بينما يجري الحديث مؤخرا عن توصل الولايات المتحدة الأميركية وإيران إلى اتفاق جديد حول أنشطة طهران النووية، جددت واشنطن نفيها لذلك، على الرغم من أنها نفت ذلك مسبقا، الأمر الذي فسره البعض تأكيدا أميركيا على طمأنة حلفائها الذين يخشون المساعي النووية الإيرانية في الشرق الأوسط.

إذ أكدت واشنطن أنها تمضي قدما مع حلفائها وشركائها، بما في ذلك دول المنطقة، بشأن المخاوف المتعلقة بإيران، مشددة على أن المباحثات غير المباشرة التي بدأت في الآونة الأخيرة بين واشنطن وطهران، لا تهدف إلى إبرام “اتفاق جديد” بشأن البرنامج النووي الإيراني.

في سياق ذلك، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن أي اتفاق ليس مطروحا على الطاولة، وإن كنّا ما زلنا مستعدين لاستكشاف المسارات الدبلوماسية، مؤكدا أن المباحثات غير المباشرة التي بدأت في الآونة الأخيرة بين واشنطن وطهران، لا تهدف الى إبرام اتفاق جديد بشأن برنامج إيران النووي.

كما أشار بلينكن خلال ندوة في مركز أبحاث “مجلس العلاقات الخارجية” في نيويورك، إلى أن واشنطن ستحكم على طهران من خلال أفعالها، داعيا إيران إلى عدم الإقدام على خطوات قد تصعّد من التوترات مع عدوها اللدود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس”.

واشنطن وحقيقة الاتفاق الجزء مع إيران

ذلك يأتي، بعد أسبوع من وصف بلينكن التقارير عن التوصل إلى اتفاق مع طهران حول المسائل النووية، أو المحتجزين، بأنها غير دقيقة، وغير صحيحة، بعد أن تحدثت مصادر عدة مؤخرا، عن أن واشنطن وطهران شرعتا في الأشهر الماضية في مباحثات غير مباشرة بضيافة سلطنة عمان التي سبق لها أن استضافت مباحثات سرية بين الطرفين مهّدت الطريق لإبرام اتفاق عام 2015 بين طهران القوى السّتة الكبرى.

واشنطن تجدد نفيها التوصل لإتفاق مصغر مع إيران/ إنترنت + وكالات

إذ كانت طهران عام 2015 قد أبرمت اتفاقا مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، أتاح تقييد أنشطتها وضمان عدم امتلاكها سلاحا نوويا، في مقابل رفع عقوبات اقتصادية عنها، إلا أن واشنطن انسحبت من الاتفاق في أيار/مايو 2018.

الانسحاب جاء سعيا للتوصل إلى اتفاق شامل يلجم الأنشطة الإقليمية الإيرانية المتمثلة بـ “الحرس الثوري”، ولتقييد تطوير الصواريخ الباليستية التي يعمل عليها النظام الإيراني، ما أدى إلى إعادة فرض عقوبات قاسية على طهران، وذلك نتيجة تراجع الأخيرة تدريجيا عن التزاماتها النووية.

بعد ذلك، ومع تولي الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة في أميركا عام 2020، عادت إيران والقوى الكبرى، بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، مفاوضات لإحياء الاتفاق مجددا، لكن المباحثات التي جرت بمشاركة “الاتحاد الأوروبي”، وصلت إلى طريق مسدود في صيف 2022.

وسط ذلك، أثار تجديد واشنطن نفيها وجود مفاوضات بينها وبين طهران عدة تكهنات، وهو ما اعتبره كثيرون محاولات إرسال رسائل إلى شركائها في منطقة الشرق الأوسط، بخاصة في ظل مطالبات دول المنطقة للولايات المتحدة الأميركية تكثيف جهود حمايتها للمنطقة التي تواجه مخاطر التهديدات الإيرانية.

حول ذلك، أشار المهتم بالشأن السياسي عادل الكناني، إلى أن المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط أكبر من أن تندفع لتجازف بشأنها من حيث المضي بمفاوضات سبق وأعربت عدة دول عربية عن مضايقتها منها، مبينا أن اتفاق 2015 دفع بالكثير من دول المنطقة إلى إعادة النظر بسياساتها الخارجية وتحالفاتها، بل منها من عبّرت علانية في مواقف عدة عن أنها غير مطمئنّة للتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية.

مخاوف شرق أوسطية ضمن أجندات واشنطن تجاه إيران

إذ اعتبرت دول عدة أن الاتفاق السابق كان يوفر فرصة سانحة لطهران لتوسعة نشاطاتها العدائية في المنطقة، لا سيما تلك التي ضد دول الخليج، لما يساعد به في تخفيف الضغوطات الاقتصادية، بالتالي دفع ذلك إلى أن تنحاز بعض الدول التي كانت تمثل حليفا استراتيجيا لواشنطن، وهذا ما دفع بالأخيرة مؤخرا في إعادة النظر في سياساتها بشأن المنطقة، والتي منها ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، بحسب الكناني.

وزير الخارجية الأميركي يؤكد مواصلة بلاده الضغط الدبلوماسي على إيران وأنه لا توجد أي تطورات بشأن الملف النووي/ إنترنت + وكالات

الكناني لفت في حديثه لموقع “الحل نت”، إلى أن هذا المشهد بالمجل أدى لأن تأخذ الولايات المتحدة الأميركية المخاوف العربية وغيرها من دول المنطقة على محمل الجد، ما دفعها لأن تكون واقعية في التعامل مع الملف النووي الإيراني والذي تعبّر عنه بصراحة أنها غير منخرطة في أي مفاوضات سواء سرية أو علنية بشأنه. 

الخبير السياسي، اختتم حديثه بالقول، إن واشنطن تدرك جيدا اللحظة التي يعيشها العالم من صراع على القطبية الدولية، بالتالي من المؤكد أنها ستتحرك بكل ما أوتيت من قوة لضمان تواجدها في المنطقة وتعزيز علاقاتها مع شركائها التاريخيين، من دون المجازفة على حساب ذلك، مبينا أن الولايات المتحدة الأميركية تبدو واضحة أنها لا تسعى لخسارة أي من حلفائها؛ فإن خسارة أي منهم يعني مكسبا لخصومها مثل الصين وروسيا الذين يسعون لإيجاد موطئ قدم في المنطقة.

بالتالي إن حديث وزير الخارجية الأميركي ما هو إلا رسائل سبق وأن وجهتها واشنطن لحلفائها؛ بأنها إذا ما قررت الانخراط في أي مفاوضات جديدة مع طهران بشأن الملف النووي فإن مصالحها ستكون ضمن أجنداتها لإبرام الاتفاق، كما أنها لن تخطو أي خطوة من دون تنسيق مشترك واتفاقات مسبقة.

يبدو أن إيران تسعى مجددا لإنعاش مفاوضات إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، مع ستّ دول، بينها الولايات المتحدة الأميركية، وذلك من خلال ملف تبادل السجناء -الذين تحتجزهم طهران بتهم تخلو من الأدلة- مع واشنطن، حيث فتحت الباب أمام إمكانية إجراء تبادلٍ للسجناء قريبا.

الأمر الذي فُسّر على أنه محاولة لإبداء حسن النية الإيرانية في التعاون مع أميركا، أملا في تحقيق اختراق بملف المفاوضات التي أوقفتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد استئنافها بشكل غير مباشر لمدة أشهر، لعدم وجود نيّة حقيقية من قبل إيران في التوصل لاتفاق من خلال تقديم مطالب غير منطقية لا يمكن للولايات المتحدة الأميركية قبولها.

اتفاق تبادل السجناء

التكهنات التي أثارتها إيران من خلال قضية تبادل السجناء، أثارتها تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي، قبل أسبوعين، عن أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق مع الغرب حول أنشطة بلاده النووية، في حال ظلت البنية التحتية النووية للبلاد من دون مساس، وذلك في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة الأميركية استئناف المفاوضات دون تقديم إيران التزامات جدّية.

وساطة عمانية بين واشنطن وطهران لاطلاق سراح سجناء/ إنترنت + وكالات

ملف تبادل السجناء فتح الباب أمام الحديث عن اتفاق نووي مصغّر يجري العمل عليه بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، لكن الأخيرة قطعت الشك في ذلك سريعا، فقد نفى “البيت الأبيض” الخميس الماضي، صحة تقرير صحفي ذكر أن الولايات المتحدة وإيران تقتربان من اتفاق مؤقت تقلص طهران بموجبه برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات عنها.

المتحدث باسم “مجلس الأمن القومي” بالبيت الأبيض، قال إن التقرير غير صحيح ومضلل، وذلك في إشارة إلى مقال بموقع “ميدل إيست آي” البريطاني الإلكتروني، مشيرا إلى أن أي تقارير عن اتفاق مؤقت كاذبة.

في حين كان التقرير قد نقل عن مصدرَين لم يذكرهما، قولهما إن إيران والولايات المتحدة تقتربان من اتفاق مؤقت للحد من أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية مقابل إلغاء بعض العقوبات، كما نقل التقرير عن المصدرين قولهما إن الجانبين توصلا إلى اتفاق حول إبرام اتفاق مؤقت لنقله إلى رؤسائهما.

التقرير أكد على أن إيران ستلتزم بوقف تخصيب اليورانيوم حتى درجة نقاء 60 بالمئة، أو أكثر وستواصل التعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” التابعة لـ “الأمم المتحدة” مقابل السماح لها بتصدير ما يصل إلى مليون برميل من النفط يوميا والحصول على دخلها وأموال أخرى مجمدة في الخارج.

لكن مع تجديد واشنطن نفيها ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية أكثر جدية مما سبق فيما يخص مصالح دول المنطقة، واضعة مخاوف دول المنطقة ضمن اعتباراتها الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات