة وجدولها، حيث سيجتمع بلينكن مع المسؤولين السعوديين لـ”مناقشة التعاون الاستراتيجي الأميركي السعودي في القضايا الإقليمية والعالمية ومجموعة من القضايا الثنائية بما في ذلك التعاون الاقتصادي والأمني”.

أيضا ذكرت الخارجية أن الوزير سيشارك في اجتماع وزاري لمجلس التعاون الخليجي الأميركي اليوم الأربعاء، لمناقشة التعاون “المتعاظم” مع دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الأمن والاستقرار وخفض التصعيد والتكامل الإقليمي والفرص الاقتصادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

كما سيستضيف بلينكن مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يوم غد الخميس، اجتماعا وزاريا لـ”التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش” في الرياض لتسليط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه “التحالف” لمواجهة التهديد المستمر لـ”داعش” وإعادة تأكيد الالتزام بضمان هزيمة التنظيم بشكل دائم.

مساعد وزير الخارجية لشؤون شبه الجزيرة العربية دانيال بنايم، لخص في تصريح سابق لوسائل الإعلام، جوهر النهج الحالي لواشنطن والرياض، وسلط الضوء على التزام الولايات المتحدة بتعزيز شراكتها الأمنية مع السعودية، حيث يمتد هذا الالتزام إلى مجالات واسعة مثل المبيعات الدفاعية والتدريبات المشتركة والجهود المشتركة لمكافحة انتشار الصواريخ والطائرات بدون طيار من غير جهات غير حكومية، ما يدل على امتداد السعودية السياسي والعسكري لواشنطن.

8 عقود من الشراكة الإستراتيجية

المدى الحقيقي للامتداد السياسي والعسكري للمملكة السعودية مع أميركا يندرج ضمن عدة عوامل بحسب حديث الخبير في الأمن القومي والدولي وعلاقات الشرق الأوسط، محمد أيوب، لـ”الحل نت”، وأبرزها المخاوف مشتركة بين البلدين فيما يتعلق بالاستقرار الإقليمي والتهديدات الأمنية، مثل الإرهاب وانتشار الأسلحة، حتى لو فتحت علاقات مع الصين وإيران. 

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان - إنترنت
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان – إنترنت

أيضا الموقع الاستراتيجي للسعودية واحتياطياتها النفطية الهائلة تجعلها لاعبا مهما في الشرق الأوسط، مما يجعل مصالحها تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، تعزز العلاقات التاريخية والتعاون الاقتصادي الشراكة الأمنية، خصوصا أن المملكة ترتبط بشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة لأكثر من 80 عاما.

على الرغم من الحديث مؤخرا عن الاتفاقات التي وقعت بين بكين وطهران والرياض، وتصويرها بأنها انسلاخ للرياض عن شراكتها مع واشنطن، إلا أن مفهوم “الواقعية” طبقا لحديث أيوب له صلة بالموضوع عند النظر إلى الامتداد السياسي والعسكري للسعودية وعلاقتها بالولايات المتحدة. حيث تؤكد الواقعية في العلاقات الدولية، على التقييم العملي لديناميكيات القوة والمصالح الوطنية. وفي هذا السياق، فإنه ينطوي على إدراك وفهم حقائق ارتباط الرياض وقدراتها العسكرية مع واشنطن.

التزام واشنطن بمبيعات الدفاع والتدريبات المشتركة يؤكد أهمية التحالف السعودي الأميركي، فمن خلال المبيعات الدفاعية، تزوّد الولايات المتحدة السعودية بمعدات عسكرية متطورة، وتقوي قدراتها الدفاعية وتعزز قابلية التشغيل البيني بين القوتين. وتمكّن التدريبات المشتركة كلا البلدين من تعزيز تعاونهما العسكري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والاستعداد التشغيلي، مما يؤدي في النهاية إلى تعزيز الأمن الإقليمي.

مؤخرا وتبعا لحديث أيوب، علمت الدوائر السياسية في الرياض أن الورقة الرابحة لواشنطن في الجغرافيا السياسية الخليجية، هو التعاون الأمني ​​المعزز للقدرات، إذ إن الاختبار الحقيقي للنهج الأميركي كانت مبيعات الأسلحة الصينية للمملكة. إذ إلى الآن اقتصرت مشتريات السعودية من الصين على السلع التي رفضت الولايات المتحدة بيعها، وخاصة الطائرات بدون طيار والصواريخ، وهذا لا يمنح الخليج قدرة الاستغناء عن التعاون مع الغرب، إذ لا تشكل الاتفاقيات مع الصين أي بصيص أمل في الاعتماد الكلي عليها.

الولايات المتحدة تمتلك شبكة من الحلفاء العالميين، ويمكنها التركيز على مزيج من التهديدات طويلة المدى مثل الظهور المحتمل لمنافس عالمي مثل الصين، والتهديد الذي يهدد تدفق صادرات البترول العالمية والاقتصاد العالمي الذي تشكله إيران النووية، ومزيج من التوترات العالمية المتطورة باستمرار في مناطق مثل أوكرانيا وكوريا الشمالية.

في المقابل، بحسب أيوب، السعودية ليست قوة عالمية كبرى، ولديها حلفاء محليين ضعفاء نسبيا، وتعتمد على الدول الخارجية في الحصول على أسلحتها والواردات المدنية التي تحتاجها. ولا يمكنها تمويل أو تشغيل المزيج العالمي من الأقمار الصناعية وغيرها من أصول الاستخبارات والقيادة والتحكم المتاحة للولايات المتحدة. كما لا يمكنها أن تستعرض قوتها في عمق المنطقة ناهيك عن المستوى العالمي.

الاستعداد للتحولات السياسية

في تقرير سابق، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين في إدارة بايدن قولهم، “أن مسؤولي البلدين يمضون قدما في مشاريع عسكرية واستخباراتية جديدة وجهود حساسة لاحتواء إيران، في عام 2023، وسط تعثر الجهود لإحياء الاتفاق النووي الدولي”.

بلينكن مع السفيرة السعودية بأميركا الأميرة ريما بنت بندر في الرياض - إنترنت
بلينكن مع السفيرة السعودية بأميركا الأميرة ريما بنت بندر في الرياض – إنترنت

رغم إعلان المصالحة بين إيران والرياض وتوقيع اتفاقيات مع بكين، إلا أن استعراض “الحرس الثوري” الإيراني أمس الثلاثاء، لصاروخ باليستي فرط صوتي أطلق عليه اسم “فتاح”، وذلك بحضور رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، يشير إلى أن هذه الدول لن تخلع تحالفاتها التي أضرت سابقا بالدول الخليجية ولا سيما السعودية.

من وجهة نظر أيوب، فإن استمرار التحالف السعودي الأميركي يساهم بشكل كبير في استقرار منطقة الشرق الأوسط، فالقوة العسكرية للمملكة وتعاونها الوثيق مع الولايات المتحدة بمثابة رادع للأعداء المحتملين، مما يساعد على منع العدوان والحفاظ على توازن القوى. علاوة على ذلك، يسهّل التحالف التعاون في جهود مكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار في المنطقة، ويضمن قمع الأيديولوجيات المتطرفة التي أنشأتها إيران ودعمتها بشكل غير مباشر بكين.

ضمن الاتفاقيات الأخيرة التي وقّعتها السعودية من بوابة قيم وأولويات مختلفة، لا يمكن للرياض وواشنطن الاستفادة من افتراض أن وجهات نظرهما يجب أن تهيمن، أو أن الخطاب العام حول المصالح المشتركة يمكن أن يحل محل الحقائق الأساسية في التحالف. الولايات المتحدة والسعودية وكذلك دول الخليج لديهما العديد من المصالح المشتركة.

الرياض تلعب دورا حاسما في الديناميكيات الإقليمية الأوسع للشرق الأوسط، لا سيما فيما يتعلق بمدى وصولها السياسي والعسكري بدعم من الولايات المتحدة. من خلال موقعها المؤثر، يمكن لها ممارسة نفوذ دبلوماسي، والتوسط في النزاعات الإقليمية وتعزيز الاستقرار. وعسكريا، تعمل السعودية كقوة موازنة للقوى الإقليمية الأخرى، وبالتالي تشكيل ديناميكيات القوة في الشرق الأوسط.

تعزيز الشراكة الأمنية السعودية الأميركية يتوافق مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية الواسعة في الشرق الأوسط.

إذ تسعى واشنطن للحفاظ على الاستقرار ومكافحة التهديدات المتطرفة وحماية مصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجية في المنطقة. ومن خلال تعزيز التحالف مع السعودية، يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من موارد شريكها ونفوذها وقدراتها العسكرية لتحقيق هذه الأهداف، مع تعميق وجودها في الوقت نفسه وضمان نظام إقليمي مستقر.

مفهوم الواقعية في تحالف السعودية وأميركا يؤكد على أهمية التقييم البراغماتي للتحالف بين البلدين وتداعياته، حيث تساهم الشراكة الأمنية، القائمة على المصالح المشتركة والاهتمامات المشتركة باستقرار المنطقة، وتعزز القدرات العسكرية، ويعد فهم وتحليل هذه الديناميكيات أمرًا بالغ الأهمية للتنقل في المشهد الجيوسياسي المعقد في المنطقة، ويشير إلى الامتداد البعيد السياسي والعسكري للسعودية مع أميركا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات