في الوقت الذي لا تزال فيه رحى الحرب تدور في السودان، بينما تفشل مبادرة تلو أخرى في وقفها جزئيا أو كليا، يبرز سؤال إلى الواجهة حول ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى تدخل أممي على الأرض، حيث لم يلتزم طرفي الصراع بأي من “الهُدن” التي أعلنت، فيما يستمر الطرفان بتكليف المدنيين أوضاعا إنسانية وأمنية كبيرة.

فمنذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، منتصف نيسان/أبريل الماضي، وقّع طرفا الصراع عشر “هدن” بوساطة دولية وإقليمية، دون أن يلتزما بها، بالرغم من توافق الطرفين على 9 منها، لكن سرعان ما كان يتم خرقها، باستثناء هدنة اليوم الواحد، وهدنة الأيام الثلاثة الأخيرة التي تحقق فيها التزام جزئي بوقف إطلاق النار.

بعد أكثر من أسبوع من القتال الدامي أُعلن عن هدنة لمدة ثلاثة أيام، بيد أنه لم يتم الالتزام بها، قبل أن يعود الطرفان ليوافقا على هدنة ثانية وإعلان لوقف إطلاق النار لدوافع إنسانية، ليعودا لخرق الاتفاق مجددا، وتستمر هذه الحالة حتى الساعة، إذ لا يزال الطرفان يخوضان معارك مستمرة من أجل تحقيق أهدافهما.

الحرب في السودان واستمرار الآلام

بيد أن استمرار الحرب يعني استمرار المعاناة التي يعيشها السودانيون في الداخل والخارج، فضلا عن سقوط مزيد من القتلى المدنيين، وبين هذا وذاك يطل شبح الحرب الأهلية من بعيد؛ فكلما استمرت الاشتباكات يوما جديدا اقتربت السودان من شبح الكابوس المخيف.

غير أن الخطر الأكبر من هذا المشهد، هو انعكاس هذه الحرب على انتشار جماعات العنف والتطرف، والتي باتت تهدد كل ولايات السودان. فالفوضى التي تعيشها البلاد وانتشار السلاح، في ظل عدم وجود حكومة مدنية أو رئيس دولة ربما يدفع التنظيمات المتطرفة لاتخاذها ملاذا آمنا، ذلك نتيجة لفوضى الحرب بين الجيش و”الدعم السريع”.

حتى أمس الأربعاء، اندلعت اشتباكات عنيفة في عدة مناطق سودانية بين الجيش وقوات “الدعم السريع” بعد انتهاء آخر هدنة مدتها 72 ساعة، في حين حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” من تصاعد انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر القادمة.

طرفا الصراع كانا قد توصّلا لاتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة سعودية أميركية، لمدة 72 ساعة بدءا من صباح الأحد الماضي، وحتى أمس الأربعاء، قبل ذلك كانت قد سرت آخر هدنة نهاية الأسبوع الماضي لمدة 24 ساعة، والتزم بها الطرفان إلى حدّ بعيد، لكن فور انتهاء مدتها صباح الأحد استفاق سكان الخرطوم على تجدد المعارك.

إلى ذلك، فإن هذه الحالة بعدم الالتزام بالـ “هُدن”، بالرغم من إعلان طرفي النزاع اتفاقهما حولها في كل مرة، عكست صورة سلبية عن مستقبل إمكانية وقف الحرب، لاسيما وأن هذه “الهُدن” قد فشلت في تثبيت مؤقت على الأقل لوقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية وإغاثية وسط المعارك الدائرة، الأمر الذي ترك الباب مفتوحا على إذا ما كان ذلك سيتسبب بتدخل أممي في السودان.

وجهة نظر سياسية

حول ذلك، أوضح الخبير في الشأن السوداني، رئيس صحيفة “التيار” عثمان ميرغني، بالقول إن فشل الهُدن ناتج من سببين رئيسيين؛ الأول يعود لضعف آليات الرقابة التي لا تستطيع تحديد وبدقة الخروقات والمتسبب فيها، والثاني هو عدم تحديد عقوبات ومحاسبة واضحة وصارمة للذين يتسببون في خرق الهُدن.

استمرار معاناة السودانيين بسبب الحرب/ إنترنت + وكالات

ميرغني وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أنه حتى الخروقات التي رُصدت لم تجد المحاسبة التي تجعل الفاعل حذرا من تكرارها، وهو ما أدى لفشل الهدن، وأفقدها قيمتها في توفير وضعا إنسانيا أفضل، مبينا أن المساعدات الطبية والغذائية التي وصلت إلى مدينك بورتسودان لم تستطع الوصول إلى مراكز التوزيع والخدمات في الخرطوم بل تعرض جزء منها للنهل.

لكن على الرغم من ذلك، فقد استبعد الخبير في الشأن السوادني أي تدخل أممي ميداني، قائلا إن ذلك يتطلب موافقة “مجلس الأمن” الدولي، ثم توفير التمويل من الدول الكبرى التي لديها اًولويات أخرى، لافتا إلى أن تداعيات ذلك تنعكس مباشرة على المواطن الذي أن لم تقتله الرصاصة؛ قتله المرض لعدم الوصول إلى المستشفى أو قتله الجوع لعدم قدرته على العمل واكتساب المال حتى ولو توفرت بعض السلع.

هذا ويدور الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أكثر من شهرين، مما أدى إلى دمار في العاصمة واندلاع أعمال عنف واسعة النطاق في منطقة دارفور غربي البلاد وفرار أكثر من 2.5 مليون شخص من ديارهم.

ففي الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور في غرب البلاد، والمدينة الأكثر تضررا من الحرب، تمتلئ الشوارع المهجورة بالجثث فيما تعرضت المتاجر للنهب، فيما حذرت “الأمم المتحدة” و”الاتحاد الإفريقي” ومنظمة “إيغاد”، من أن النزاع اكتسب الآن بعدا عرقيا، وتحدثت عن احتمال وقوع جرائم ضد الإنسانية في دارفور.

تحذيرات أممية من مأساة إنسانية

نتيجة إلى ذلك، ومنذ أيام يفر سكان الجنينة سيرا على الأقدام في طوابير طويلة، حاملين معهم ما تيسر، على أمل الوصول إلى تشاد الواقعة على بعد 20 كيلومترا إلى الغرب، وذلك بينما أوقف القتال حركة الاقتصاد، ودفع بملايين السودانيين في هاوية الجوع ودفعهم للاعتماد على المساعدات الخارجية، وأدى لتدمير النظام الصحي.

سودانيون يتسلمون مساعدات إنسانية/ إنترنت + وكالات

بالمحصلة، كانت وزارة الصحة قد أعلنت، أن نحو ثلاثة آلاف لقوا مصرعهم منذ بداية الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، مبينة في تصريح لوزيرها هيثم إبراهيم الأحد الماضي، أن تلك الحصيلة جاءت منذ بداية الصراع في منتصف نيسان/أبريل الماضي. 

في السياق، تسببت تلك الأحداث بمأساة إنسانية كبيرة، حيث توقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” أن يتصاعد ما سمته انعدام الأمن الغذائي الحاد بالسودان في الأشهر المقبلة جراء الحرب الدائرة المستمرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”.

“الفاو” بينت في آخر تقرير لها، إنها تحتاج بشكل عاجل إلى 95.4 مليون دولار لتوسيع نطاق الاستجابة لإنقاذ الأرواح، وتمكين الوصول إلى الغذاء، وحماية سبل العيش الحيوية، وقال مدير مكتب الطوارئ والقدرة على الصمود في المنظمة، رين بولسن، إن الحرب الدائرة الآن ضربت وقتا حرجا بالنسبة لملايين الأشخاص الذين يعتمدون على الغذاء والزراعة.

ذلك في إشارة من مدير مكتب الطوارئ والقدرة على الصمود في المنظمة إلى موسم الإنتاج الزراعي المطري، الذي يبدأ من نهاية شهر أيار/مايو وينتهي في شهر آب/أغسطس من كل عام، حيث دعا إلى تعزيز إنتاج الغذاء المحلي وحماية سبل العيش من أجل تقليل احتمال اتساع عبء الحالات الإنسانية في الأشهر المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات