ما تزال الانتهاكات التي تقوم بها جماعة “الحوثي” ترمي بثقلها على اقتصاد اليمن، متسببة بأزمات متتالية تكاد لا تنتهي، حيث تواجه الحكومة الشرعية اليمنية أزمة اقتصادية جديدة مع نقص كبير في الموارد، وتضارب في الأنباء أيضا حول قرب نفاذ الاحتياطي الأجنبي، ما دعاها لإطلاق نداء طلب مساعدة اقتصادية عاجلة، خشية من حدوث تدهور مالي جديد قد يزيد معاناة اليمنيين.

من جانبها نقلت وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” تأكيد الحكومة في اجتماع استثنائي لها عقدته الاثنين الفائت، على الدور المعول على “تحالف دعم الشرعية” بقيادة السعودية والإمارات في هذه المرحلة الحرجة والاستثنائية لدعم جهودها وإجراءاتها، وتقديم حزمة دعم عاجلة للمساهمة في تخفيف معاناة المواطنين.

كما أوضحت الحكومة في بيانها، بأن طلبها للمساعدة العاجلة لا يعني تهربا من مسؤولياتها وواجباتها، مشيرة إلى الوضع المالي المتدني الذي تعيشه الدولة الآن، نظرا لتراجع الإيرادات من جراء توقف تصدير النفط الخام، والحرب الاقتصادية التي يشنها “الحوثيون” ويستهدفون بها الشعب اليمني بأكمله.

ذلك يأتي في ظل تراجع قيمة الريال اليمني خلال الأسبوع الجاري أمام العملات الأجنبية، حيث اقترب سعر صرف الدولار إلى نحو 1400 ريال في مناطق سيطرة الحكومة، بعد أن كان حوالي 1200 قبل نحو أسبوعين.

تخصيص الطلب

الحكومة اليمنية الشرعية تحتاج بشكل عام إلى مساعدة دولية لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية وتحقيق استقرار مالي، وخصت بطلبها الحالي كلا من الإمارات والسعودية باعتبارهما من أقرب الدول إلى اليمن، ويستطيعان تقديم المساعدة المالية والتنموية اللازمة لها. إضافة إلى ذلك، تتحرك أبو ظبي والرياض على نحو متناغم من خلال “التحالف العربي”، وهذا قد يعمل على تعزيز جهودهما المشتركة في تقديم المساعدة لليمن.

منشئ الصورة: BANDAR AL-JALOUD‏ 
| 
صاحب حقوق الطبع والنشر: AFP‏
منشئ الصورة: BANDAR AL-JALOUD‏ | صاحب حقوق الطبع والنشر: AFP‏

إلى ذلك، سبق وأن تعهدت حكومتا البلدين في نيسان/أبريل 2022، بتقديم ملياري دولار كوديعة دعما لاقتصاد اليمن، عقب القرار الذي أصدره الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، آنذاك بتشكيل مجلس قيادة رئاسي ونقل صلاحياته إليه، بحسب ما نقله موقع “سي إن إن” العربية.

من جانبها ذكرت وزارة الخارجية السعودية، في بيان حينها، أنه تقرر تقديم 2 مليار دولار أميركي مناصفة بين المملكة والإمارات، دعما للبنك المركزي اليمني، ومليار دولار أميركي من المملكة منها 600 مليون دولار لصندوق دعم شراء المشتقات النفطية، و400 مليون دولار لمشاريع ومبادرات تنموية.

إعلان تقديم الدعم تأخر حتى شباط/فبراير من العام الحالي، حين أعلن عن التوقيع على تقديم الوديعة السعودية البالغة مليار دولار، فيما أعلن رئيس الحكومة اليمنية أن الإمارات أودعت مليارا و100 مليون درهم إماراتي أي ما يعادل 300 مليون دولار، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، كدفعة أولى من الوديعة.

الموقف السعودي الإماراتي

الكاتب والصحفي اليمني محمد شجاع، يرى بأن طلب الحكومة اليمنية المساعدة من الإمارات والسعودية يأتي في وقت حرج جدا ووضع اقتصادي ونقدي متدهور تعانيه اليمن، وهو أمر طبيعي طالما أن الملف اليمني بيد هذه الدولتين منذ انطلاق “عاصفة الحزم” مطلع العام 2015، والدولتان ملتزمتان بإعادة تطبيع الأوضاع بشكل عام وخاصة في الجانب الاقتصادي الذي لم يتعافى منذ سنوات. إضافة إلى التضخم النقدي المحلي في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

شجاع يضيف خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن الأمر الأهم من ذلك هو أن البنك المركزي بحاجة لسيولة دائمة ومبالغ كبيرة من العملة الأجنبية حتى يحقق الاستقرار، بالمقابل لا بد أن تكون هناك خطط اقتصادية ومالية وترشيد في استخدام النقد الأجنبي الذي سيأتي إلى البنك المركزي في عدن سواء كان المبلغ صغيرا بالنظر إلى حجم المشكلة أو كبيرا.

لكن هناك خلافات حادة في إطار المجلس الرئاسي من جهة وبينه وبين قيادات من المجلس الانتقال الجنوبي المطالبة بفك الارتباط مع الشمال ومع الحكومة الحالية، وهذا يجعل الإمارات والسعودية يتعاملون بحذر وخوف وربما بحسابات مختلفة قبل أن يقدموا على أي عملية نقد مالية، وهناك حسابات سياسة بين الدولتين الداعمتين وهذا ينعكس بشكل سلبي على الداخل اليمني، وفق شجاع.

من جانبه حث رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك خلال اجتماع عقده الأحد الماضي، مع رؤساء بعثات وسفراء عدد من الدول لدى اليمن، شركاء اليمن على إسناد جهود الحكومة والشعب اليمني في هذه المرحلة الحرجة، محذرا من انهيار الوضع الاقتصادي والإنساني، بينما سلّط الضوء على المعوقات التي تعترض الحكومة وتحول دون تمكنها من الإيفاء بتعهداتها المالية، مناشدا المجتمع الدولي التدخّل.

عبد الملك أشار أيضا إلى أن الحكومة اليمنية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تصعيد “الحوثيين” الذين يستهدفون معيشة اليمنيين، وينسف كل فرص السلام والجهود الجارية لتحقيقه، لافتا إلى أن “كل الخيارات مطروحة”.

شجاع يعلق هنا، بأنه حتى الآن الموقف الإماراتي والسعودية غير واضح فيما يخص عملية التنمية وإعادة الإعمار والعملية برمتها، أي أن الملف الاقتصادي مرتبط بالسياسي وهذا ما يؤخر الترتيبات الأمنية وحتى موضوع رفد البنك المركزي بمبالغ كبيرة.

أيضا ما تم طباعته من عملة ورقية بكميات كبيرة جدا وهذا بحاجة لمراجعة، وفق شجاع، من أجل البدء بعملية إصلاح شاملة، لأن طباعة العملة أدى إلى فساد كبيرة واستنزاف للنقد الأجنبي.

نفاد الاحتياطي النقدي؟

ردا على الأنباء المتداولة التي تتحدث عن نفاد الاحتياطي الخاص بالبنك المركزي اليمني من العملة الأجنبية في البنوك الخارجية، نفى الأخير وجود أي أزمة نقدية في البلاد، موضحا في بيان له، أن لديه احتياطيات نقدية خارجية في عدة بنوك عالمية، ما يمكنه من القيام بوظائفه وتأمين الاحتياجات. بالرغم من الصعوبات الكبيرة من جراء فقدان جزء كبير من الإيرادات بسبب توقف تصدير النفط وكذلك إجراءات “الحوثيين” بحق القطاع الخاص.

البنك المركزي اليمني/ AFP‏ 
| 
صاحب حقوق الطبع والنشر: AFP/Getty Images‏
البنك المركزي اليمني/ AFP‏ | صاحب حقوق الطبع والنشر: AFP/Getty Images‏

إذ تعتمد السلطات النقدية في اليمن، منذ نحو عامين، على المزادات الأسبوعية لتغطية جزء من حاجيات السوق من العملات الأجنبية لاستيراد المواد الأساسية والضرورية عبر آلية تؤكد أنها شفافة وتنافسية.

بالعودة إلى الصحفي محمد شجاع، يرى بأن الاحتياط النقدي اليمني في وضع غير مستقر، ومن الطبيعي أن يتعرض للنفاذ بدون أن يكون هناك استدامة لمصادر البنك المركزي من العملة الصعبة، فالصادرات النفطية متوقفة منذ 8 أشهر وعائداتها كانت تشكل العائد الوحيد للبنك المركزي من العملة الأجنبية.

الأسبوع الماضي، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤولين في الحكومة اليمنية، قولهم بأن الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي انخفض بشدة ويقترب من النفاد، وأن التعهدات المالية التي أعلنت عنها السعودية والإمارات قبل عام لم تصل.

من وجهة نظر شجاع فأن المساعدات التي تقدمها السعودية والإمارات غير كافية بمفردها لإعادة انتعاش الوضع الاقتصادي في اليمن. اليمن يواجه أزمة اقتصادية خانقة ويعاني من تدهور كبير في البنية التحتية وتقدم الخدمات الأساسية، مما يتطلب تدخلا دوليا متناسقا لإعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية.

 اليمن يحتاج أيضا إلى حل سياسي للصراع المستمر الذي يعاني منه، حتى يتمكن من العودة إلى الاستقرار والأمان. لذلك، فإنه من الضروري أن تشارك جميع الدول المعنية في جهود التحالف الدولي لمساعدة اليمن على الخروج من هذه الأزمة الإنسانية والاقتصادية، لأن غير ذلك لن يُعد حلا دائما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة