قفزة كبيرة شهدتها العلاقات بين الإمارات وكوريا الجنوبية مؤخرا، وخاصة بعد انعقاد أعمال الحوار الاستراتيجي الأول بينهما في 13 من الشهر الجاري، حيث تعتبر العلاقة بين البلدين من أهم العلاقات الثنائية الإقليمية والدولية، وترجع إلى العديد من العوامل المهمة منها الاقتصاد والثقافة والتعاون الدولي.

الحوار الاستراتيجي الأول بين البلدين انعقد في العاصمة الكورية الجنوبية سيئول، ترأسه وزير الخارجية الكوري بارك جين ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، ويعد هذا الحوار أحد نتائج الزيارة التي قام بها رئيس دولة الإمارات العربية محمد بن زايد آل نهيان لكوريا الجنوبية في عام 2019.

ضمن تلك الزيارة، تم توقيع مذكرة تفاهم بشأن الحوار الاستراتيجي الخاص الكوري الإماراتي بين وزارتي خارجية البلدين، ولكن تم تأجيل موعد انعقاد الحوار الاستراتيجي بسبب جائحة “كورونا”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية “وام”.

الحوار ناقش أيضا، بحسب “وام”، الأولويات المشتركة للبلدين في مجلس الأمن، الذي تتولى فيه أبو ظبي مقعدا غير دائم هذا العام، إضافة إلى التعاون الثنائي في إطار المنظمات الدولية، وتعزيز العمل في القضايا والتحديات العالمية.

فرص اقتصادية

العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين قديمة وتعود إلى 1980، إذ تعاونت الدولتان في مختلف المجالات، حيث اتفقتا في 2009 على بناء محطات لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في أبو ظبي، ثم إلى شراكة استراتيجية خاصة عام 2018، بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولتان أصبحتا عضوين في عدد من المؤسسات الدولية الهامة كمنظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة، مما يمكنهما من تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك وتبادل الخبرات.

انطلاق أعمال الحوار الاستراتيجي الأول بين الإمارات وكوريا الجنوبية/Saeedjumoh‏ 
حقوق الطبع والنشر: MOFAIC‏
انطلاق أعمال الحوار الاستراتيجي الأول بين الإمارات وكوريا الجنوبية/Saeedjumoh‏ حقوق الطبع والنشر: MOFAIC‏

إلى ذلك أفادت دراسة اقتصادية لغرفة تجارة وصناعة دبي، بأن دولة الإمارات هي أكبر سوق لصادرات كوريا الجنوبية في دول مجلس التعاون الخليجي، كما أنها رابع أكبر سوق لواردات كوريا الجنوبية في المنطقة، وتحتل المرتبة الـ22 في قائمة إجمالي صادرات كوريا الجنوبية إلى العالم، وفي المرتبة الـ15 لواردات كوريا الجنوبية عالميا في 2018، بحسب ما نقله موقع “الإمارات اليوم”.

الدراسة أوضحت بأن إجمالي واردات كوريا الجنوبية من الإمارات يتجاوز صادراتها إلى الدولة، إذ إنه في 2018، بلغ إجمالي واردات كوريا الجنوبية من الإمارات نحو 9.3 مليارات دولار “34.2 مليار درهم”، لافتة إلى أن 88 بالمئة من تلك الواردات كانت عبارة عن بترول ومنتجات بترولية، و4 بالمئة للذهب و3 بالمئة للألمنيوم.

من جانبه يرى الباحث في الشأن الاقتصادي عبدالله أبو ضيف، بأن  المجالات الاقتصادية والتجارية  تتيح العديد من الفرص لكلا الجانبين لتوثيق العلاقات الثنائية وتعزيز التبادل التجاري والاستثماري بينهما، ولعل مجال الطاقة يعتبر من أهم المجالات الحيوية لكلا الدولتين، فلدى الإمارات موارد نفطية كبيرة، في حين أن كوريا الجنوبية تعد من أكبر المستوردين للطاقة في العالم، ويمكن لكلا البلدين توثيق العلاقة في هذا المجال من خلال الاستثمار في مجالات الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، وتطوير طرق استخدام الغاز الطبيعي والتقنيات الحديثة لإنتاج الطاقة.

أبو ضيف يزيد أيضا بأن صناعة الإمارات تعد من أسرع الصناعات الناشئة في العالم، مع وجود العديد من المشاريع الكبيرة في مجالات التكنولوجيا والعقارات والتجارة. في المقابل، تشتهر كوريا الجنوبية بمنتجاتها الإلكترونية والسيارات وغيرها من المنتجات الصناعية. وبالتالي، يمكن للبلدين تبادل الخبرات والتقنيات.

بشكل عام، يمكن للإمارات وكوريا الجنوبية توثيق العلاقة في العديد من المجالات الاقتصادية والاستثمارية وفق أبو ضيف، من خلال التركيز على الابتكار والتقنيات الحديثة، وتحديد أهداف محددة لتوسيع التبادل التجاري والاستثماري والتعاون في المستقبل.

فوائد متبادلة

دول الخليج تشكّل بوابة عبور مهمة لشركات كوريا الجنوبية إلى منطقة الشرق الأوسط، وفي تصريح صحفي سابق لوزيرة الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة في كوريا الجنوبية، لي يونغ، قالت فيه بأن سوق الشرق الأوسط تشكّل فرصا لامتناهية للشركات الكورية الصغيرة والمتوسطة، والوزارة ستعمل على دعم دخول الشركات الكورية إلى هذه الأسواق وضمان استمراريتها من خلال تكثيف التعاون.

في المقابل تتطلع دول الخليج إلى قطاعات حيوية في كوريا الجنوبية لا سيّما المتعلقة بالاقتصاد الجديد والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والزراعة الذكية، والصحة، والطاقة، والإعلام وصناعة المحتوى، حيث وقعت كلا من السعودية وكوريا مؤخرا على إنشاء صندوق مشترك بقيمة 160 مليون دولار تسهم كوريا الجنوبية فيه بـ10 ملايين دولار، وفقا نقلته منصة “ومضة” المتخصصة في احتضان بيئة لأعمال الشركات الناشئة.

إلى ذلك من المتوقع أن تشهد الاستثمارات البينية زخما في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية، لا سيّما أن أبو ظبي أعلنت أخيرا عزمها ضخ استثمارات تُقدّر بـ110 مليارات درهم أي ما يعادل 30 مليار دولار أميركي تقريبا خلال السنوات الخمس المقبلة في السوق الكورية، وفق ما تصريح صحفي لوزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري.

أبو ضيف يعلق هنا بأن أهمية دول الخليج بالنسبة لكوريا الجنوبية تتثمل في مجالات عدة أبرزها التبادل التجاري إذ شهد نموا متزايدا، وخصوصا فيما يتعلق بالصناعات الكيميائية والإلكترونية والطاقة والبتروكيماويات والألمنيوم.

إذ تعتبر دول الخليج،  وفق أبو ضيف من أهم شركاء كوريا الجنوبية في مجال الاستثمار في العديد من القطاعات، مثل العقارات والطاقة والصناعات الخفيفة، وأيضا من أهم مصادر النفط والغاز الطبيعي في العالم، حيث تشتري كوريا الجنوبية كميات كبيرة منها من هذه الدول.

أيضا تسعى دول الخليج العربي، إلى تطوير القطاع الصحي، وهذا يشكل فرصا لشركات الرعاية الصحية الكورية لتقديم خدماتها في هذه الدول، إضافة إلى ذلك تعتبر العلاقات الثقافية والتعليمية بين كلا الدولتين هامة، وتساعد على تعزيز التفاهم والتبادل الثقافي بينهما.

إلى جانب ذلك، تشكل دول الخليج محورا مهما في المنطقة العربية، وتتمتع بمكانة استراتيجية في العالم العربي، وهذا يعزز الأهمية الاستراتيجية للعلاقة الكورية-الخليجية، بحسب أبو ضيف.

من جهة أخرى يرى الباحث الاقتصادي، بأن تحديات اقتصادية عدة تواجه كلا من الإمارات وكوريا الجنوبية في مجال تنمية الأعمال التجارية والاستثمارية، وهذا يرجع إلى وجود منافسة قوية للغاية بين الدول الآسيوية، وتقلبات الأسواق المالية التي تؤثر سلبا على الاستثمار المباشر.

روابط مشتركة

هناك روابط اقتصادية مشتركة بين الإمارات وكوريا الجنوبية، فمثلا يصل رصيد الاستثمارات الكورية الجنوبية في الامارات حوالي 2 مليار دولار حيث تركز على القطاعات المالية والتأمين والتعدين والعقارات والنقل والطاقة والتكنولوجيا، بحسب أبو ضيف بينما تصل الصادرات الإماراتية غير النفطية لأسواق كوريا الجنوبية لنحو 8 مليار دولار وهو رقم كبير بالنسبة للاستثمارات الإماراتية في أي دولة بشكل عام.

العلاقة الاستراتيجية بين الإمارات وكوريا الجنوبية /وكالات
علاقة الاستراتيجية بين الإمارات وكوريا الجنوبية /وكالات

من جهتها صرحت وزارة الاقتصاد الإماراتية، بأن حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين، خلال العام الماضي 2022، وصل إلى 19.5 مليار درهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأرقام كانت فيها التجارة العالمية تحت تأثير الركود الذي خلفته جائحة “كورونا”.

في سياق مختلف، نقلت “سي إن إن الاقتصادية” من مصدر وزاري إماراتي بأن هناك لجنة مشتركة ستزور كوريا الجنوبية خلال النصف الثاني من العام الحالي لاستكمال الشراكات الحالية ودراسة الفرص الاستثمارية والتجارية المتاحة.

أخيرا، تسعى الإمارات لتعزيز التعاون مع كوريا الجنوبية في العديد من القطاعات الاقتصادية من خلال زيادة حجم التجارة الثنائية وتنمية الاستثمارات في المشاريع المشتركة، ويعتبر الابتكار في هذه القطاعات اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى، وبناء على ذلك يعتبر تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين من الأمور الحيوية التي تحقق وتعزز النمو الاقتصادي لكليهما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات