انتقادات ساخرة طالت للحكومة السورية بشأن ادعائها بأن سوريا شهدت نقلة نوعية بسبب التحوّل الرقمي الذي أثر على جميع جوانب الحياة اليومية، مثل إصدار ما يسمى بـ “البطاقة الذكية” وإطلاق المنصة الإلكترونية الخاصة فيما يتعلق بالحصول على جوازات سفر، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

اعتبر البعض أن هذه الإجراءات فاقمت الأزمات في البلاد وليس العكس، وكيف يمكن لحكومة لا تمتلك كهرباء أن تعمل على المنصات الإلكترونية المرتبطة بشكل أساسي بالكهرباء والإنترنت، وهذين الخدمتين غير متاحين بسهولة في سوريا.

“ليش أصلا في كهربا”

في موضوع نوقش على إذاعة “المدينة أف أم”، يوم أمس الإثنين، حول دور وأهمية التحوّل الرقمي في سوريا، قال مهندس البرمجيات ونظم المعلومات رائد قضماني، “سوريا باشرت في التحول الرقمي منذ عدة سنوات، وقطعت شوطا جيدا، ويمكننا أن نبدأ بمثال، وقد عاشها جميع مواطني سوريا، وهي أزمة المحروقات في البلاد قبل نحو 3 سنوات، وكان هناك طوابير طويلة حتى الحصول عليها، ولكن بعد إصدار البطاقة الذكية أصبح المواطن يعرف الآن موعد دوره ومن أي محطة وقود يمكنه الحصول على البنزين أو المازوت”.

المثال الثاني طبقا لحديث قضماني، هو الدفع الإلكتروني، من دفع الفواتير وغيرها، فضلا عن إنجاز المعاملات من خلال تطبيق “المعاملات” في سوريا، فعلى سبيل المثال، يستطيع المواطن الحصول على أي معاملة حكومية، من صورة شهادة ثانوية معتمدة أو قيد عقاري أو أي أوراق ثبوتية أخرى عبر هذا التطبيق.

حديث المهندس المتخصص في هذا الصدد وقوله إن الأمور أصبحت أكثر سهولة وسلاسة في سوريا غير صحيح من وجهة نظر الشارع السوري، حيث إن إصدار “البطاقة الذكية” والمنصات الإلكترونية الأخرى، زادوا من نسب الفساد والفوضى في هذه الأمور.

علق البعض بشكل ساخر، بالقول “مو طبيعي التحول الرقمي، حسيت حالي عم تابع برنامج باليابان، قال إنجاز دور محطات بنزين.. لك يا رجل هي مشكلة ما موجودة ولا بدولة بالعالم”، بينما علق آخرون “بربك سكوت ولك انت مو مقتنع بهل حكي، هلا مننطر ١٠ أيام بالبيت لنعبي بنزين بدل ما كنا ننطر ساعات بالكازية، حكومة الكترونية ببلد ما فيها كهربا.. ياريت نأمن كهربا قبل مانتحول لبوكيمونات”.

أحد المواطنين من العاصمة دمشق قال في هذا الإطار لموقع “الحل نت”، إن كل ما يتم تداوله عن أن التحوّل الرقمي في سوريا وأنه حل العديد من المشاكل وسهل الحياة اليومية، غير صحيح، بل على العكس الأمور تزداد تعقيدا.

يتطلب استخراج أو إنجاز معاملة في مؤسسة حكومية الحضور الشخصي والوقوف في الطابور لفترة طويلة، والتطبيقات الإلكترونية التابعة للحكومة السورية شبه معطلة ولا تعمل إلا عند شخصيات معينة، وهم سماسرة ويتقاضون مبالغ مالية حتى ينجزون أمر لشخص ما، مثل حجز دور على المنصة الإلكترونية لاستخراج جواز سفر، يضيف المواطن نفسه في اتصال هاتفي.

المواطن الذي فضل عدم ذكر اسمه استدرك ذلك بمثال، فقال “مثلا إذا بدي طالع إخراج قيد فردي أو عائلي بدي روح عالنفوس وانطر ساعات بالدور لحتى قدم طلب والموظف ما بيمشي إلا إذا عطيته إكرامية، رشوى يعني، وكمان إذا بدي صدق أي ورقة بوزارة الخارجية فبياخد يوم كامل أو يومين، وكل يوم في هنيك طوابير، وإذا كنت مستعجل بدواعي سفر أو شي تاني، ففي سماسرة هنيك دايما بيمشوك ولكن بدك تدفع شي 60 ألف ليرة سورية عالمعاملة وأحيانا أكتر”.

تعميق أزمة جوازات السفر

أما بالنسبة لمنصة جوازات السفر، فقد كانت مفيدة من وجهة نظر مهندس البرمجيات رائد قضماني، رغم أنها واجهت عدة مشاكل أدت إلى توقفها عن العمل لفترات. كذلك يتم توفير التكاليف المالية والبشرية من خلال اتباع وسائل الإلكترونيات والرقميات في الحكومة والمؤسسات الأخرى، وفق ما يقوله المهندس للإذاعة المحلية.

المنصة الإلكترونية الخاصة باستخراج جوازات السفر و”البطاقة الذكية” أصدرت قبل حوالي 3 سنوات، وتُمنح للعائلات في سوريا ولبعض القطاعات الخدمية العامة والخاصة، بغية توفير بعض المواد الخدمية والغذائية بسعر حكومي مدعم.

الحكومة بدورها تدعي أن مشروع “البطاقة الذكية” الخاص بها يهدف إلى أتمتة توزيع المشتقات النفطية وغيرها من المواد والخدمات على المواطنين، من أجل منع تهريب هذه المواد والاتجار بها، إلا أن الفساد والاتجار بهذه المواد بات أكثر انتعاشا ورواجا من قبل إصدار هذه البطاقة.

في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أعلنت “وزارة الداخلية السورية” عبر بيان نشرته على موقعها الرسمي، إطلاق منصة “الدور الإلكتروني”، من أجل التسجيل على موعد للحصول على جواز السفر من خلال “منظومة حجز دور للحصول على جواز سفر”، في محافظتي دمشق وريفها فقط، ونوّهت الوزارة آنذاك، إلى أنها ستعمم هذه الخدمة تباعا على بقية فروع الهجرة والجوازات في سوريا.

منذ إطلاق المنصة الإلكترونية في عموم المحافظات، ازدادت معاناة السوريين بشكل غير مسبوق، حيث يصعب التسجيل على دور في المنصة، أو الحصول على جواز السفر السوري المستعجل “الفوري”، ولا يمكن التقدم للحصول على الجواز السفر العادي، إلا بعد حجز موعد على المنصة.

البطاقة الذكية في سوريا- “إنترنت”

شكاوى مستمرة وردت من قِبل المواطنين في سوريا بعدم قدرتهم على الحجز، حيث يتم فتح الرابط لوقت قصير فقط، وبعدد مواعيد قليلة جدا. وتكاليف الموعد أو جواز السفر المستعجل قد وصلت، بحسب شهادات خاصة سابقة لـ”الحل نت”، إلى مبالغ بين 2-3 مليون ليرة في دمشق مثلا، وهذه المبالغ تعتبر نصب ونهب لجيوب المواطنين.

تدعيما لمسألة أن التحوّل الرقمي زاد من انتشار الفساد في البلاد، قال مدير القياس والجودة بـ”وزارة السياحة”، المهندس زياد البلخي، في حديثه لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا، إن عمل المؤسسات ووكالات السياحة والسفر تقوم على إصدار تذاكر السفر داخل وخارج سوريا، وتسهيل الحصول على تأشيرة الدخول إلى بلد المقصد كخدمة مكملة للرحلة السياحية، ولاسيما عندما تكون عملية إصدار تأشيرة الدخول أو ما في حكمها تتم عن طريق منصات إلكترونية.

خلال هذا العمل تظهر إشكالات نظرا لاختلاف طبيعة التذاكر المصدّرة والتي تتراوح ما بين تذاكر قابلة لتغيير الموعد وأخرى غير قابلة، وأيضا قيام بعض الوكالات بالعمل على إصدار تأشيرة دخول لدول مختلفة، التي تتغير في شروطها وطبيعتها وينتج عن ذلك إشكالات من رفض منح هذه التأشيرات.

لكن وطبقا لما أورده موقع “أثر برس” المحلي، في وقت سابق، فإن عددا من المكاتب السياحية في مدينة دمشق أغلقتها “وزارة السياحة” بتهمة النصب والاحتيال وتقاضي مبالغ مالية من أصحابها؛ وبعد أن أغلقت الوزارة هذه المكاتب أعادت بموجب القانون المبالغ إلى أصحابها.

“وداعا للكهرباء”

السخرية لم تنتهِ هنا، بل وصلت إلى واقع الكهرباء والطاقة المتجددة عبر لجوء السوريين للألواح الشمسية، ففي إجازة استثمار جديدة لصناعة ألواح الطاقة الشمسية، من قبل “هيئة الاستثمار السورية” في المدينة الصناعية بعدرا بكلفة تقديرية تفوق 81 مليار ليرة سورية وطاقة إنتاجية تصل إلى 150000 لوح سنويا، أثار هذا الأمر سخرية المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.

حيث قال إحدى المتابعات منتقدة الحكومة بشدة، فقالت “بدل ما تدفعوا 81 مليار لتصنيع ألواح الطاقة الشمسية ليش مابتعيدوا تأهيل محطات توليد الطاقة الكهربائية يللي على طول بتحطوا حجة أنها خارج الخدمة ولا بدكن تمشوا سوق الواح الطاقة الشمسية متل مامشيتوا قبلها سوق المولدات الكهربائية.. ليش هالمواطن المعتر قادر يأكل لحتى يركب ألواح الطاقة الشمسية لا يمتى بدكن تضلوا تمشوا مصالحكن على حساب مصلحة هالمواطن يللي ماقدرله ربنا يترك هالبلد يللي صار منفى لكل أبنائه ولا بس المسؤولين وأولادهم على أساس هن نازلين بالبارشوت من السماء الهن الحق يتمتعوا بكل وسائل الرفاهية والراحة والمواطن يللي ضحى بكل شي منشان هالبلد ينحرم من أبسط حقوقه الإنسانية”.

بينما قال آخرون، “رح يكون حقو اكتر من اللوح الصيني، وداعا للكهرباء، يعني رح تنقرض الكهربا بالمره، الله يحميكن حيتان البلد، بلد العجائب”، وفق تقرير لإذاعة “نينار إف إف” المحلية، يوم أمس الإثنين.

في تقرير آخر لموقع “غلوبال نيوز”، نُشر يوم أمس الإثنين، مفاده أن حديث نظام “الأمبيرات” والطاقات المتجددة وراء قطع الكهرباء لساعات طويلة، وما هو إلا لدعم استراتيجية الطاقة المتجددة التي حددتها “وزارة الكهرباء السورية” حتى عام 2030.

مصدر خاص في “وزارة الكهرباء” زعم للموقع المحلي أن ما يسري من أحاديث عن قطع الكهرباء لتدعم تنفيذ استراتيجية الوزارة الخاصة بالطاقات المتجددة حتى عام 2030 هي مجرد أحاديث فيسبوكية، وأن أسباب الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي متعلق بكميات حوامل الطاقة الموردة إلى “وزارة الكهرباء”، فمحطات التوليد جميعها في جاهزية تامة، ولكن “أعطني غازا لتشغيلها”.

وزارة الكهرباء بالكاد توفر الكهرباء لمدة ساعة وأحيانا ساعتين مقابل أربع أو خمس ساعات قطع، وتلقي بمسؤولية الوضع على قلة توريدات المحروقات لمحطات التوليد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات