مع استمرار المواجهات العسكرية في السودان بين قوات الجيش السوداني التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” المعروفة بدعمها الذي تتلقاه من روسيا بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، الشهير بـ”حميدتي”، تزداد المؤشرات على إطالة أمد الصراع في البلاد.

مؤشرات عديدة ظهرت مؤخرا تدل على تصاعد المواجهات العسكرية، أبرزها إصرار الجانبين على حسم الصراع بشكل عسكري، وذلك بعد فشل جميع الجهود الإقليمية والدولية في نجاح أي من الهُدن التي تم الإعلان عنها على مدار الأشهر الثلاثة الماضية.

الجيش السوداني بدوره أكد أنه مستمر في محاربة “قوات الدعم السريع” التي تحاول بسط نفوذها على البلاد، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول قدرة الجيش على حسم الصراع لصالحه، وهل يكون وقف الصراع في الميدان العسكري أم على طاولة المفاوضات السياسية.

دعوات للنفير؟

في إطار إصراره على الحسم العسكري، دعا الجيش السوداني الشباب السودانيين القادرين على حمل السلاح إلى تسجيل أنفسهم في أقرب قيادة عسكرية للقتال ضد “قوات الدعم السريع” شبه العسكرية، وأصدر الجيش بيانا اعتبر أن القتال في صفوف الجيش “واجب للدفاع عن السودان، وقد تم توجيه قيادات الفِرق والمناطق العسكرية باستقبال وتجهيز المقاتلين، وعليهم التوجه لأقرب قيادة أو وحدة عسكرية”.

حتى الآن لا يبدو أن هناك أيّة مؤشرات على تهدئة الصراع المحتدم منذ نيسان/أبريل الماضي، خاصة في ظل فشل الهُدن التي تمّ التوصل إليها سابقا، فيما يوحي بأن السودان مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد العسكري خلال الأشهر القادمة.

ما يعزز فكرة التصعيد على الأقل وفق المعطيات الراهنة، هو طريقة تعاطي “قوات الدعم السريع” مع التطورات الميدانية، حيث أكد مستشار حميدتي أن قواته لديها من التمويل العسكري والمؤن ما يكفي لمواصلة القتال لمدة عامين آخرين، في إشارة لرفض أي جهود للتهدئة لا تتضمن تنفيذ شروط قيادة “الدعم السريع”.

حدة الاشتباكات تصاعدت خلال الأيام الأخيرة، حيث تؤكد مصادر محلية احتدام المواجهات حول  محيط مقر سلاح المدرعات جنوب الخرطوم، من أجل السيطرة عليه، في وقت يؤكد فيه الجيش السوداني سيطرته على كافة المواقع الحيوية في العاصمة، كذلك فقد شملت المواجهات  مُدنا في غرب كردفان وإقليم دارفور، ولا سيما مدينة الجنينة الواقعة في أقصى غرب البلاد، حيث تواجه “قوات الدعم السريع تُهما تتعلق بالتطهير العرقي”.

قد يهمك: التمرد التاريخي في روسيا.. ما مصير “فاغنر” في سوريا؟

الكاتب والمحلل السياسي محمد اليمني رأى أن السودان مقبلٌ على مرحلة حساسة، قد يكون فيها تصعيد عسكري بين الأطراف المتصارعة في البلاد، مشيرا إلى أن المعطيات على الأرض تؤكد أن وقف الصراع لن يكون بالميدان، حيث أن التهدئة بحاجة إلى جلوس على طاولة الحوار مع وجود إرادة من قِبل الجانبين.

اليمني قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “السودان مقبلٌ على مرحلة جديدة مرحلة حساسة، مرحلة يوجد فيها صدام كبير وعنيف وشرس بين الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة عندما نسمع هذا القرار من قبل الجيش السوداني بأن الشباب لا بد أن يحملو السلاح، أما النقطة الأخرى بخصوص قوات الدعم السريع خاصة في معقل حميدتي وهي كافور، هناك أيضا بعض التيارات دعت المواطنين لحمل السلاح والدفاع عن أنفسهم، بالتالي كل المؤشرات وكل الأمور في هذا التوقيت تؤشر على خطر كبير جدا في السودان بين الجهتين المتصارعتين”.

مع دخول المدنيين إلى خط الصراع في السودان، فإن الحل العسكري لم يعد حلّا عمليا، في ظل امتلاك الجانبين للأدوات العسكرية، بالتالي فإن وقف الصراع في البلاد يحتاج إلى حلّ سياسي، يكون مقبولا من قبل جميع الأطراف المتصارعة.

اليمني أوضح كذلك أن معظم المواطنين السودانيين، “باتوا يرون قوات الدعم السريع هي العدو الأول بالنسبة للسودان، وهذا يعني تصعيد أكبر في البلاد، بعدما أصبح عدد الجيش كبيرا، لكن القوات السودانية لن تستطيع حسم الصراع بشكل عسكري وتحتاج الكثير لتحقيق ذلك”.

أدوات الحسم

حيث أن حسم الصراع يتطلب أدوات عديدة، وهذا لن يتحقق في ظل امتلاك الجهة الأخرى للأدوات العسكرية والدعم اللازم لمواصلة القتال، وهنا أوضح اليمني أن “قوات الدعم السريع لديها ما يؤهلها لمدّ الصراع لشهور على الأقل” متوقعا أن يمتد القتال في البلاد إلى العام المقبل.

حول السيناريوهات المتوقعة للبلاد خلال الفترة القادمة، فإن استجابة الشباب لدعوة الجيش السوداني، ستؤدي إلى مزيد من التصعيد والضغط على “قوات الدعم السريع”، “أما السيناريو الآخر فهو حصول قوات الدعم السريع على دعم من ميليشيات فاغنر، خاصة في ظل وجود علاقة وطيدة بين قوات الدعم السريع وفاغنر، وهذا أيضا يخدم سيناريو التصعيد وإطالة أمد الصراع”.

أما عن فُرص التهدئة في السودان لاحقا، فقد أردف اليمني قائلا، “أنا أرى أن معظم الهُدن التي تمت الدعوة إليها لم تسفر عن أي جديد بل هذه الهُدن تم اختراقها، ومع إطالة أمد الصراع ستزداد النفوذ والدوافع والمكاسب الكثيرة، سواء للجيش وقوات الدعم السريع التي لديها مطامع عديدة في البلاد”.

FILE PHOTO: An aerial view of the black smoke and flames at a market in Omdurman, Khartoum North, Sudan, May 17, 2023 in this screengrab obtained from a handout video. VIDEO OBTAINED BY REUTERS/Handout via REUTERS THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY./File Photo

حتى الآن لا توجد مؤشرات توحي بقدرة الجيش السوداني على حسم الصراع لصالحه، وذلك رغم تفوقه من الناحية العسكرية كونه يمتلك الأسلحة الثقيلة، إضافة إلى الشرعية من كونه الممثل الرسمي للقوات المسلحة في السودان، لكنه سيحتاج ربما لوقت طويل من أجل حسم الصراع، فيما سيكون إطالة أمد الصراع من صالح “قوات الدعم السريع” التي تقاتل كميليشيات منتشرة في بعض مناطق البلاد.

السودان شهد على مدى الشهرين الماضيين قتالا عنيفا بين الجيش و”قوات الدعم السريع” في صراع على السلطة، بعد 18 شهرا من انقلاب عسكري أدى إلى ضرب مساعي وآمال الانتقال إلى الحكم المدني، في وقت شهدت فيه العاصمة الخرطوم خلال الأسابيع الماضية، فرارا لآلاف المدنيين إلى مناطق أكثر أمنا.

لكن المؤشرات في السودان، لا توحي حتى اللحظة بإمكانية قبول “قوات الدعم السريع” حلّ نفسها، أو الانخراط في الجيش السوداني، خاصة وأنها تحاول مؤخرا هزيمة قوات الجيش والسيطرة على العاصمة السودانية، بدعم مباشر من روسيا.

دور الدعم الخارجي

الدعم الخارجي الذي تقدمه بعض الدول الخارجية كروسيا الداعمة لـ “قوات الدعم السريع”، يُعتبر من أبرز عوامل ترجيح إطالة أمد الصراع في السودان، إضافة إلى عدم إبداء أي طرف استعداده للتهدئة، فحتى الهُدن التي تم الإعلان عنها خلال الأسابيع الماضية بوساطات خارجية، لم يلتزم بها أحد على الأرض.

جميع المؤشرات منذ البداية توحي بأن هذا الصراع سيمتد ولن يُحسم في وقت قريب، فموازين القوى الظاهرية وإن كانت تميل لصالح الجيش السوداني إلا أن الجيش لم يتمكن من حسم هذه المعارك ضد “قوات الدعم السريع”، لذلك يؤكد محللون أن قبول الأخير بالانخراط بالجيش مرهون بالجهات الخارجية الداعمة لها.

عديد من المخاوف بدأت تظهر بدخول السودان في نفق إطالة أمد الصراع العسكري فيها، خاصة مع عدم قدرة أحد الجانبين على حسم النزاع بشكل عسكري، إضافة لعدم قبول أحد منهما تسوية تفضي إلى وقف القتال، فضلا عن عدم الالتزام بأي هدنة تم الإعلان عنها سابقا، فهل تدخل السودان مرحلة إطالة أمد الصراع.

استمرار العنف في السودان من شأنه أن يقضي على العملية السياسية إلى الأبد، وهي عملية كان من المفترض أن تُرسي أسس الديمقراطية في البلاد بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير وقاعدته السياسية في 2019، بعدما أمضى ثلاثة عقود في السلطة.

المواجهات في السودان، بدأت منذ نحو ثلاثة أشهر، فبعد أيام من التأجيل الثاني لتوقيع اتفاق نهائي بشأن العودة إلى الحكم المدني، بسبب خلاف على دمج “قوات الدعم السريع” في الجيش النظامي، هزت انفجارات في 15 نيسان/أبريل العاصمة الخرطوم. وتبادل كل من “قوات الدعم السريع” والجيش، الاتهامات بالمسؤولية عن بدء الهجوم أولا.

المواجهات الدائرة حاليا في البلاد، هي نتيجة مباشرة للصراع على السلطة بين أفراد القيادة العسكرية، حيث يختلف قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع قائد “قوات الدعم السريع”، الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، وذلك بعد أن تعاونا على الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير عام 2019.

واحدة من أهم النقاط الأساسية العالقة بين البرهان ونائبه “حميدتي”؛ هي الخلاف حول خطة ضم “قوات الدعم السريع” التي تشير التقديرات إلى أن عدد عناصرها يبلغ 100 ألف عنصر، إلى الجيش وحول من سيقود القوة الجديدة بعد ذلك.

حتى الآن، لا يبدو أن هناك مؤشرات إيجابية على إنهاء الصراع في البلاد بشكل سلمي أو بناء على اتفاقيات بين الطرفين المتصارعين، فهل سيكون هناك أي جهود دولية قد تجبر الأطراف المتصارعة على التهدئة خلال الأشهر القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات