العديد من الأسئلة والمخاوف تثار مؤخرا حول خطر الاستحواذ الثقافي وتأثير الدراما التركية المعرّبة على الهوية العربية. وهل هذا التوجه نحو إنتاج وترويج الدراما التركية المعرّبة يشكل تهديدا حقيقيا للثقافة والهوية العربية.

من الناحية الأولى، يعتبر انتشار الدراما التركية المعرّبة ظاهرة ثقافية تجارية تستهدف جمهورا واسعا من العرب، حيث تقدم قصصا مشوقة وإنتاجا عالي الجودة. ويعزى انتشارها الواسع في العالم العربي إلى جودة الإخراج والتمثيل، وقدرتها على استخدام المؤثرات البصرية والصوتية بشكل فعّال. إلا أن الروايات التركية الأصلية التي تتحول إلى مسلسلات تتمتع بقصص خيالية وشخصيات معقدة، استطاعت جذب الجمهور وجعله يتعاطف مع الشخصيات ويشعر بالانتماء للقصة.

مع ذلك، يعارض البعض هذا التوجه نحو الدراما التركية المعرّبة، ويرونها كتهديد للهوية العربية. ويقول البعض إن الدراما التركية المعربة تعمل على إضعاف وإغراق الثقافة العربية الأصيلة والموروث الثقافي العربي بوجوه وقصص تركية، مما يؤدي إلى تلاشي الهوية العربية وفقدان التوازن الثقافي.

قصص خيالية ووجوه مبالغ في تجميلها

رحلة الدراما التركية المعرّبة انطلقت مع مسلسل “عروس إسطنبول” في عام 2019، حيث تم نقله إلى العربية بعنوان “عروس بيروت”، وتوالت عرض أجزائه الثاني والثالث.

شهد مسلسل "ستيليتو" تماثلا مع المسلسل التركي "جرائم صغيرة" - إنترنت
شهد مسلسل “ستيليتو” تماثلا مع المسلسل التركي “جرائم صغيرة” – إنترنت

بالمثل، شهد مسلسل “ستيليتو” تماثلا مع المسلسل التركي “جرائم صغيرة”، حيث قُدّمت القصة والشخصيات نفسها في نسخته العربية التي بدأ عرضها العام الماضي. وفي الآونة الأخيرة، تم عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل “الثمن” المعرب عن المسلسل التركي “ويبقى الحب”، حيث شارك في بطولته نخبة من الفنانين السوريين واللبنانيين.

منصة “شاهد” التابعة لمجموعة شركات “إم بي سي”، أعلنت مؤخرا عن بدء عرض مسلسل “كريستال”، المأخوذ عن المسلسل التركي “حرب الورود”، وتشمل قائمة أبطاله كلا من محمود نصر، باميلا الكيك، ستيفاني عطا الله، لين غرة، وغيرهم.

أيضا تم الانتهاء من تصوير مسلسل “الخائن” قبل بضعة أسابيع، والذي يجمع بين النجوم سلافة معمار وقيس الشيخ نجيب، وغيرهم. ويستند المسلسل إلى النسخة التركية التي تحمل نفس الاسم، ويروي قصة طبيبة ناجحة تتعرض للخيانة الزوجية.

بالإضافة إلى ذلك، تم بدء تصوير المسلسل البوليسي “الداخل” مؤخرا، وهو مستوحى من المسلسل التركي بنفس الاسم. ويجسّد الفنان سامر إسماعيل دور البطولة، إلى جانب الممثل أيمن زيدان الذي يشارك لأول مرة في أعمال درامية عربية مستوحاة من الدراما التركية. فيما قريبا، سترى النور النسخة العربية من مسلسل “حب للإيجار”، حيث سيلعب الفنان معتصم النهار دور البطولة إلى جانب نور علي وشكران مرتجى.

البعض يعتبر أن استخدام اللغة العربية في الدراما التركية المعرّبة غير أصيل ولا ينسجم مع الثقافة العربية الأصلية. فالترجمة والدبلجة قد تفقد بعض العنوان الأصلي للأعمال وتخفي بعض التفاصيل الثقافية التي تعبر عن الهوية الأصلية للعمل.

مسألة الاستمرار غير محسومة

طبقا للكاتب السوري، يامن مغربي، فإن مطلع الألفية الجديدة، شهد انتشار المسلسلات التركية المدبلجة إلى اللهجة السورية، وذلك استغلالا لانتشار الأخيرة في العالم العربي، مع طفرة إنتاج المسلسلات السورية وانتشارها.

مسلسلات عربية قادمة مقتبسة عن أعمال تركية - إنترنت
مسلسلات عربية قادمة مقتبسة عن أعمال تركية – إنترنت

بعد انتشار الدراما التركية المدبلجة على شاشات العديد من المحطات العربية على مدار السنوات الماضية، يتجه اهتمام شركات الإنتاج العربية اليوم نحو استنساخ الروايات التركية بالكامل، بدءا من النصوص والقصص ووصولا إلى الأماكن التصوير والأزياء والإخراج، محاولين تقديم واقع تركي بلغة ووجوه عربية.

ويبدو أن الدراما التركية المدبلجة لم تعد تجذب الجمهور العربي بالشكل الذي كانت تجذبه في السابق، نظرا لأن أبطال هذه الأعمال يتمتعون بملامح تركية. ولذلك، فإن “التعريب” أصبح حلّا جديدا لاستعادة اهتمام الجمهور العربي من خلال وجوه مألوفة لديه وأصبحت جزءا من ثقافته العربية.

لذلك، لفتت الدراما المعربة انتباه النجوم العرب، الذين يتلقون عروضا مالية هائلة لأداء أدوار البطولة في النُّسخ العربية، التي تعتمد على العناصر المبهرة من حيث الأزياء والمكياج والإضاءة والديكورات الضخمة، وجمال الطبيعة في إسطنبول، وذلك على بُعد كبير من قضايا وثقافة ومشاكل المجتمع العربي.

ظاهرة تعريب المسلسلات التركية تزداد انتشارا، مع توجه شركات الإنتاج الكبرى لإنتاج عدد من هذه المسلسلات في وقت قريب، ومع ذلك، يبقى الاستمرار في هذا الاتجاه غير مؤكد، نظرا لتراجع اهتمام الجمهور والانتقادات التي وجّهت لبعض الأعمال أثناء عرضها.

بالمقابل، تظل الدراما العربية أقرب إلى قلوب الجماهير العربية، على الرغم من عيوبها، فهي تعبّر بشكل أفضل عن قضايا العرب وتقترب إلى حد ما من الواقع العربي، لكن ما الفائدة المتوقعة من هذا الاستنساخ، وهل يعاني الكتّاب العرب من نقص في النصوص بما يدفع الدراما للتكرار والاستنساخ.

الأرباح المادية الأهم بالنسبة لصنّاع الدراما؟

منذ عرض أولى حلقات مسلسل “كريستال” على قناة “إم بي سي 1” ومنصة “شاهد”، تصدر المسلسل الترند على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثار حالة من الجدل بين المتابعين بعد أن انتهى بمشهد قُبلة حميمة وجريئة جمعت بين بطلي العمل محمود نصر وباميلا الكيك.

قُبلة الفنان السوري محمود نصر والفنانة اللبنانية باميلا الكيك في مسلسل “كريستال” - إنترنت
قُبلة الفنان السوري محمود نصر والفنانة اللبنانية باميلا الكيك في مسلسل “كريستال” – إنترنت

عقب هذه الضجة، أُثيرت التساؤلات حول، الأرباح المادية في صناعة الدراما، ولا سيما تعريب المسلسلات التركية، وهل أصبحت هي الأهم بالنسبة للمنتجين وصنّاع الدراما، وهل تجاهلت الصناعة القضايا الاجتماعية الجادة التي تهم الشارع العربي، مغمضة النظر عنها ومستبعدة الإبداع الفني من أجل قصص الحب الخيالية والدراما الصاخبة، والوجوه المبالغ في تجميلها.

يبدو أن الأرباح المادية أصبحت العامل الأساسي الذي يدفع صنّاع الدراما لتعريب المسلسلات التركية وإنتاجها بكثرة. يتم تحويل هذه الأعمال الناجحة إلى نسخ عربية تتماشى مع الثقافة واللغة العربية. ويرتبط هذا التوجه بسعي الشركات المنتجة لتحقيق الأرباح المرتفعة من خلال استغلال شعبية المسلسلات التركية وقاعدة جماهيرية كبيرة.

في سبيل تحقيق هذه الأرباح المادية، يبدو أن بعض القضايا الاجتماعية الجادة التي تهم الشارع العربي قد تجاهلت وتلاشت. حيث تتمحور الأعمال التركية المعربة في غالبيتها حول قصص الحب الخيالية والدراما الصاخبة، مع التركيز على العناصر المجذّبة للمشاهد مثل الأزياء الراقية والديكورات الفخمة والوجوه المبالغ في تجميلها. وأصبحت السردية الرومانسية والتشويق السطحي هما العنصرين الأساسيين الذين يهيمنان على المسلسلات التركية المعربة.

هذا التوجه لا يعني بالضرورة عدم وجود مسلسلات عربية تتناول القضايا الاجتماعية الجادة وتسلط الضوء على التحديات والمشاكل التي يواجهها المجتمع العربي. إلا أن ما يثير الانتقاد هو التفضيل البارز للأعمال التركية وتكرار نمط الدراما الرومانسية في الإنتاج العربي.

رغبة صناع القرار بالاستثمار في أعمال ناجحة وأهمية الأرباح المادية لصناع الدراما، يفسر الإقبال الكبير وغير المسبوق على متابعة الأعمال التركية التي تحتل المراتب الأولى على منصة “شاهد”. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن الدراما تفتقر تماما في البلدان العربية إلى كتّاب موهوبين ومبدعين. ولكنه يعني أن النصوص التي تختارها القنوات العربية لم تكن موفقة، ولم يكن اختيار المنتجين صائبا، خاصة فيما يتعلق بالتعاون مع نفس الأسماء المعروفة، دون فتح الأبواب لكتّاب جدد قد يلبّون ذوق الجمهور العربي والجيل الجديد من المشاهدين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات